نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا للصحافي باتريك كينغزلي، يتحدث فيه عن تراجع الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب عن الأمر بالضربة العسكرية على
إيران.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن "البعض وضع ما حدث في إطار تهديد فارغ آخر من زعيم يكون عواؤه دائما أقوى من عضته، فيما رأى البعض أنه أسلوب وراء ما ينظر إليه على أنه جنون، ويمكن أن يكون فعلا ذكيا في سياسة حافة الهاوية، وغيرهم اعتبروه ببساطة آخر فعل من أمريكا التي، حتى قبل الرئيس ترامب بفترة، راوحت بين العزلة والتدخل".
ويلفت كينغزلي إلى أن أوامر ترامب بشن هجوم انتقامي على إيران، لإسقاطها طائرة تجسس مسيرة، ثم عودته عن ذلك قبيل قيام القوات الأمريكية بتنفيذ الهجوم، زادت من الشكوك العالمية حول مقدرة الرئيس على الحكم على الأشياء، ومدى القوة التي تتمتع بها أمريكا.
وتنقل الصحيفة عن السفير البريطاني السابق لواشنطن نايجل شينوالد، الذي فاوض الإيرانيين سابقا بشأن المختطفين، قوله إن مظهر عملية صنع القرارات غير المنتظمة "يضيف لحيرة حلفائه وأعدائه"، لكن الأمر أيضا، بحسب شينوالد، جزء من "صورة مستمرة للتخبط الأمريكي حول استخدام القوة.. إنها فكرة متكررة في تاريخ أمريكا".
وينوه التقرير أن
بريطانيا وفرنسا وألمانيا -حلفاء أمريكا الأوروبيين الأساسيين- إن رأت في تراجع ترامب عن الهجوم نقطة اللاعودة في سمعته، أو مكانة أمريكا في العالم، فإنها فعلت ما بوسعها لإخفاء ذلك.
ويفيد الكاتب بأن رد الفعل العام للسياسيين الغربيين منذ ليلة الخميس، كان حذرا، وأحيانا متحيرا، إلا أنه كان يحتوي على انتقاد ضمني، فرئيس فرنسا، إيمانويل ماكرون، الذي أرسل مبعوثا في وقت سابق من الأسبوع للتفاوض مع إيران، دعا يوم الجمعة كلا من أمريكا وإيران "للجوء للمنطق ووقف التصعيد، والآن للحوار".
وتذكر الصحيفة أن الحكومة البريطانية قامت يوم السبت بالدعوة للحوار، وأرسلت أحد وزرائها لطهران؛ للاجتماع بالمسؤولين الإيرانيين، وقالت المتحدثة باسم الاتحاد الأوروبي بأن هناك حاجة لتخفيض التصعيد عن "طريق الدبلوماسية فقط".
ويشير التقرير إلى أنه كان هناك مديح لقرار ترامب بالتراجع عن توجيه ضربة، التي ربما كان آخرون يجدون صعوبة في إلغائها، فقال عضو البرلمان البريطاني عن حزب المحافظين كريسبين بلانت، الذي شغل في السابق رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم: "إن طريقة اتخاذ القرار غير التقليدية التي يتبعها ترامب قد تكون أنقذت الموقف".
وأضاف بلانت، الذي يعارض سياسة ترامب كما هو موقف الحكومة البريطانية ذاتها: "أظن غيره من الرؤساء كان سيصادق على العملية، وما كان ليلغي خوفا من أن يضطر لأن يشرح علنا لماذا اتخذ قرار توجيه ضربة ابتداء.. بالإضافة إلى أنه لا يمكن التقليل من شأن الداعين للحرب الذين يؤثرون عليه".
ويقول كينغزلي إن الشجب الواضح جاء بشكل كبير من المحللين والبرلمانيين، دون وجود مواقف رسمية من الحكومات، مشيرا إلى قول نائبة رئيس لجنة الشؤون الدولية في البرلمان الفرنسي، ميريلي كلابوت: "ما يقوله الرئيس ترامب أو يفعله هو بالتأكيد ما يعتقد أنه جيد للولايات المتحدة.. ولا أستطيع القول بأن ذلك جيد للعالم كله".
وتورد الصحيفة نقلا عن رئيس المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية في باريس، ثوماس غورمات، قوله: "ما يحصل الآن أمر يتسبب بالانقسام من منظور تطور القيادة الأمريكية"، وأضاف غومارت: "لا يمكن حصر التداعيات.. بل إن هناك انطباعا بفقدان السيطرة المرتبطة بالرئيس ترامب وحاشيته".
ويستدرك التقرير بأنه بشكل عام فإنه تم تصوير تراجع ترامب على أنه استمرار لنمط التصرف الذي لا يمكن الاعتماد عليه، وقال مسؤول دبلوماسي أوروبي كبير مشارك في التفاوض مع إيران: "يتماشى هذا مع نمط عدم القدرة على التوقع.. لكن أعتقد أن بقية العالم سيكون سعيدا ومتفاجئا من القرار.. في هذه القضية بالذات أعتقد أن القرار كان قرارا جيدا".
ويفيد الكاتب بأن الرئيس انفصل رسميا عن موقف حلفائه الأوروبيين وعن السياسة الأمريكية السابقة في موضع احتواء إيران في أيار/ مايو 2018، عندما قررت إدارته الانسحاب من الاتفاق مع إيران، مشيرا إلى أنه قد تم التوصل الى الصفقة في 2015 بالتعاون بين بريطانا وفرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين، ورفعت العقوبات عن طهران مقابل وعد من الحكومة الإيرانية بالحد طموحاتها النووية.
