ماهر في فن الخطابة، ويحسن التودد لجمهور
الناخبين باختلاف توجهاتهم، ويعد من النجوم الصاعدة في سماء السياسة التركية.
يواصل معاكسة خطوط الاستقطاب الأيديولوجي في
مرحلة تعيش فيها "الشعبوية" "عصرها الذهبي" على مستوى العالم.
خاض مسيرة مشابهة بشكل كبير لمسيرة الرئيس
التركي رجب طيب أردوغان.
التحقا بنفس الجامعة ودرسا التخصص ذاته، ومارسا
كرة القدم كلٌّ منهما كلاعب "شبه محترف" وكلاهما انتخب رئيسا لبلدية إسطنبول،
أكبر مدن تركيا، التي يقطن فيها أكثر من 15 مليون نسمة.
وتتوقع بعض النخب التركية ووسائل الإعلام أن
يكون المرشح المقبل للرئاسة التركية، حتى يكتمل مشهد استنساخ تجربة أردوغان
بالكامل.
أكرم إمام أوغلو المولود عام 1970 في مدينة
طرابزون المطلة على البحر الأسود، سياسي شاب نسبيا، حاصل على بكالوريوس إدارة الأعمال من جامعة إسطنبول، وحصل على ماجستير في إدارة الموارد البشرية.
ينحدر إمام أوغلو من أسرة متدينة ومحافظة من
الناحية الاجتماعية لها تاريخ طويل في العمل السياسي، فقد انتمى والده لحزب
"الحركة القومية" اليميني خلال حقبة السبعينيات التي شهدت مواجهات
دامية في الشوارع بين اليمين واليسار حتى الانقلاب العسكري عام 1980، ثم انتقل
الوالد بعد ذلك إلى حزب "الوطن الأم" تحت قيادة الرئيس التركي الراحل
تورغوت أوزال المدعوم من الجيش وقتها.
بقي قريبا جدا من تراث العائلة فعمل بعد تخرجه
في شركة والده المختصة بأعمال البناء.
ويعترف إمام أوغلو بأنه ينحدر من أسرة محافظة،
لكنه أصبح أكثر "تحررا وتبنى القيم الديمقراطية الاجتماعية" خلال مرحلة
دراسته الجامعية.
وبعد مسيرة ناجحة في إدارة الأعمال توجه
للسياسة، فأصبح عضوا بارزا في حزب "الشعب الجمهوري" المعارض عام 2008،
عندما كان أردوغان رئيسا للوزراء.
ومن المعروف أن
حزب "الشعب الجمهوري " من أقدم الأحزاب السياسية التركية، تم تأسيسه على
يد مصطفى كمال أتاتورك عام 1923 ويترأسه الآن كمال كيليتشدار أوغلو (71 عاما).
اقرأ أيضا: "مهندس الفضاء" وسيادة الرئيس يدفن بصمت ودون تأبين (بورتريه)
كان ولوج إمام أوغلو إلى المشهد السياسي التركي
مع حلول عام 2009 عندما أصبح رئيسا لمقاطعة تابعة للحزب، وفي 2014 فاز بمنصب عمدة
بلدية "بيليك دوزو"، بعد أن بذل مجهودا انتخابيا كبيرا حيث كان يمر على
المنازل ويشرح للناخبين برنامجه ومخططه لتنمية البلدة، التي كانت الوحيدة التي
خرجت من قبضة حزب "العدالة والتنمية" في إسطنبول.
ومع تسلم أردوغان رئاسة البلاد، استمرت شعبية
إمام أوغلو بالتوسع في إسطنبول، حتى اختير محافظا لبلدية بيليك دوزو، أحد أحياء
القسم الأوروبي من المدينة الاقتصادية العريقة.
وخلال وقت قصير لفت الانتباه إليه نتيجة
التوسع الحضاري في المدينة و الإنجازات الكبيرة التي ظهرت في عام 2015، أي بعد توليه
المنصب بعام واحد فقط.
اتخذ إمام أوغلو
سياسة تعتمد على التوسع الحضاري وتزيين الشوارع وإقامة أماكن حضارية مميزة لجذب
الشركات للاستثمار بها، حتى أصبحت المدينة منظمة إداريا بشكل جيد، وبدت شوارعها
العريضة والأشجار المنتشرة في أرجائها مكملة للمشهد.
ونتيجة لنجاحه سيقوم زعيم حزب "الشعب
الجمهوري" فيما بعد بزيارة منزل إمام أوغلو، في طرابزون في أواخر 2018،
ممازحا والده بقوله "جئنا نخطب يد ابنك" عند الإعلان رسميا عن تسمية
أكرم مرشحا للحزب لرئاسة بلدية إسطنبول.
فرد عليه حسن إمام أوغلو بقوله: "لقد سبق
وأن أخذت بنتا من آغجا آبات (أحد أحياء مدينة طرابزون) ونعطيك الآن شابا أيضا".
وخاض إمام أوغلو حملة انتخابات بلدية إسطنبول
بشكل تجنب فيه إثارة الانقسام واستفزاز الناخبين، ولجأ إلى "خطب ود"
مختلف قطاعات الناخبين بالحوار المباشر معهم.
