أجرت مجلة "نيويوركر" مقابلة مع خطيبة الصحافي السعودي جمال خاشقجي، خديجة جنكيز.
وتشير المقابلة، التي أجراها إسحاق تشوتينر، إلى أن جنكيز رافقت خاشقجي في يوم 2 تشرين الأول/ أكتوبر، إلى القنصلية السعودية للحصول على أوراق ضرورية لزواجهما في اليوم التالي، لكنه دخل إلى القنصلية ولم يخرج منها، حيث قتل وقطع على يد فرقة موت، تعتقد المخابرات الأمريكية وتركيا أنها أرسلت لقتله بأمر من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
ويلفت تشوتينر إلى أن جنكيز لم تتحدث كثيرا حول ما جرى، لكنها أصدرت تعليقات في الفترة الماضية حول أهمية استمرار التحقيق في مقتله، وأجرى الكاتب مقابلة معها عبر الهاتف حيث تعيش في اسطنبول.
وقالت جنكيز في المقابلة، التي ترجمتها "عربي21"، ردا على سؤال حول وصفها جمال بصحفي "القصر" وما تعني بهذا: "عنيت بأنه كان صحفيا قريبا من القصر. وكما تعرف فإن عائلة خاشقجي تعد من العائلات الشهيرة في السعودية، وكان أجداد جمال أطباء في القصر، ولهذا السبب بدأ حياته الصحفية بالعمل مستشارا ومساعدا لعدد من الأمراء في إنجلترا وأمريكا، وما عنيته أنه (لم يكن شخصا خارجا)، بل كان قريبا من الحكومة السعودية".
وقالت جنكيز حول العلاقة بينهما، وعن دور السياسة في الرابطة التي ربطت بينهما: "كان من بين الكتاب الذين ركزت عليهم، كوني باحثة في الشرق الأوسط، وأتابعه منذ خمسة أعوام، وعندما علمت أنه مشارك في مؤتمر حضرته في اسطنبول في أيار/ مايو 2018، وكنت راغبة بمقابلته، وذهبت إليه وقدمت نفسي وقلت إنني باحثة متخصصة في دول الخليج وأريد إجراء مقابلة معه، ولم أكن أعرف كيف سيتقبل الفكرة، خاصة أنني مجرد باحثة، لكنه كان متواضعا لدرجة أنه قبل الفكرة، واستمرت المقابلة 26 دقيقة، ونشرتها في أول كتبي الذي نشرته في تركيا.
وسألته عن التحولات التي تجري في السعودية، وإن كانت ستؤدي إلى تحولات جادة، وبالنظر من الخارج، فإن هناك أمورا تحدث بسرعة، لكن كان هناك الكثير من الاعتقالات وغير ذلك، وتم سجن أشخاص مقربين من القصر -أمراء وأكاديميين ورجال أعمال- وطرحت السؤال على جمال الذي أجاب عليه.
وسألني في المقابل عن السياسة التركية والانتخابات التي كانت ستجري في ذلك الوقت، وسألني كوني شابة عن رأيي في حزب العدالة والتنمية، وعندما أجبته بدا الأمر كحوار بين باحثة وكاتب، وكأن شخصين يشتركان في الأمر ذاته، وشكلنا رابطة في أثناء اللقاء، وطلب جمال رؤيتي في زيارته الثانية لاسطنبول، والتقينا مرة أخرى وتقدمت علاقتنا".
