نشرت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية تقريرا سلطت فيه الضوء على إظهار أردوغان تحديه للولايات المتحدة الأمريكية، بعد تعاونه الأخير مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنه من خلال تسلم ترسانة عسكرية روسية تعتبر غير متوافقة مع حلف شمال الأطلسي، أثبت الرئيس التركي أنه يستطيع عدم الامتثال لقواعد هذا الحلف، باسم استقلالية بلاده. ليست هذه العملية مجرد مصادفة زمنية. ففي 12 تموز/ يوليو، أي قبل ثلاثة أيام من ذكرى محاولة الانقلاب التي حدثت في سنة 2016، بدأت روسيا بتسليم صواريخها أس400 إلى تركيا.
وقد كان ذلك في الوقت المناسب بالضبط، حتى يتمكن الرئيس رجب طيب أردوغان من تحدي الولايات المتحدة خلال الاحتفالات بإحياء هذه الذكرى، حيث صرح: "لقد قالوا لن يكونوا قادرين على الحصول عليها ... حسنا، سنكون قريبا إحدى الدول القليلة في العالم التي تمتلك (مثل هذا النظام) الدفاعي الجوي". في اليوم السابق، اعتبر رجب طيب أردوغان أن هذا العقد مع موسكو كان أحد أهم العقود في تاريخ بلاده.
وبينت الصحيفة أن حلف الناتو، الذي تعد تركيا عضوا فيه وإحدى دعاماته منذ أوائل الخمسينيات، تعلم دروسا من الخطوة التي اتخذتها تركيا، لعل أولها أن رئيس الدولة التركية لا "يتوعد" فحسب. ولطالما ساد الاعتقاد في واشنطن وفي مقر حلف شمال الأطلسي بأن أردوغان سيستسلم للضغوط والتهديد بالعقوبات.
لكن من خلال تسلم ترسانة عسكرية روسية تُعتبر "غير متوافقة" مع أنظمة الناتو وسبب وجود الحلف، يرسم رجب طيب أردوغان صورة لنفسه كزعيم مستقل. وكما يدعمه معظم الأتراك، سواء كانوا يدعمونه أم لا في هذه النقطة، أثبت الرئيس التركي أنه قادر على تحرير نفسه من قواعد ومنطق التحالف، عندما يتعلق الأمر بالتلويح "باستقلالية" بلده. وقد تنقل أردوغان إلى موسكو أكثر من أي زعيم تركي آخر.
اقرأ أيضا: أردوغان: نهدف للمشاركة بإنتاج منظومات الدفاع الجوي مع روسيا
وأردفت الصحيفة أنه قبل أن تكون هذه الخطوة تحذيرا أطلقه بوتين (الذي تستهويه زعزعة استقرار المعسكر الغربي)، نشأت هذه الأزمة التي يمكن اعتبارها نسخة من "أزمة الصواريخ الروسية" للقرن الحادي والعشرين، انطلاقا من ضعف استراتيجي حقيقي، ذلك أن الجيش الثاني للناتو، من حيث العدد، لم يكن يملك نظاما دفاعيا في مواجهة انتشار الصواريخ الباليستية في المنطقة المجاورة له. وفي سنة 2012، أطلقت أنقرة دعوة لتقديم عروض وبدأت مفاوضات مع اليوروسام الأوروبي ومنتجين روس وصينيين وأمريكيين.
إن الانقلاب الفاشل الذي جدّ في يوم 15 تموز/ يوليو 2016، والذي قصف خلاله المنقلبون العسكريون العاصمة باستعمال طائرات مقاتلة دون أن يتمكن الجيش البري الذي ظل مواليا للرئيس من الرد، يؤكد لرجب طيب أردوغان حاجته الملحة لهذا النوع من الأسلحة. وعلى الساحة الدبلوماسية، فإنه في الوقت الذي تأخر فيه الغرب على الرد عن هذا الطلب، اتصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنظيره التركي لدعمه. وكان بوتين أول من قام بذلك، ولن ينسى أردوغان هذا الفضل.
ونوهت الصحيفة إلى أن هذه الواقعة عمقت اقتناع أردوغان بأن الولايات المتحدة لعبت دورا في هذا الانقلاب. ألم يكن المحرض الذي تم تحديده، وهو الداعية فتح الله غولن، يعيش فيها بسلام منذ سنة 1999؟ لماذا ترفض واشنطن تسليمه؟ ولماذا فعل الكونغرس الأمريكي، لعدة سنوات، كل ما بوسعه لتأخير بيع صواريخ باتريوت؟
اقرأ أيضا: هل نجح بوتين في كسب أردوغان إلى جانبه وإبعاده عن الغرب؟
ذكرت الصحيفة أن أولوتش أوزولكير، وهو سفير تركيا السابق لدى الاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، حمّل الولايات المتحدة مسؤولية هذا الخطأ الفادح، حيث صرّح قائلا: "يجب أن أدافع عن نفسي، لقد جئت أطرق بابك ولم تفتحه. ولكن عندما ذهبت لأتدبر أمري بعيدا، أصبحت طرفا غير محبوب، وشخصا يجب معاقبته. من الواضح أن الروس كانوا حريصين على تسليم أس400 لأنه كلما كانت العلاقات بين تركيا وحلف الناتو متدهورة، خرجت روسيا منتصرة".
وفي الختام، أشارت الصحيفة إلى أنه بالنسبة للمختص في العلوم السياسية، سنان أولغن، فإنه في حال سعت أنقرة أولا وقبل كل شيء إلى موازنة علاقاتها بدل الانفصال عن المعسكر الغربي، سيكون لهذا الأمر "بالضرورة تأثير على أداء وتماسك حلف شمال الأطلسي". ولكن، انطلاقا من هذا الاعتبار، سيكون تجذّر تركيا داخل هذا الهيكل الأمني موضع تساؤل، لكنني أعتقد أن هذا التفسير متطرف إلى حد ما".
فورين بوليسي: لماذا لم تعد تركيا تثق بأمريكا؟
صحيفة روسية تربط "أس400" لتركيا بإنتاج الغاز بـ"المتوسط"
WP: كيف ستحسم أس400 العلاقات الأمريكية التركية؟