شهدت العاصمة اللبنانية مؤخرا خطوات جديدة في إطار العمل لتزخيم التواصل بين المسؤولين
الإيرانيين وقيادات من
الإخوان المسلمين، من أجل البحث في التحديات المشتركة التي تواجه الحركات الإسلامية في المرحلة المقبلة.
وقد شكل تعيين الدكتور عباس خاميار لتولي المستشارية الثقافية الإيرانية في بيروت؛ خطوة مهمة في اتجاه تفعيل التواصل بين المسؤولين الإيرانيين والعديد من الفاعليات الفكرية والثقافية والدينية المتنوعة في لبنان، وخصوصا تلك التي كان لها وجهات نظر متباينة مع القيادة الإيرانية، ومنها قيادة الإخوان المسلمين في لبنان والمنطقة.
والمعروف عن الدكتور خاميار أنه من أوائل الباحثين الإيرانيين المتخصصين في علاقة الجمهورية الإسلامية الإيرانية بحركة الإخوان المسلمين، وهو أعد دراسة معمقة في هذا المجال ونشرت في كتاب صادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية في بيروت قبل عشرين سنة تقريبا. وهو يتقن اللغة العربية وعمل في العديد من العواصم العربية، وشارك في معظم المؤتمرات التي خصصت للحوار العربي- الإيراني.
وتشير مصادر إيرانية مطلعة في بيروت إلى أن هناك قرارا إيرانيا عالي المستوى من أجل تفعيل العلاقات مع كل الحركات الإسلامية في العالم العربي، وخصوصا الإخوان المسلمين، وأن عددا من مراكز الأبحاث والدراسات الإيرانية قد أعدت دراسات معمقة حول التطورات التي حصلت في العالم العربي خلال السنوات الثماني الأخيرة؛ وانعكاس هذه التطورات على العلاقة بين إيران والعالم العربي عامة، والحركات الإسلامية بشكل خاص، وأنه على ضوء نتائج هذه الدراسات تقرر إعادة تفعيل
الحوار مع كل الحركات الإسلامية، وأن اعادة العلاقة مع حركة حماس إلى اقوى مما كانت عليه قبل الثورات العربية كان من نتائج هذه الدراسات. وستستمر الجهود في المرحلة المقبلة، في ظل التحديات المشتركة التي تواجه إيران والحركات الإسلامية.
وفي المقابل، تقول مصادر قيادية إسلامية إن إعادة تفعيل العلاقة بين إيران وحركات الإخوان المسلمين في العالم يتطلب اليوم حوارا استراتيجيا كاملا؛ لتقييم المرحلة الماضية والبحث في آفاق التحديات المقبلة، وإن هناك العديد من النقاط المشتركة بين الطرفين، رغم استمرار الخلاف حول كيفية مقاربة القضية السورية وتداعياتها. وهذا هو الملف الأكثر سخونة في هذا المجال ولا يمكن القفز عنه، لكن يمكن العمل بشكل مشترك لمعالجة تداعياته القائمة، والبحث عن حلول عملية له في ظل التعاون الروسي- التركي- الإيراني وإمكانية الوصول الى معالجة مشتركة.
وأما عن التحديات المشتركة بين إيران وحركات الإخوان المسلمين اليوم، فتجيب المصادر القيادية الإسلامية: "في مقدمة هذه التحديات تأتي صفقة القرن وتداعياتها، وكل ما يتعلق بالصراع مع العدو الصهيوني، ودعم قوى المقاومة. فهذا الملف له الأولوية، وإيران اليوم تقدم كل الدعم لقوى المقاومة بشكل عملي، وسيكون أمامنا مهمات كبيرة في المرحلة المقبلة لمواجهة تداعيات هذه الصفقة ومخاطرها.
والملف الثاني يتعلق بالهجمة العربية- الدولية على الحركات الإسلامية على اختلاف انتماءاتها وتنوعاتها، وعدم التفريق بين إيران وهذه الحركات، ووضع هذه الحركات على "لوائح الإرهاب" وفرض الحصار المالي عليها. وكل ذلك يفرض إيجاد بعض أشكال التعاون لمواجهة هذا الحصار، والعمل للبحث عن المصالح المشتركة بين الدول والقوى التي تواجه الحصار. وقد تكون تجربة التعاون القطري- الإيراني- التركي لكسر الحصار على قطر نموذج مهم، كما أن التعاون التركي- الإيراني طيلة كل السنوات الماضية وحتى اليوم لمواجهة العقوبات الأمريكية؛ نموذج عملي آخر، وهناك نماذج أخرى يمكن الاستفادة منها في المرحلة المقبلة.
وأما الملف الثالث فهو يتعلق بإعادة تقييم كل ما جرى في الدول العربية خلال السنوات الأخيرة، ومخاطر الصراعات التي حصلت، ووضع آليات للخروج من هذه الأزمات بما يحفظ مصالح الجميع، ولا سيما في اليمن وسوريا ولبنان والعراق، وتقييم تجربة الحركات الإسلامية في الحكم والاستفادة من التجربة الإيرانية، والفصل بين الصراعات السياسية والخلافات المذهبية".
هذه بعض الأفكار والاقتراحات التي يتم تداولها في اللقاءات التمهيدية التي عقدت مؤخرا في بيروت وعواصم عربية وإسلامية أخرى؛ لتقييم المرحلة الماضية والبحث عن آفاق جديدة للعلاقة بين إيران وحركات الإخوان المسلمين، وحركات أخرى ناشطة في إطار المقاومة، فهل تمهد هذه اللقاءات لحوار استراتيجي مستقبلي، أم أن الخلافات التفصيلية ستقف عائقا أمام هذا الحوار الهام والمطلوب اليوم قبل الغد؟