مني اللواء المتقاعد خليفة حفتر بنكسة جديدة، بعد سلسلة غارات نفذتها حكومة الوفاق، واستهدفت قاعدة الجفرة الجوية الاستراتيجية التي تنطلق منها الطائرات لقصف العاصمة الليبية.
ويشكل القصف الجوي العنيف لطيران حكومة الوفاق، على قاعدة الجفرة الجوية، في قلب الصحراء الليبية، فجر الجمعة، نكسة جديدة للواء المتقاعد خليفة حفتر، بعد يومين فقط من زعمه "قرب رفع راية النصر في طرابلس".
ودلالة هذه النكسة تعكسها الأهمية الاستراتيجية لقاعدة الجفرة الجوية، خاصة بالنسبة لسير المعارك في العاصمة الليبية.
فبعد هزيمة مليشيات حفتر، في معركة غريان (100 كلم جنوبي طرابلس)، وفقدانها لغرفة عملياتها العسكرية الرئيسية، انتقلت قيادتها، إلى قاعدة الجفرة الجوية، البعيدة بنحو 600 كلم عن مسرح العمليات في جنوبي العاصمة.
واستهداف غرفة القيادة والتحكم في الجفرة، التي يعتقد أنها تضم ضباطا وخبراء أجانب، من شأنه إرباك قوات حفتر في جبهات القتال جنوبي طرابلس، وإحراج داعميه الدوليين.
وقاعدة الجفرة، ليست فقط مركز القيادة والتحكم، بل تمثل قاعدة تحشيد لرجال حفتر من مدن شرق البلاد، وأيضا لمسلحين مرتزقة من المعارضة في تشاد والسودان، وإرسالهم إلى محاور القتال جنوبي طرابلس، فضلا عن كونها قاعدة إمداد بالأسلحة والذخائر والمؤن أيضا.
وبحكم موقعها الاستراتيجي وسط البلاد، تمثل "الجفرة"، نقطة وصل بين مناطق شرق ليبيا، وبالأخص مدينة بنغازي (ألف كلم شرقي طرابلس) حيث يتم نقل الإمدادات جوا إلى القاعدة، ومنها إلى محاور القتال، عبر طريقين رئيسيين.
اقرأ أيضا: الوفاق الليبية: تدمير حظيرة طائرات مسيرة تابعة لقوات حفتر
ويمتد الطريق البري الأول من الجفرة مرورا ببلدة الشويرف (400 كلم جنوب شرقي طرابلس)، ثم بلدة مزدة (200 كلم جنوبي طرابلس)، إلى غريان، ومنها إلى منطقة الهيرة، وصولا إلى جنوبي طرابلس.
وتمكنت قوات الوفاق من قطع هذا الطريق بعد سيطرتها على غريان والهيرة، في 26 يونيو/ حزيران الماضي، واستهدافها جوا "مزدة"، وهجمات محورها الجنوبي على الشويرف، ما حول هذا الطريق إلى ما يشبه "الأفعى مقطعة الأوصال".
الطريق الثاني؛ ويمتد من قاعدة الجفرة ومنه جوا إلى مطار بني وليد (180 كلم جنوب شرقي طرابلس)، لتنقل الإمدادات برا إلى مدينة ترهونة (90 كلم جنوب شرقي طرابلس)، ومنها إلى بلدة السبيعة (40 كلم جنوبي طرابلس) وصولا إلى محاور القتال خاصة المطار القديم، وقصر بن غشير (الضاحية الجنوبية للعاصمة).
وعملت قوات حكومة الوفاق، المعترف بها دوليا، لقطع هذا الطريق من خلال غلق المجال الجوي لمطار بني وليد، واستهداف "السبيعة" في هجمات برية، برفقة مطار طرابلس القديم الذي تنطلق منه قوات حفتر لمحاولة اختراق وسط العاصمة.
لذلك تلجأ قوات حفتر إلى طريق بري بديل يمتد من الشويرف إلى بني وليد، ومنها إلى ترهونة، ثم بلدات النواحي الأربع (السبيعة، سوق الخميس، سوق الأحد، وسوق السبت) وعبر تصل المؤن إلى جنوبي طرابلس، خاصة بعد إعلان كتيبة من بني وليد انحيازها لحفتر وتأمينها الطريق بين الشويرف وترهونة مرورا ببني وليد.
والنقطة الأخيرة التي لا تقل أهمية عن استهداف مركز القيادة والتحكم وقاعدة الإمداد، تتمثل في تدمير طائرات بدون طيار وطائرات الشحن، ومنظومات الدفاع الجوي، وتوجيه تحذير للطائرات الحربية الأجنبية التي تستخدم الجفرة لقصف طرابلس.
وهو ما أشارت إليه رئاسة أركان الوفاق، التي ذكرت في بيان الجمعة، أن قاعدة الجفرة تعد "منطلقا لطائرات أجنبية تقوم بقصف المدنيين ومرافق حيوية تهم الشعب الليبي".
موقع استراتيجي
ويسمح الموقع الاستراتيجي للجفرة، للطائرات الحربية وحتى الطائرات بدون طيار، بقصف العاصمة، ونقل الإمدادات جوا إلى مطار بني وليد "المدني"، وإلى قاعدة الوطية الجوية (170 كلم جنوب غربي طرابلس)، دون الحاجة إلى التزود بالوقود جوا.
