رغم استمرار تقدم حزب المحافظين في استطلاعات الرأي قبل الانتخابات المقررة في 12 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، إلا أن الفارق بين المحافظين والعمال تقلص إلى النصف تقريبا مع اقتراب وقت الانتخابات.
وفي أحدث استطلاع للرأي، أجري بالكامل بعد هجوم يوم الجمعة قرب جسر لندن، بلغت نسبة تأييد المحافظين 42 في المئة، وحصل حزب العمال على 35 في المئة، فيما حل حزب الديمقراطيين الأحرار بنسبة 13 في المئة، دون تغيير، بحسب الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة "آي سي إم" لحساب وكالة رويترز ونشرت نتائجه الاثنين.
وهذ يعني تقلص الفارق بين العمال والمحافظين إلى سبع نقاط، بينما بلغ في بعض الاستطلاع السابقة 13 نقطة، قبل ذلك بنحو أسبوع.
وقبيل هجوم لندن، أشار استطلاع نشرته نتائج صحيفة الإندبندنت إلى حصول حزب المحافظين على 39 في المئة، والعمال على 33 في المئة، أي بفارق ست نقاط فقط.
اقرأ أيضا: بوريس جونسون متهم بتسييس الاعتداء الدامي في لندن
وتنبه نتائج استطلاعات الرأي إلى أن بريطانيا قد تشهد برلمانا معلقا آخر، أي دون أغلبية، ما يعني حكومة ائتلافية جديدة، في حين أن خبراء الاستطلاعات يشيرون إلى المحافظين سيحتاجون لفارق بست نقاط على الأقل لإبقاء آمالهم بالحصول على أغلبية وتنفيذ الانسحاب من الاتحاد الأوروبي بحلول نهاية كانون الثاني/ يناير القادم، وفق تعهدات زعيم الحزب بوريس جونسون.
والملاحظ أن التحول في الاستطلاعات هو على حساب الأحزاب الأصغر، لا سيما الديمقراطيين الأحرار، حيث مع ارتفاع نسبة تأييد العمال ومحافظة حزب المحافظين على تقدمه، يتراجع تأييد الديمقراطيين الأحرار وحزب البريكست.
وتشير التقديرات إلى أن العماليين بحاجة لاجتذاب مؤيدي البقاء في الاتحاد الأوروبي، في حين يشير الاستطلاع الذي نشرته الإندبندنت قبل ثلاثة أيام إلى أن المحافظين يجتذبون نحو 70 في المئة من مؤيدي البريكست، وخصوصا مع عدم تقديم حزب بريكست مرشحين في دوائر المحافظين، بينما ينوي 17 في المئة من مؤيدي الخروج التصويت لصالح العمال.
كما أشار الاستطلاع ذاته إلى أن 73 في المئة ممن صوتوا لحزب العمال عام 2017 ينوون التصويت مجددا للحزب، بارتفاع بخمس نقاط مقارنة بأسبوع مضى.
وفي لندن، بالتحديد، فإن حزب العمال يحظى بأغلبية ساحقة، تصل إلى 47 في المئة، مقابل 30 في المئة لحزب المحافظين، بحسب استطلاع أجرته مؤسسة "YouGov" ونشرت نتائجه الثلاثاء. لكن أرقام الحزبين لا زالت دون نتائجهما عام 2017.
لكن ما يجعل الاستطلاعات قابلة للتحول مع اقتراب موعد الانتخابات، أن أكثر من ربع الناخبين لم يحسموا أمرهم بعد، وهؤلاء يمثلون الهدف الأبرز للحملات الانتخابية حاليا.
وتترافق نتائج الاستطلاعات مع إقبال غير مسبوق من الناخبين من غير المسجلين لتسجيل أنفسهم، وتجاوز عدد هؤلاء ثلاثة ملايين شخص منذ الإعلان عن إجراء الانتخابات، وأكثر من ثلثي هؤلاء دون سن الخامسة والثلاثين.
