نشرت صحيفة "إندبندنت" تقريرا لمراسلها بورزو داراغاهي، يقول فيه إن الأخبار عن احتجاجات إيران جاءت في أواخر يوم الخميس في الوقت الذي بدأ فيه الثلج يسقط ويغطي الهضاب الشمالية من إيران، تزامنت مع عودة العمال والموظفين إلى بيوتهم لقضاء عطلة نهاية الأسبوع بعد أسبوع عمل متعب آخر.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن سعر البنزين سيزيد 50% لأول 60 لترا، بحسب ما أعلنه المسؤولون الإيرانيون على وسائل الإعلام الرسمية، لافتا إلى أن سعر الوقود بعد ذلك سيكلف ثلاثة أضعاف، حوالي 70 بنسا للتر الواحد، الذي إن كان يعد سعرا رخيصا على مستوى العالم، إلا أن الإيرانيين يعدونه إهانة، فيعدون الحصول على وقود رخيص هو حق موروث.
ويقول داراغاهي إن رفع الأسعار بهذا الشكل أثار أوسع تظاهرات نطاقا منذ سلسلة المظاهرات بسبب المشكلات الاقتصادية، التي بدأت في الأيام الأخيرة من عام 2017، والتي استمرت حتى منتصف عام 2018.
وتلفت الصحيفة إلى أن السلطات الإيرانية اضطرت في آخر موجة من الاضطرابات للقيام بقطع الإنترنت، وإلغاء مباريات كرة طائرة وكرة قدم ومصارعة ورفع أثقال، وإغلاق بازار طهران الكبير؛ خوفا من مشاركة طبقة التجار التقليديين في الاحتجاجات، مشيرة إلى أنه قتل على الأقل ثلاثة أشخاص، بينهم ضابط شركة في مدينة كرمانشاه الغربية، بحسب السلطات، ووفقا لما ذكره الإعلام الحكومي.
ويجد التقرير أنه على غير ما كانت عليه احتجاجات العام الماضي، التي كانت متركزة في مناطق صغيرة ومناطق نائية، فإن هذه المظاهرات انطلقت في محافظات، في الوقت الذي اخترقت فيه بعمق أكبر المدن في البلد، حيث اشتعلت مراكز طهران وشيراز وأصفهان وتبريز في مظاهرات نارية.
وينوه الكاتب إلى أن أحد أعضاء البرلمان، وهو محمد قسام عثماني، استقال من منصبه احتجاجا على تعامل الحكومة مع الأسعار، في الوقت الذي أعرب فيه آخرون عن قلقهم من أن التحرك تم دون استشارة لعامة أعضاء البرلمان.
وتفيد الصحيفة بأن هذه المظاهرات حظيت باهتمام عالمي، بما في ذلك من واشنطن، وقال البيت الأبيض في بيان له يوم الأحد: "تدعم أمريكا الشعب الإيراني في مظاهراته السلمية ضد النظام، الذي من المفترض أن يقودهم.. ونشجب القوة القاتلة والقيود على الاتصالات التي استخدمت ضد المتظاهرين".
ويجد التقرير أنه يبقى من غير المعلوم إن كانت المظاهرات ستستمر وسط قمع شديد، فتم اعتقال ما لا يقل عن ألف شخص، بحسب إعلام الدولة، مشيرا إلى أن اتحاد المظالم الريفية والمدنية على شكل حركة ضد النظام قد يكون هو الصيغة التي تؤدي إلى سقوط النظام الإيراني.
ويستدرك داراغاهي بأن مراقبي الشأن الإيراني يقولون إن هذا الأمر لا يزال بعيدا، فقال محلل للشأن الإيراني، طلب عدم ذكر اسمه بسبب سفره دائما إلى طهران: "دون هدف واضح وقيادة محددة وواضحة فإن هذه الأمور لا تقود إلى شيء".
وترى الصحيفة أنه يمكن اعتبار هذه الأحداث نقطة تحول، تبين الانفصال المتزايد بين قيادة البلد والشعب الذي تحمل العبء الأكبر للعقوبات الأمريكية تحت إدارة دونالد ترامب، مشيرة إلى أن الخبراء حذروا منذ زمن من أن الإيرانيين العاديين، وليست القيادة، هم من يشعرون بألم تلك العقوبات.
ويشير التقرير إلى أن عناصر المجموعات العسكرية التي تشبه العصابات، الذين ينفذون أوامر النظام، فإنهم يحصلون على السلع المدعومة وربما الوقود، وهو ما يحميهم من سوء الظروف الاقتصادية، ويمنحهم محفزا على التعامل بقسوة مع أبناء جلدتهم.
ويورد الكاتب نقلا عن بيان صادر يوم الاثنين عن الحرس الثوري، الذي يعد قوة مؤدلجة توازي القوات المسلحة، قوله: "سيتعامل الحرس الثوري بحزم مع أي شكل من أشكال انعدام الأمن، أو أي افعال تشوش على اطمئنان الناس وراحتهم".
وتبين الصحيفة أنه بالنسبة لبلد لطالما صورت نفسها على أنها المدافعة عن المظلومين، فإن الزعامة الإيرانية تجد نفسها اليوم تقف إلى جانب الذين يلوحون بالهراوات ضد الشعب العادي الذي يطالب بحكم جيد وإصلاح اقتصادي في العراق ولبنان وإيران.