فحفتر لطالما انتصر في معاركه في شرق البلاد وجنوبها، بسبب تفوقه الجوي الساحق، لكن هذه المرة أخفق في تسيد سماء المعركة، بفضل تمكن قوات الوفاق، وبالأخص القوات الجوية في مدينة مصراتة (200 كلم شرقي طرابلس) من صيانة طائرات قديمة وإعادتها للخدمة، وأيضا إدخال طائرات بدون طيار ميدان المعركة، ما أحدث نوعا من التوازن مع قوات حفتر الجوية، المدعومة من الإمارات ومصر وفرنسا.
وفي وقت سابق الجمعة، أعلنت قوات الوفاق، في بيانين منفصلين، هجومها على قاعدة الجفرة الجوية، وتدمير حظيرة الطائرات المسيرة، وإعطاب طائرة شحن "يوشن 76"، ومنظومات الدفاع الجوي، بالإضافة إلى استهداف حاجز أمني بالقرب من مدينة هون القريبة من قاعدة الجفرة.
وأوضحت قوات الوفاق، أن هذا الهجوم جاء ردا على خطاب حفتر، الأربعاء، كما أن قاعدة الجفرة تستخدم لتحشيد ودعم مليشيات حفتر التي تهاجم طرابلس.
اقرأ أيضا: حفتر: سندخل طرابلس ولا رأفة لمن ضل السبيل (شاهد)
بينما نقلت قناة "218"، الموالية لحفتر، عن مصادر وصفتها بـ"الخاصة"، أن القصف الجوي على قاعدة الجفرة، كان مكثفا، منذ الساعة الـ3:30 بالتوقيت المحلي (1.30 ت.غ)، وسمع دوي 5 انفجارات قوية، بمعدل انفجار كل نصف ساعة، مرجحة أن يكون ذلك بسبب إصابة مخازن الذخيرة.
جدير بالذكر، أن قاعدة الجفرة الجوية، كانت خاضعة لسيطرة القوة الثالثة، التابعة لكتائب مصراتة، منذ سقوط نظام القذافي في 2011، وكانت تحتوي على مخازن لصواريخ متوسطة المدى، استخدمتها كتائب مصراتة في حسم معركة مطار طرابلس الدولي في 2014، لكن قوات مصراتة انسحبت من الجفرة، في يونيو/ حزيران 2017، بعد تعرضها لقصف جوي عنيف يعتقد أنه أجنبي.
ومنذ نحو أربعة أشهر على هجوم طرابلس، لم تتمكن قوات حفتر من إحداث اختراق حقيقي نحو وسط العاصمة، فيما تعددت إخفاقاتها في الفترة الأخيرة.
وتتمثل أبرز إخفاقات حفتر، في خسارة الجناح الغربي بعد هزيمة قواته في مدينة الزاوية (45 كم غربي طرابلس)، وفقدان "قلب الجيش" في غريان.
وأسفر هجوم قوات حفتر على طرابلس منذ بدايته وحتى 5 يوليو/ تموز الجاري، عن سقوط أكثر من ألف قتيل، ونحو 5 آلاف و500 جريح، وفق منظمة الصحة العالمية.
"معسكر النقلية" بطرابلس
وأعلنت كذلك قوات حكومة الوفاق الليبية، السبت، استعادتها كامل "معسكر النقلية" جنوبي طرابلس، بعد ساعات من سيطرة قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، عليه.
وقال المتحدث باسم المركز الإعلامي لعملية "بركان الغضب"، مصطفى المجعي، إن القوات الحكومية "أحكمت سيطرتها على معسكر النقلية".
وأضاف المجعي، أن قواتهم استطاعت تكبيد خسائر كبيرة لقوات حفتر التي هاجمت المعسكر.
وأشار إلى أن عدد قتلى قوات حفتر التي تم إحصائها داخل المعسكر بلغ عشرين جثة.
وفي وقت سابق السبت، قالت عملية بركان الغضب عبر "فيسبوك"، إن القوات تعاملت مع مجموعة من عصابات حفتر في محيط معسكر النقلية، ودمّرت 5 آليات مسلحة بينها مدرعة إماراتية.
وصباح السبت، أعلنت قوات حفتر، سيطرتها على "معسكر النقلية"، على طريق المطار المؤدي إلى وسط العاصمة طرابلس، بعد هجوم عنيف شنته فجرا.
وقال المركز الإعلامي لـ "اللواء 73 مشاة" التابع لقوات حفتر، في بيان نشره عبر صفحته على "فيسبوك"، إن "عملية السيطرة على المعسكر، تمت بعد التقدم نحوه من ثلاثة محاور بمشاركة عدد من الكتائب".
وفجر السبت، قصف طيران حربي تابع لحفتر، مقر الكلية الجوية بمصراتة، للمرة الأولى منذ بدء المعارك جنوبي العاصمة طرابلس.
وجاء استهداف مقر الكلية الجوية بمصراتة، بعد ساعات من استهداف قاعدة "الجفرة" الجوية من قبل الطيران الحربي التابع للوفاق.
وأسفر هجوم قوات حفتر على طرابلس منذ بدايته وحتى 5 تموز/ يوليو الجاري، عن سقوط أكثر من ألف قتيل، ونحو 5 آلاف و500 جريح، وفق منظمة الصحة العالمية.
هكذا تحول حلم حفتر بطرابلس إلى كابوس.. 6 هزائم قاسية
قوات "الوفاق" تتجه نحو معقل جديد لحفتر.. هل بدأت مراحل سقوطه؟
هل يقود إعلان حفتر استهداف مصالح تركية إلى مواجهة مباشرة؟