وكان يتوجه إلى الناخبين في الأحياء التي تعتبر
معقل حزب "العدالة والتنمية"، ويتجول في شوارعها، ويتحدث إلى الناس في
مسعى لكسب تأييد المواطنين العاديين.
حمل فوزه برئاسة بلدية إسطنبول على حساب مرشح
حزب "العدالة والتنمية" رئيس الوزراء التركي ورئيس البرلمان السابق، بن
علي يلدريم، معه الكثير من التوقعات بعد أن أنهى 25 عاما من سيطرة "العدالة
والتنمية" وأسلافه على المدينة.
وهي الانتخابات التي أعيدت بعد احتجاج
"العدالة والتنمية" على نتائجها في المرة الأولى بسبب الخروقات
والتجاوزات، لكن إمام أوغلو هزم يلدريم من جديد بعد أن حصل على نسبة 54% من
الأصوات مقابل 45% ليلدريم المرشح من الوزن الثقيل.
بعض التقارير تشير إلى أن الأحياء الثرية في إسطنبول
منحت أصواتها بقوة لمرشح المعارضة مقارنة بالانتخابات السابقة، رغم أن مرشح
المعارضة تعھد بعدم بيع الكحول في المراكز الجماھيرية والفصل بين الرجال والنساء
في برك السباحة العامة.
وتبدو شخصية إمام أوغلو على عكس توجهات حزب
"الشعب الجمهوري" العلماني اليميني، فهو يحمل بذورا دينية تبدو جلية
لمعظم الأتراك، فقبل أسبوعين من موعد الانتخابات جلس في جامع "أيوب
سلطان" وقرأ من القرآن الكريم آيات من سورة "يس" من أجل أرواح
الشهداء الذين قتلوا في الهجوم الإرهابي العنصري على جامع "النور" في
نيوزيلندا، وكانت قراءته لا بأس بها ولاقت استحسانا واسعا من أنصار حزبه وأنصار
"العدالة والتنمية" على السواء.
وقد أبرز حزب "الشعب" اليميني
العلماني في الإعلان عن مرشحه أنه كان يحفظ القرآن في صغره ونشر صورة له وهو في أحد
مراكز تحفيظ القرآن للتدليل على ذلك، كما ذهب المرشح نفسه إلى قبر محمد الفاتح
وأشاد بفتح إسطنبول وبمحمد الفاتح في الوقت الذي يرفع فيه بعض العلمانيين شعارات
تقول إن الاستعمار بدأ في 1453 وهي سنة فتح إسطنبول.
ويلقى إمام أوغلو حفاوة بالغة في الصحف التركية
المعارضة والعالمية، باعتباره وجها إصلاحيا سيتمكن عبر توليه منصب
"عمدة" إسطنبول من تدشين تجربة سياسية جديدة على غرار أردوغان، وقد يكون
المرشح الرئاسي المحتمل في مواجهة أردوغان.
لكنها ربما
حماسة سابقة لأوانها، بحسب وسائل إعلام تركية، فإمام أوغلو في نهاية المطاف عضو
غير معتاد بحزب عتيق "متكلس" غير متطور، تتركز فيه مصالح النخبة
القديمة، لن تعجبها بالضرورة آراء الرجل وتدينه، ولعلها ترى فيه فقط ورقة ناجحة
لانتزاع انتصار محلي في مواجهة هزائم متتالية أمام "العدالة والتنمية"،
وليس بالضرورة مشروع قيادة سياسية جديدة.
أردوغان الذي يؤمن بأن "من يفز في إسطنبول
يفز بتركيا" هنأ إمام أوغلو برئاسة البلدية الذي بدوره صرح للصحافيين بعد
إعلان النتائج غير النهائية أن "هذه الانتخابات تعني فتح صفحة جديدة. إنها
تشكل بداية جديدة". وأبدى استعداده للعمل مع الرئيس أردوغان.
وقد يبدو ذهاب بعض المحللين إلى القول
"بأفول نجم" أردوغان و"العدالة والتنمية" في غير أوانه
ومبكرا، فقد لعبت حالة عدم الاستقرار في صفوف "العدالة والتنمية" دورا
هاما في خسارة يلدريم، وربما لم تساهم في فوز إمام أوغلو الذي ربما فاز بأصوات
المتدينين من الناخبين المستقلين من مؤيدي حزب "العدالة والتنمية" أيضا.
"العمدة الجديد" يعرف أنه لن يستطيع النجاح دون تعاون كامل من أردوغان
إذ يوجد لدى الرئيس صلاحيات عليا يمكنه من خلالها إزعاج "العمدة" إمام
أوغلو، من بينها المماطلة في إقرار الميزانيات، وأيضا وقف مشاريع أو سن قوانين تقيد
حرية عمل إمام أوغلو.
أردوغان "المتوثب" دائما مثل نمر
جامح، لن يترك الأمر يمر دون عمل "بيريسترويكا" أو "إعادة
هيكلة" للحزب ولطريقة التفكير في مؤسسة الحكم التي يبدو أنها تحتاج إلى إعادة
بناء بعد أن تجاوزت تركيا حقبة "الشعبوية". وسيكون مضطرا إلى إجراء نقد
ذاتي للحزب وللوضع الاقتصادي في البلاد، وسط تقارير تقول إن "التصويت في
انتخابات بلدية إسطنبول كان تصويتا موجها للرئيس التركي شخصيا" .