وتلفت الصحيفة إلى أن ترامب ومستشاريه قالوا إن الصفقة لم تفعل ما يكفي للحد من النفوذ الإيراني في سوريا واليمن ولبنان، مشيرة إلى أن العلاقة بين إيران وأمريكا تفككت أكثر الشهر الماضي عندما وضع ترامب عوائق أكبر بهدف وقف تصدير النفط الإيراني، وهو ما جعل إيران تعلن أن ذلك سيجعلها تتوقف عن الوفاء بوعودها النووية التي كانت قد وافقت عليها.
وينوه التقرير إلى أن إيران قامت الأسبوع الماضي بإسقاط طائرة تجسس مسيرة أمريكية، بالإضافة إلى أن أمريكا اتهمت إيران بتخريب ست ناقلات وقود في الخليج، وهو ما تنكره إيران.
ويستدرك كينغزلي بأنه بالرغم من الدعوات المتكررة للحوار من عدة حكومات غربية، وزيارة لطهران من رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، فإن الطرفين لم يستطيعا التوافق على إجراء مفاوضات، ما أدى إلى مزيد من مؤشرات
الحرب من البيت الأبيض.
وتبين الصحيفة أن تراجع ترامب ليلة الخميس اعتبر في بعض العواصم الأوروبية متوقعا بالرغم من عدم إمكانية التنبؤ به، مشيرة إلى أنه بالرغم من اتخاذ ترامب موقفا عدوانيا تجاه إيران، إلا أن الرئيس عبر أكثر من مرة عن تشككه من الشروع في صراع جديد مكلف.
وينقل التقرير عن دبلوماسي أوروبي كبير، قوله: "ذكرتنا الثماني وأربعين ساعة الماضية بأنه لا يريد أن تتورط أمريكا في حرب شرق أوسطية أخرى".
ويقول الكاتب إنه إذا كان تراجع ترامب قد فاجأ من حمل تهديداته محمل الجد، فإنه قوبل بإهمال من الكوريين الجنوبيين الذين رأوا هذا المشهد من قبل، ففي عام 2017 هدد ترامب زعيم
كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، بـ "النار والغضب كما لم يشهد العالم من قبل"، إن هو عرض أمريكا للخطر، لكن ترامب انتقل انتقالا دراماتيكيا إلى الدبلوماسية، إلى درجة أنه قال إنه وزعيم كوريا الشمالية في "حالة حب".
وتورد الصحيفة نقلا عن المسؤولين والمحللين في سيول، عاصمة كوريا الجنوبية، قولهم خلال عطلة نهاية الأسبوع، إنهم اعتادوا على التراجعات في توجهات ترامب في الجيوسياسة الكورية.
وينوه التقرير إلى أنه لم يكن هناك رد فعل رسمي من حكومة كوريا الجنوبية، كما لم تتحدث افتتاحيات وتعليقات الصحف عن هذا الموضوع، لكن وكالات الأنباء الأجنبية كانت تشغلها زيارة رئيس
الصين شي جين بينغ لكوريا الشمالية.
ويذكر كينغزلي أن الحكومة في إسرائيل نادت بموقف أكثر صلابة مع إيران، وامتدح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قرار الرئيس الانسحاب من الاتفاق النووي وفرض عقوبات أشد على إيران، مشيرا إلى أنه بخصوص الهجوم المجهض، فإن جنرالين سابقين إسرائيليين امتدحا تغيير ترامب لرأيه، وقالا إنه قد يثبت حصافة استراتيجية.
وتنقل الصحيفة عن رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية سابقا والملحق العسكري في واشنطن سابقا عاموس يالدين، قوله: "إسرائيل تتفهم جيدا بأن أمريكا ليست حريصة على الذهاب لحرب شرق أوسطية أخرى.. إن أراد ترامب أن يحصل على المزيد من الشرعية ويظهر أنه ليس متعجلا للدخول في حرب فلا أرى ذلك سلبيا".
وأضاف يالدين أن الاختبار الحقيقي سيكون في رد الفعل الإيراني، "وما يقلقني هو أن الإيرانيين سيفسرون ذلك على أنه تردد أمريكي في القيام بفعل، وقد يتجاوزون خطوطا حمراء نتيجة لذلك".
ويورد التقرير نقلا عن عضو البرلمان البريطاني المحافظ، بلانت، قوله إن الضربة المجهضة تعكس المدى الذي ضعف فيه التأثير البريطاني على السياسة الأمريكية، بالمقدار ذاته الذي تعكس فيه عدم إمكانية التنبؤ بما ستقوم به أمريكا.
ويجد الكاتب أن إمكانيات الحكومة البريطانية للتأثير على الأزمات الدولية أصبحت أضعف؛ بسبب الانشغال بالخلافات حول البريكسيت، والسباق لاستبدال رئيسة الوزراء تيريزا ماي، مشيرا إلى قول بلانت: "إنه مؤشر إلى مدى انعدام قيمتنا، أو كما يبدو بالنسبة لصانع القرار الأمريكي ليصل إلى هذا الحد أصلا".
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن المحللين في الصين قالوا بأن الحكومة قد تشعر بالارتياح لتراجع ترامب، لكن لأسباب خاصة بها، فترامب يريد من الحكومات الأوروبية أن تمنع الصين من إنتاج تكنولوجيا الهاتف النقال الجديدة من إنتاج شركة "هواوي" العملاقة، لكن عدم مصداقيته في حالة إيران قد تعني تراجعا في هذا الشأن أيضا.
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)