ويأتي التحول في استطلاعات الرأي بعد إعلان الأحزاب البريطانية عن برامجها الانتخابية، حيث يحتدم الصراع بين المحافظين والعمال بشكل خاص حول قضايا الخدمات العامة، وخصوصا الصحة، والإنفاق العام، والضرائب، وهذا بعد قضية الانسحاب من الاتحاد الأوروبي.
كما تتزايد الأسئلة حول سياسة جونسون الأمنية، بعد هجوم لندن بريدج الذي نفذه عثمان خان، وهو سجين سابق متهم بالإرهاب. وقتل في الهجوم الذي نفذه خان بسكين داخل قاعة كان يحضر فيها ورشة لإعادة تأهيل السجناء السابقين، اثنان، وأصيب اثنان آخران.
اقرا أيضا: رئيس المجموعة العربية في "العمال البريطاني" يتحدث لـ"عربي21"
وواجه جونسون اتهامات بتسييس الهجوم، حيث تعهد بتغيير القوانين التي تتيح الإفراج المبكر عن السجناء، وهو الأمر الذي لم يكن مدرجا ضمن البرنامج الانتخابي (المانفستو) للمحافظين.
وقال ديفيد مريت، وهو واحد أحد ضحايا الهجوم: "لسنا بحاجة إلى ردود فعل غير محسوبة"، مشيراً إلى "تدمير دائرة مراقبة السلوك، المفترض بها أن تراقب السجناء بعد الإفراج عنهم، كما دوائر إعادة التأهيل".
ومنذ وصول المحافظين إلى رئاسة الوزراء العام 2010، تعرضت هذه الدوائر لتخفيضات كبيرة على صعيد الموازنة "ونحن بالتالي أقل أمناً"، وفق مريت.
الإعلام:
لكن لا تبدو مهمة كوربين سهلة، في ظل تعرضه لحملة شرسة من جانب الصحافة، تارة باتهامه بالشيوعية وأخرى بمعاداة السامية. كما وُجهت اتهامات لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، التي يفترض أن تبقى على الحياد، بأنها منحازة لجونسون.
اقرأ أيضا: أوبورن: لماذا تتحيز BBC للمحافظين في انتخابات 2019؟
وانضم أخيرا الحاخام الأكبر لليهود في بريطانيا للدعوة لعدم التصويت لحزب العمال، ووصف كوربين بأنه غير مؤهل لقيادة البلاد، وأنه معاد للسامية.
وفي المقابل، فإن حزب المحافظين الذي يواجه اتهامات بالتسامح مع تفشي ظاهرة الإسلاموفوبيا في صفوفه؛ يحظى بتغطية إيجابية في قسم كبير من وسائل الإعلام.
من ناحية أخرى، واجه جونسون اتهامات بالسماح للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالتدخل في الانتخابات البريطانية، بعدما كرر ترامب دعمه لجونسون ومهاجمة كوربين.
اقرأ أيضا: جونسون يرفض الاعتذار عن تشبيه مرتديات البرقع بـ"لصوص البنوك"
بريكست:
وتعد الانتخابات القادمة بمثابة استفتاء على التوجه الذي ستتبعه بريطانيا بشأن الانسحاب من الاتحاد الأوروبي.
وفي حين يؤكد جونسون أن بريطانيا ستنسحب بحلول نهاية الشهر القادم إذا حصل على الأغلبية، تعهد حزب العمال بالتفاوض مجددا مع الاتحاد الأوروبي، ثم عرض الاتفاق الجديد على استفتاء عام يتضمن أيضا خيار البقاء في الاتحاد. وعلى الطرف الآخر يقف حزب الديمقراطيين الأحرار؛ الذي تعهد بوقف عملية الانسحاب نهائيا.
سياسة خارجية:
وفي نهج قد يلقى صدى لكنه في الآن ذاته يجلب له الكثير من الانتقادات، يربط كوربين بين تزايد العمليات الإرهابية والحرب على العراق عام 2003. وكرر كوربين مؤخرا هذه الفكرة بعد هجوم لندن بريدج، مذكرا بخطاب له خلال مظاهرة مناهضة للحرب آنذاك.