وينقل التقرير عن الرئيس الإيراني، حسن روحاني، قوله يوم الاثنين: "يجب ألا نسمح بتزعزع الأمن في المجتمع.. للناس حق الاحتجاج، لكن الاحتجاج يختلف عن الشغب، وأشكر وزارة المخابرات والشرطة والحرس الثوري ومليشيا الباسيج والقوات المسلحة وقوات الأمن كلها لجهودهم في تحديد هوية الأشخاص الذين يقودون الناس لتدمير الممتلكات العامة".
ويلفت داراغاهي إلى أن روحاني قد استشار وحصل على موافقة كل من رئيس البرلمان ورئيس القضاء والزعيم الروحي علي خامنئي قبل الإعلان عن الارتفاع المفاجئ في الأسعار، الذي قالت إدارته إنه سيوفر 7.2 مليار دولار في العام.
وتورد الصحيفة نقلا عن المتحدث باسم روحاني، علي ربيعي، قوله يوم الاثنين: "تراجع دخل الحكومة بشكل كبير بسبب تراجع الصادرات.. وسواء كانت هناك عقوبات أم لم تكن، نحن بحاجة إلى إصلاح البنية الاقتصادية".
وينوه التقرير إلى أنه لم يكن أمام روحاني أي خيار، فبسبب عدم تمكنه من الحصول على قروض دولية، وعدم استعداده لتخفيض النفقات بتحدي الأعمال المرتبطة بالمؤسسات الدينة والحرس الثوري، التي تبتلع الموارد ولا تدفع ضرائب، اضطرت الحكومة لرفع الدعم متسببة بألم مباشر للشخص العادي.
وينقل الكاتب عن عالم الاقتصاد المتخصص في شؤون إيران في معهد فيينا للدراسات الاقتصادية الدولية، مهدي قدسي، قوله: "بدلا من تخفيض ميزانيات بعض الكيانات العامة، وبدلا من دعم الميزانية من خلال الشركات شبه العامة التي لا تدفع ضرائب، قاموا ببساطة بدعم الميزانية من الناس"، وأضاف: "الناس يفهمون الأمر جيدا في هذه الأوقات ويدركون أن حكومتهم تحملهم المسؤولية مرة أخرى".
وتذكر الصحيفة أن مؤسسات البنك الدولي والأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي كانت تقوم بدفع الدول النامية لرفع الدعم عن الطاقة والسلع، وهي سياسات اتبعتها مؤخرا كل من المغرب وأوكرانيا والهند ومصر، مشيرا إلى قول الاقتصاديين بأن إيران لديها أكبر حجم من الدعم للوقود الأحفوري، ما يشجع التبذير والاستخدام الزائد.
ويفيد التقرير بأن التحرك بعيدا عن الدعم يسمح للحكومات بالاستثمار في الخدمات الاجتماعية والبنية التحتية، وتحرير السلع للتصدير، بالإضافة إلى تجنب فرق السعر عبر الحدود، وهو ما يشجع على التهريب.
ويشير داراغاهي إلى أن معظم الدول تقوم بإصلاحات دعم الوقود بتحذير مسبق، وتحاول تحقيق مكاسب سياسية بالاحتجاج بأن إزالة الدعم مفيدة لأنه يشجع على التبذير وبالتالي التأثير سلبا على البيئة، لافتا إلى أنه كان هناك القليل من الكلام في إيران حول هذا الموضوع ولم يتم نقاشه، وجاء أيضا في وقت يعاني فيه الإيرانيون من ضيق الحال المادية، وهم قلقون من التضخم، الذي أفقر الطبقة المتوسطة.
وتقول الصحيفة إنه بالإضافة إلى ذلك فإن معظم الايرانيين يفتقرون إلى المواصلات العامة الملائمة، فحتى الايرانيين الذين لا يملكون سيارات يعتمدون أحيانا على شبكات من أصحاب السيارات لينقلوهم حول المدينة.
ويلفت التقرير إلى أن ارتفاع الأسعار هذا تزامن مع أقصى قمع سياسي للمعارضين، فلم تزد اعتقالات الناشطين ومضايقة الأقليات الإثنية والدينية فقط، فحتى المحامين الذين يجرأون على الدفاع عنهم تم سجنهم، مشيرا إلى أن الحكومة اختارت بدلا من الانسجام الاجتماعي الخوف والتهديد.
وتختم "إندبندنت" تقريرها بالإشارة إلى قول الخبير في الشأن الإيراني: "كان ينبغي القيام بخطوة رفع أسعار البترول كان.. لقد كانت الخطوة الصحيحة التي اتخذت في الوقت الخطأ وبالأسلوب الخطأ.. الطريقة التي أعلنت فيها كانت عجيبة، فلو كان هناك شيء من النقاش العام حولها لكان الغضب أقل، لكن الآن فبدا الأمر كأن الحكومة لا تثق في الشعب".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
إندبندنت: مظاهرات إيران قد تتحول لخطر وجودي للنظام
FT: ما تأثير سياسات ترامب المتقلبة على أمن الشرق الأوسط؟
فورين بوليسي: ما هي الصفقة بين الحرس الثوري وخامنئي؟