أقدم الجيش السوداني قبل أيام على فض اعتصام المتظاهرين أمام مقر القيادة العامة للجيش، وهو ما حذر منه كثير من الناشطين مستحضرين مشهد فض اعتصام رابعة العدوية في مصر عام 2013.
ووفقا لمراقبين فإن إقدام الجيش على فض الاعتصامات سواء في الحالة المصرية أو السودانية إنما جاء في أعقاب فشل محاولات احتواء الاحتجاجات الشعبية سياسيا، والتي وصلت إلى طريق مسدود، بسبب إصرار المتظاهرين على مطالبهم، فكان قرار العسكر القاضي بفض الاعتصامات، بتبعاته الدموية الثقيلة.
ويشير محللون إلى أن إجهاض الحراكات الشعبية، بفض الاعتصامات بالقوة، وما يتبع ذلك من إجراءات قمعية شرسة، يولد حالة من اليأس والإحباط في أوساط الجماهير المحتجة والمنتفضة، ما يدفع الناشطين لبحث إمكانية وواقعية الأخذ بخيارات أخرى يمكن للشعوب المنتفضة التحرك من خلالها، والتي قد تكون أكثر جدوى وأشد فاعلية.
وبحسب الناشط الحراكي الجزائري، عمار دريد فإن "العصيان المدني، والإضراب المفتوح الذي أعلنته قيادات الحراكات الشعبية في السودان أمس، يعد طريقة فعالة لكنه يحتاج إلى نفس طويل، وصبر وتحمل".
ولفت دريد في حديثه لـ"عربي21" إلى أن "ما تحتاجه الشعوب في مسيرتها الشاقة للتحرر من قبضة الديكتوريات هو مواصلة احتجاجاتها السلمية، والحرص على وحدة صفوفها، مع ضرورة طرح الاختلافات الأيديولوجية (إسلاميين.. علمانيين) جانبا، والبحث عن التوافق والاتحاد الظرفي للتمكن من هزيمة الشمولية أولا، ومن ثم تكون الممارسة الديمقراطية هي الفيصل بين الجميع".
واقع الحال السوداوي المخيم على عالمنا العربي يوجب على من يريد التغيير أن يعلم حجم التحدي القائم، لا أن يُخَدّر نفسه بمُسكنات ومخدرات سرعان ما تتحول إلى هزيمة أخرى
ورأى دريد أن "الحالة السودانية ملفتة للانتباه بقوة تماسكها، لكن الجيش المدعوم من السعودية والإمارات ومصر، مثلث الثورات المضادة لن يستسلم بسهولة"، مضيفا: "أما الحالة الجزائرية فلها ظروفها الخاصة إذ إن الاستقطاب الإسلامي العلماني بلغ ذروته، وهو ما يصب في مصلحة قيادة الجيش التي تحسن استثمار ذلك لصالحها".
اقرأ أيضا : تونس.. كيف نجح الإسلاميون وخصومهم في الانتقال الديمقراطي؟
من جهته رأى الباحث المصري في التاريخ والحضارة الإسلامية، محمد إلهامي أن "حركات التحرر التي تشتعل في بلادنا منذ عصر الاحتلال الأجنبي وحتى الآن لم تنجح أي واحدة منها في الوصول لأهدافها كاملة، وأفضى المشهد إلى حالتين؛ استقلال شكلي تحول إلى احتلال بالوكالة عن طريق تسليم الحكم لصنائع الاحتلال، وهزيمة الحركات التحريرية والقضاء عليها بالقتل والاغتيال".
وأشار إلهامي إلى أن "واقع الحال السوداوي المخيم على عالمنا العربي يوجب على من يريد التغيير أن يعلم حجم التحدي القائم، لا أن يُخَدّر نفسه بمُسكنات ومخدرات سرعان ما تتحول إلى هزيمة أخرى".
وأضاف لـ"عربي21": "يجب على كل العاملين للتغيير أن يعلموا أننا بحاجة ماسة للخروج من الحديث الضيق عن وسائل ومسارات ضيقة من نوعية: السلمية في مقابل العسكرة، المشاركة السياسية مقابل اعتزال السياسة.. إلخ، مؤكدا على "ضرورة العمل بطريقة تضمن تضافر الجهود والطاقات، وليس تناقضها وتعاكسها".
لاحظ البرصان أن دراسة تاريخ الثورات يشير إلى أن "الثورة في غالب أحوالها لن تتمكن من إتمام ثورتها بدون دعم أطراف خارجية إقليمية أو دولية قوية، ولا يلزم من ذلك التبعية لتلك الأطراف، بل استثمار التناقضات الإقليمة والدولية لصالح الثورة، وهو ما لا تستطيع القيام به إلا قيادات سياسية واعية ومحكنة".
ووصف إلهامي "الحل الحقيقي لمعضلة الشعوب العربية في طلبها للتحرر من قبضة الديكتوريات بأنه لن يكون إلا عبر كفاح مرير، يوصل الأمة إلى استعادة سلطتها على الدولة ومؤسساتها، فالدول القائمة تمثل شبكة مصالح الاحتلال الأجنبي والطبقات المحلية الخائنة الملتصقة به".
واعتبر إلهامي سائر الحلول التفاوضية الأخرى - كما في الحالة الجزائرية – أنها "تسعى لكسب الوقت لإعادة الناس إلى البيوت، ثم تتفرغ بعدها السلطة لإنتاج نسختها الجديدة المحدثة، وسحق كل الذين ترى فيهم خطرا عليها من الثائرين".
بدوره رأى أستاذ العلوم السياسية في الجامعات الأردنية، الدكتور أحمد البرصان أن ما حدث في بعض الدول العربية منذ سنة 2011 مرورا بما يجري حاليا في الجزائر والسودان، هو انتفاضات واحتجاجات شعبية لا ترقى لمستوى العمل الثوري.
وقال البرصان لـ"عربي21": "لا بد لأي ثورة من أن تكون لها قيادات ثورية واعية، تحسن إدارة الحالة الثورية، وتستثمر الظروف القائمة للقضاء على كل مخلفات ومظاهر الأنظمة التي قامت الثورة لتغييرها، وهو ما لم يتحقق للأسف في كل الاحتجاجات الشعبية العربية".
وواصل شرح رؤيته بالإشارة إلى أن "تحرر الشعوب العربية من قبضة الفساد والاستبداد لا يكون إلا باستمرار الشعوب العربية في كفاحها ونضالها، من غير أن تيأس أو تحبط، مع ضرورة إفراز قيادات واعية، تتولى قيادة العمل الحراكي والاحتجاجي بتخطيط ووعي".
ولاحظ البرصان أن دراسة تاريخ الثورات يشير إلى أن "الثورة في غالب أحوالها لن تتمكن من إتمام ثورتها بدون دعم أطراف خارجية إقليمية أو دولية قوية، ولا يلزم من ذلك التبعية لتلك الأطراف، بل استثمار التناقضات الإقليمة والدولية لصالح الثورة، وهو ما لا تستطيع القيام به إلا قيادات سياسية واعية ومحنكة".
وأنهى البرصان حديثه بالتنبيه على أن "المؤسسة العسكرية في غالب الدول العربية، خاصة الجمهورية منها هي أكثر مؤسسات الدولة قوة وتنظيما ونفوذا، وهي مخترقة من دول كبرى خارجية، وهي ترعى الفساد وتستثمره لصالحها، لذا فإن تحرر الشعوب العربية من قبضة الفساد والاستبداد والعسكرية ضمن معطيات الواقع الحالية، سيأخذ وقتا طويلا، هذا إن توفرت له الشروط المطلوبة للتحرر والتغيير".