أثارت الإجراءات التي بدأت السلطات التركية تطبيقها منذ أيام تجاه اللاجئين السوريين في محافظة إسطنبول؛ جدلا كبيرا في الأوساط المتعاطفة مع ثورة الشعب السوري، ووضعت علامات استفهام حول حقيقة هذه الخطوة وأسبابها وأهدافها، بالإضافة إلى مستقبل اللاجئين في تركيا، في ظل تأكيد مسؤولين أن الموقف الرسمي من الملف لا تغيير فيه، وأن هذه الإجراءات مجرد ترتيبات لا بد منها لتنظيم أوضاع البلاد.
تركيا فتحت حدودها على مصراعيها أمام تدفق السوريين الهاربين من مجازر قوات النظام والمليشيات الطائفية، وحاولت أن تتعاطى مع ملف اللاجئين في إطار الأخوة المبنية على مبدأ الأنصار والمهاجرين، إلا أن الأيام أظهرت أن هذه السياسة لم تكن واقعية، ومهما كانت أهدافها نبيلة، فإنها اصطدمت بالحقائق الاجتماعية التي أكدت أن الأتراك ليسوا كلهم يؤمنون بتلك الأخوة وذاك المبدأ.
المجتمع التركي لم يكن مستعدا لاستقبال هذا العدد الهائل من اللاجئين دفعة واحدة، كما أن مدى تقبل السكان لاستضافة اللاجئين يختلف من منطقة إلى أخرى. فهناك مناطق نسبة التفهم لدى سكانها لظروف اللاجئين، والتعاطف معهم، أعلى مما لدى سكان مناطق أخرى. وكان من الأفضل أن تتجنب الحكومة التركية قدر الإمكان استضافة اللاجئين في تلك المناطق التي لا يرغب معظم سكانها في احتضان اللاجئين.
الاستماع إلى مطالب الشارع التركي ومعالجة هذا الملف بحلول إنسانية ترضي الجميع؛ سيكون لصالح كافة الأطراف بما فيها اللاجئون، وسيسد معظم الأبواب التي تستغلها المعارضة لتحريض المواطنين
الحكومات في الأنظمة الديمقراطية لا يمكن أن تصطدم بإرادة الشارع، وإلا فيكون مصيرها الهزيمة في صناديق الاقتراع. ويرى كثير من المحللين أن إحدى رسائل الناخبين في الانتخابات المحلية هي ضرورة معالجة ملف اللاجئين في محافظة إسطنبول. ومن المؤكد أن الاستماع إلى مطالب الشارع التركي ومعالجة هذا الملف بحلول إنسانية ترضي الجميع؛ سيكون لصالح كافة الأطراف بما فيها اللاجئون، وسيسد معظم الأبواب التي تستغلها المعارضة لتحريض المواطنين ضد اللاجئين والحكومة.
أزمة اللاجئين في تركيا ليست مقتصرة على اللاجئين السوريين، بل هناك عدد كبير من مواطني دول أخرى لجأوا إلى تركيا؛ إما بحثا عن العمل أو للعبور إلى الدول الأوروبية. وينعكس انزعاج المواطنين منهم سلبيا على ملف اللاجئين السوريين، كما أن المعارضة تستغل الجرائم التي يرتكبها هؤلاء في التحريض ضد الحكومة؛ التي تتهمها بــ"فتح البلاد أمام كل من هب ودب".
قضاء "كارتال" التابع لمحافظة إسطنبول شهد قبل حوالي شهر حادثة تحرش جنسي قام به شاب باكستاني يعمل في جمع الكراتين المستعملة، وكاد السكان الغاضبون يقتلون الشاب ضربا، لولا تدخل الشرطة وإبعاد الشاب من المنطقة. وفي حادثة أخرى، قام ثلاثة أفغان يعملون في رعاية المواشي؛ باختطاف طفل في محافظة قونيا واغتصابه تحت تهديد السلاح الأبيض. ومن المؤكد أن هذه الحوادث الفردية التي تهز المجتمع لا ذنب فيها للاجئين السوريين على الإطلاق، إلا أنها تشكل مادة دسمة لإثارة الشارع ضد سياسة الحكومة في عموم ملف اللاجئين.
الأخطاء لا يمكن تصحيحها بأخطاء أخرى. ولا بد من معالجة الموضوع بهدوء، بعيدا عن الاستعجال والارتباك والاستسلام لابتزازات المعارضة العنصرية
هناك أمر آخر لا بد من التنبه له، وهو أن الإجراءات الإنسانية والسياسات السامية تحتاج في تطبيقها إلى أشخاص يدركون أهميتها، ويحملون ذات المبادئ والقيم، أو يحترمونها على الأقل. ومهما كانت القرارات صحيحة وصادرة من السلطات العليا بنية صادقة، فإن الأشخاص الذين يطبقونها قد يتلاعبون بها أو يحرفونها، إن كانوا معارضين لتلك القرارات. ولذلك، لا بد من متابعة تطبيق القرارات بشكل صحيح يخدم أهدافها، وعدم الاكتفاء بإصدارها.
التساهل في بداية الأحداث، وعدم إصدار القوانين المنظِّمة، واتخاذ التدابير اللازمة في حينها، تسبب في وقوع أخطاء وحدوث مشاكل استغلتها المعارضة لتحريض المواطنين ضد اللاجئين. وهذا ما صب الزيت على النار، وأدَّى إلى تفاقم الأزمة، إلا أن الأخطاء لا يمكن تصحيحها بأخطاء أخرى. ولا بد من معالجة الموضوع بهدوء، بعيدا عن الاستعجال والارتباك والاستسلام لابتزازات المعارضة العنصرية. كما أنه من الضروري إشراك عقلاء السوريين في كافة مراحل المعالجة، بدءا من دراسة الأوضاع، والبحث عن حلول، ووصولا إلى تطبيق الإجراءات، للحيلولة دون وقوع انتهاكات وتجاوزات تضيف مزيدا من الآلام إلى آلام اللاجئين السوريين.