وسألها الصحفي عما إذا فكر جمال خاشقجي بتغير في طريقة قيادة محمد بن سلمان، فقالت: "لقد تحدث بطريقة جيدة عن التطورات، لكنها لم تكن تحدث في مسار طبيعي، وبعبارات أخرى زادت الدولة الضغط على الجماعات التي تفكر بطريقة مختلفة، مثل الصحفيين، مثله، وكذلك الأكاديميون والمثقفون وغيرهم، وكان الضغط عليهم شديدا مقارنة مع السابق، وعبر خلال عملية التحول التي تمر بها السعودية، عن أن هناك منظورا للخوف للأصوات المعارضة والمختلفة، وأن المناخ ليس مريحا، وكان العديد من أصدقائه وزملائه في السجن، بسبب تغريدات أو تعليقات وضعوها عن الأزمة مع قطر أو لأسباب أخرى، ولأنه لم يكن قادرا على التكهن بسرعة التغيرات أو عمقها وكيف ستسير، فقد قرر مغادرة بلده، وسألته عن هذا الموضوع: بلدك مملكة ولا ديمقراطية حقيقية في تاريخ السعودية، فمتى ستكون قادرا على نقد الإدارة فيها؟ وكيف كان بإمكانك التعبير عن مواقفك في الماضي، واليوم لا تستطيع التعبير عن الحريات ذاتها؟
ورد أنه لم يكن هناك ضغط كما هو الآن، ففي الماضي كان الأشخاص الذين ينتقدون الحكومة يحذرون أو يمنعون من العمل بشكل مؤقت، لكن كانت تتم إعادتهم في النهاية، وقال إن السعودية لم تشهد اعتقالات كبيرة أو احتجازات كما هو اليوم، دون أرضية أو مبرر، وعلى الأقل لم تكن استفزازية أو خطيرة وكان يراقبها بقلق وخوف".
وقالت جنكير ردا على سؤال عما إن أظهر جمال الخوف أمامها: "أراد مغادرة البلد لأنه كان قلقا من إمكانية اعتقاله أو احتجازه لو واصل البقاء، وبدلا من البقاء خائفا وقلقا غادر السعودية، في محاولة للبحث عن منبر يمكنه التعبير عن أفكاره بحرية، وبالطبع لو كان الوضع في بلاده ورديا لما غادر، وأنا متأكدة أنه كان يحمل قلقا وخوفا لأنه قال لي: (في مثل هذا العمر لا أريد الموت في السجن).
ولم يكن هذا جديدا، فطالما ما أشار إلى التحولات التي تمر بها بلاده، وأن العملية مؤلمة، وطالما عبر عن هذا في محاولة لمساعدة بلده على المرور بهذه العملية، وسبب مغادرته بلده لم يكن من أجل معارضتها، وبعد خروجه من بلاده اتسمت تصريحاته بالحذر، وبدلا من تبني نهج يستهدف بلده، رسم خطا وهو يحاول مساعدة بلده بتصريحات موضوعية، ولهذا السبب وجد مخطئا الشجاعة للدخول إلى القنصلية، ولو كان يشعر بالعداء لما ذهب، وظل يخبرني أنهم ليسوا أعداءه.
أعني أن هذا كان مبادرة حسن نية، ويبدو أنهم استهدفوه في الداخل".
وأجابت خديجة في ردها على سؤال يتعلق بالتجربة المؤلمة التي شاركها الملايين بها، عندما سألها الكاتب عما شعرت به ومساعدة الناس لها، قائلة: "لا يوجد هناك جواب واحد، لكنني سأحاول الإجابة، فخسارة جمال كانت مؤلمة، وصدمت العالم كله فيما يتعلق باحترام حقوق الإنسان وطبيعة مهنته، وكانت ذا ملمح سياسي لأنه قتل في القنصلية، وهو متعلق بأمور أخرى، بما في ذلك التقاطع ما بين حياته الخاصة وعمله، وكنت الصلة الوحيدة لأقاربه ومحبيه وأصدقائه وعائلته، ما جعلني أؤجل حزني ومعاناتي، وفقط عندما كنت وحيدة فهمت ما خسرته ولماذا والوضع الذي صرت إليه، وعندما أقول فهمت، طبعا كنت أعرف منذ البداية، لكنني فهمت منذ البداية لكن الألم جاء لاحقا، خاصة أنني كنت منشغلة بالتحقيقات القانونية، وكنت أحاول فهم ماذا يجري، فقد تم تأجيل الألم والكآبة، وعندما جاء ذلك لاحقا، فإنه كان مثل الموجة الكبيرة.