من جهة أخرى، يتبنى كوربين خطابا مؤيد للفلسطينيين، ومنتقد لإسرائيل، في حين كان من بين تعهدات حزب المحافظين مواجهة حملات مقاطعة إسرائيل.
كما يتعهد كوربين بانتهاج سياسة مختلفة بشأن استخدام الأسلحة النووية وصفقات السلاح، مشيرا في هذا السياق مثل إلى أنه سيمنع بيع الأسلحة لدول مثل السعودية، وهو ما يرفضه المحافظون الذي يعتبرون أن صفقات السلاح ضرورية للاقتصاد البريطاني ولشركات السلاح.
الصحة:
وتمثل قضية الهيئة الصحية الوطنية (NHS) أحد البنود الأساسية التي يحتدم الجدل حولها في الحملة الانتخابية. فقد عانت المؤسسة من سياسة التقشف التي انتهجها المحافظون، ما أدى لنقص في الطواقم الطبية والممرضين، وإغلاق عدد من أقسام الطوارئ في المستشفيات، إضافة إلى طول فترة الانتظار لتلقي العلاج وتخفيض مخصصات العلاج للأمراض المزمنة.
كما يواجه المحافظون اتهامات بأنهم يسعون لخصخصة المؤسسة، بعدما كشفت وثائق مسربة أن هذه المؤسسة التي تقدم الخدمات الطبية لجميع المواطنين مجانا؛ مطروحة ضمن مفاوضات اتفاقية التجارة مع الولايات المتحدة بعد الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، وهو الأمر الذي سبق أن أشار إليه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أيضا.
وقد اعترف وزير الخارجية وعضو حزب المحافظين، دومينيك راب، أن الشركات الأمريكية قد تتمكن من رفع سعر الدواء الذي تبيعه لبريطانيا، ما يعني أعباء جديدة على الهيئة البريطانية.
الإنفاق العام:
واللافت أن جميع الأحزاب أعلنت تعهدها بزيادة الإنفاق العام، وخصوصا على قطاع الصحة، لكن هناك شكوكا بسياسة المحافظين في هذه الصدد، بسبب سياسة التقشف التي اتبعها الحزب منذ وصوله إلى السلطة عام 2010، وهو الأمر الذي أدى لتخفيضات كبيرة تأثرت بها جميع القطاعات، من الصحة إلى الشرطة والتعليم، وغير ذلك.
وتمثل الأرقام التي طرحها حزب العمال الأكثر طموحا، بزيادة تبلغ نحو 150 مليار جنيه إسترليني، مقارنة بزيادة قدرها نحو 11 مليار جنيه لحزب المحافظين.
كما تختلف الأحزاب في مصدر الأموال، ففيما يشير البرنامج الانتخابي للعمال إلى زيادة الضرائب على الشركات الكبرى والطبقات الغنية، لا يلحظ برنامج المحافظين زيادة ملحوظة في الضرائب.
تأميم قطاعات حيوية:
وفي ظل معاناة بعض القطاعات الاقتصادية من أزمات، مثل قطاع السكك الحديدية الذي يشهد إضرابات متكررة وازدحاما شديدا في أوقات الذروة، مع ارتفاع متزايد في أسعار التذاكر، تعهد حزب العمال بسيطرة الحكومة على هذا القطاع لزيادة الاستثمار فيه. كما ألمح إلى إعادة تأميم أكبر للاتصالات.
وفي ضوء رفض قسم كبير من رجال الأعمال والشركات الكبرى السياسات التي يقترحها جونسون، طرح العماليون شعارهم الأبرز: "من أجل الكثيرين وليس البعض"، في إشارة إلى اتهام حزب المحافظين بخدمة مصالح الأقلية من الطبقة الغنية، مقابل تعهد حزب العمال بالتركيز على الطبقة العاملة والطبقات الأفقر.
منفذ هجوم جسر لندن.. شاب عمره 28 عاما تعرفه السلطات جيدا
"التمثيل النسبي" هل يَصلُح للواقع الفلسطيني؟..خبراء يجيبون
خبير بريطاني: إسرائيل تريد الهيمنة الكاملة على فلسطين