وفي الشهر الأول كنت مثل غيري أحاول فهم ما يجري، وقلت لنفسي إنه لم يقتل فكيف يحدث هذا؟ وكيف يمكن لهذه الأمور أن تحدث؟ فهذا خارج العقل، وعلى أي حال، وكما قلت سابقا، مع أن جمال كتب بعض المقالات، أزعجت بعض الناس لكنه كان رجلا صادقا ونزيها، ولا أحد يمكنه الشك في حسن نيته، ولأنه كان يعتقد أن أمرا كهذا لن يحدث، وكنت أؤمن بهذا أيضا، وخلال الشهر الثاني والثالث والأشهر التالية حيث بدأت أصدق التقارير الإخبارية ولم أقبلها، وكانت طويلة، فهل تفهم هذا؟ وما اكتشفته لم يكن طبيعيا، لكن الصحافة ظلت تلاحق القصة، والعالم كله يتصل بك، ومكالمات من كل بلد في العالم، وكالات أنباء وأسماء ودول لم أكن أفكر بها تطالب بالأخبار عن أهم رجل في حياتي، الرجل الذي أحببته أكثر، وكانت هذه الصدمة، وهذه صدمة نفسية تزيد الألم.
وبدأت أيضا بتجاوز هذه النفسية بعدما هدأت الأمور، وكان علي الذهاب إلى جلسات نفسية، وفي الشهر الثاني أو الثالث عندما وصلت السفينة إلى الأرض، وعلمت أنني خسرت جمال دخلت في حالة من الكآبة.
وفي هذه الفترة لم أقم بإجراء مقابلات مع الصحافة، ولم أظهر في البرامج التلفزيونية، تركية وغير ذلك، ولم أقدم سوى مقابلة مع قناة تركية بعد الإعلان الرسمي عن موته، وكانت المقابلة بسبب الإعلان، ولم أكن راغبة في معاملة قصته على أنه عرض، وحاولت فهم الوضع من داخلي، ولأن الموضوع كان ثقيلا وخطيرا، فلم أرد لأحد استغلال الجانب العاطفي في علاقتنا، فهذا أمر خاص وحساس، وبدلا من تحويلها إلى قصة حب حاولت التأكيد أنها قصة خطيرة، وفي الوقت ذاته بقيت أفكر أن جمال لا يزال حيا، بل كنت أتوقع ان يقوم هو نفسه بشرح الوضع بعد الإفراج عنه.
ولهذا السبب لم أتحدث أمام الكاميرات عند القنصلية، واعتقدت أن لا حاجة لعمل هذا، فقد دخل جمال لكنه لم يخرج أبدا، واعتقدت أنه عندما يخرج بنفسه سيتحدث للصحافة، ولهذا لا تزال الصدمة مستمرة، ولسوء الحظ لا أستطيع العيش حياة طبيعية، ولا أشرح حالتي النفسية لإغضاب الناس، لكن هذا هو الواقع، ولا أستطيع مواصلة حياتي كأي شخص عادي؛ لأنني لا أستطيع نسيان ما حدث.
وهذا أمر جديد بالنسبة لي، ولا تزال في الأجندة الدولية منذ وقت، ولأننا لا نستطيع تحقيق أحلامنا معا فأثر ذلك ثقيل علي، ولو حققنا حلمنا وتزوجنا ولو مضى الأمر في طريق مختلف لكانت لدي ذكريات أحملها، لكن كل شيء صار مختلفا، وحتى اسطنبول، مدينتي تبدو مختلفة لي بعد هذه التجربة، وأعتقد أن هذه ليست صدمة يمكن وصفها، بل هي أمر رهيب".
وقالت جنكيز إنها لم تتصل بعائلة جمال خاشقجي أبدا، ولم تتصل بأحد قي السعودية، "لكنني أريد إضافة أمر آخر، لقد سألت لو كانت لي اتصالات مع أفراد عائلته، كانت لي بعض الاتصالات مع بعض أولاده، لكنني لا أعرف إن كانوا في السعودية الآن، وبالتأكيد اتصلت بهم لبعض الأمور المحددة والتقيت شخصيا بأحدهم، ابنه عبد الله، في اسطنبول، وكان هو الذي اتصل بي ذلك اليوم يسألني عما حدث له، وتابعنا الموضوع معا، وبقينا على اتصال، لكن تواصلنا انقطع لاحقا بسبب تطور الأمور بطريقة مختلفة بالنسبة لهم".
وأجابت جنكيز على محادثاتها مع المسؤولين الأتراك، وفيما إن تحدثت مع الرئيس أردوغان، أو أنها أخبرتهم بأمور لم تنشر للرأي العام، قائلة: "لا توجد اتصالات كهذه في هذا الوقت، وفي أثناء الحادث بدلا من بناء اتصالات مباشرة فضلت متابعة الأمر عبر الإعلام؛ لأن الموضوع حساس، ولم أكن أريد مضايقتهم أو إثقالهم، وفي الأيام والأسابيع الأولى كان علي تقديم بيانات للمسؤولين الأتراك نظرا لفتح التحقيق، ولهذا تحدثت مع المدعي العام في اسطنبول والشرطة، والتقيت أيضا مع الرئيس في الأيام الأولى، وطلبت دعمه الروحي ومساعدتي لفهم ما يجري وما حدث، وأكد لي أن مسؤولي الحكومة يقومون بواجباتهم ويتابعون القضية، وقال لي لا حاجة لأن أكون قلقة حول ما تم، ولاحقا كنت أتصل في المناسبات مع المسؤولين عندما كنت أريد وليس الرئيس، ولم يعد هذا قائما الآن؛ لأن كل شيء واضح".
وسألها الصحفي عن الصحفيين المعتقلين في تركيا، وموقفها من حرية الصحافة حول العالم، فأجابت: "هذا ليس مرتبطا بالمقابلة، لكنني أقول باختصار: لقد غادر جمال بلده لتمثيل من يفكرون مثله ويريدون التعبير لكنهم لم يكونوا قادرين، والتحدث نيابة عنهم، مثلا غالبية أصدقائه في السعودية لا يستطيعون الحديث بحرية، وقال: (أريد الحديث لأن هناك الكثيرين لا يستطيعون عمل شيء، ولهذا يجب أن أفعل.. وهذا عبء ثقيل على كتفي)، وفي ضميره كان يشعر بالمسؤولية تجاه الأشخاص الذين يتم إسكاتهم، ولم يكن مجبرا على عمل هذا لكن هذا ما فعله، وكنت مع رجل كان لديه هذا الموقف، وكنت معه لأنني أعجبت بمهمته ورؤيته التي كنت أتابعها من خلال كتاباته، ولأنني أعجبت به وطورت معه علاقة عاطفية لاحقا، وأعني أننا اشتركنا في موقف أخلاقي وليس مجرد لقاء.
لذا، فإني أدافع عن الأشياء التي دافع عنها كلها، وهي في عالمي الداخلي، وأثمنها بصدق، ودافعت عن الكثير من الأشياء التي وقف من أجلها جمال، ويجب بالطبع السماح بحرية التفكير والتعبير في تركيا، كما في أي بلد آخر دون استثناء أو تمييز، لكن قبل التوصل للحكم، فإن على الشخص الإدراك أن الأحداث سياقية وتختلف من بلد لآخر.
والتطورات في بلدنا وتلك في الشرق الأوسط ليست نابعة من الأصل ذاته، ويجب تأكيد هذا. وبالتأكيد فإن النتيجة واحدة، ويتم وضع المثقفين في السجن وقمع أفكار معينة، وكما قلت أقف ضد هذا كله، وأدافع عن حرية التفكير، ولماذا أتحدث الآن؟ فقد قتل صحفي أليست هذه هي النتيجة ذاتها، وأدافع عن حق جمال وحدي، ألا يعني هذا شيئا؟ ألا يظهر أين أقف؟".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
هذه تفاصيل تحقيق FBI بإصدار مجلة عددا خاصا عن ابن سلمان
ميدل إيست آي: مقاطعة سرية للبضائع التركية في السعودية
WP: مؤتمر دولي للإعلام بالسعودية لتحسين صورتها