مقابلات

مستشار الأمن القومي للرئيس التونسي: هذه أسباب الإرهاب

مستشار الأمن القومي بالرئاسة التونسية يدعو إلى تبني خطاب إعلامي وديني معتدل لمحاربة الإرهاب

الأميرال كمال العكروت، مستشار الأمن القومي في الرئاسة التونسية والأمين العام لمجلس الأمن القومي مثقف وسياسي مخضرم، تولى مسؤوليات عسكرية وسياسية ودبلوماسية عديدة، من بينها رئاسة الأمن العسكري في وزارة الدفاع، وسفير إلى جانب مستشار أول لدى رئيس الجمهورية منذ وصول الباجي قائد السبسي إلى قصر قرطاج قبل 4 أعوام ونصف.

ويتميز الجنرال كمال العكروت ونخبة جديدة من كبار كوادر الجيش التونسي بإسهاماتهم في الدراسات الدولية والمؤتمرات العلمية، إلى جانب دوره في تطوير الدور العلمي والأمني والاستراتيجي لمؤسسة الأمن القومي في رئاسة الجمهورية.

التقيناه، فكان هذا الحوار حول استراتيجيات الوقاية من التطرف والإرهاب بعد الضربات التي وجهت إلى تنظيمات "داعش" والقاعدة وحلفائها في سوريا والعراق وليبيا، فكان الحوار التالي:

 



س ـ هل انتهى خطر التنظيمات الإرهابية والجماعات المسلحة في تونس والدول العربية بعد الضربات الموجعة التي وجهت إلى ما سمي دولة "داعش" في سوريا والعراق وليبيا، وإلى حلفائها في المنطقة؟


 ـ للأسف، الخطر لا يزال قائما في تونس وفي بقية الدول المغاربية والعربية والإسلامية، وفي دول الساحل والصحراء الأفريقية، بل في العالم أجمع.

الضربات العسكرية التي وجهت إلى الإرهابيين وإلى التنظيمات المسلحة مثل داعش والقاعدة مهمة جدا، لكنها لا تعني استبعادا نهائيا لخطر التطرف والإرهاب وسيناريوهات عودة العنف والجريمة والهجمات الإرهابية في أشكال جديدة.

يتميز الجيل الجديد من التنظيمات الإرهابية بـ"تحرير مبادرة" المجموعات التابعة له، فهي لا تتحرك وفق تنظيم هرمي تقليدي تصدر قيادته المركزية أوامر ويمكن كشف كل عناصره. بل تستفيد من الخلايا النائمة والجيل الجديد من المقاتلين والشباب العاديين المستعدين للمشاركة في هجمات إرهابية. وهؤلاء يرتدون ملابس عادية، ولا يثير سلوكهم أو شكلهم حفيظة رجال الأمن والقوات المسلحة. 

هم يتحركون ضمن ما عرف بخطة مجموعات "الذئاب المنفردة". وخطة "الذئاب المنفردة" تعني مبادرة شخص أو أشخاص، غير منظمين، ولا يخضعون إلى تنظيم هرمي، بالتخطيط والتنفيذ ضمن إمكانياتهم الذاتية.

وتقوم عمليات "الذئاب المنفردة" عادة على مبدأ التمويل الذاتي المحدود، والاستعانة بالمواد التي تدخل في صناعة المتفجرات، والتي يمكن الحصول عليها في الأسواق دون أن تجلب انتباه القوى الأمنية.

أغلب هؤلاء لا يترددون على المساجد، ولا يرتدون العمامة والقميص الشرقي أو السروال الأفغاني، ولا يطلقون اللحى، ويتقنون توظيف الشبكة العالمية للمعلومات الإنترنت والتقنيات الحديثة، بما في ذلك عند تعلم طرق صنع المتفجرات والأسلحة اعتمادا على إمكانيات ذاتية وبسيطة.

العائدون من بؤر التوتر

س ـ وهل وقع التحكم في ملف العائدين من بؤر التوتر والنزاعات المسلحة؟

 

ـ هذا الملف معقد، وملف العائدين من بؤر التوتر قنبلة موقوتة في كثير من دول العالم وليس في تونس والدول المغاربية وحدها. كثير من العائدين يتحولون إرهابيين ضمن الخلايا النائمة التي قد تتحرك في أي لحظة وفق خطة "الذئاب المنفردة".

بالنسبة لتونس، قُتل مئات من المقاتلين الذين التحقوا بالمقاتلين في سوريا والعراق وليبيا، واعتُقل العائدون، وخضعوا لاستنطاق وتتبُّع قضائي وأمني. لكن الحذر مطلوب واليقظة ضرورية. ومصالح الأمن وبقية القوات المسلحة تقوم بجهد كبير، خاصة من حيث مراقبة الحدود مع الشقيقتين ليبيا والجزائر؛ تحسبا لأي عملية تسلل عبر الصحراء والجبال والغابات.

احتلال فلسطين.. والتدخل الأجنبي

س ـ هل نجحتم في فهم الأسباب العميقة لانتشار التطرف والإرهاب والسلوكيات العنيفة بين الشباب التونسي والعربي، ما تسبب في تصنيف تونس والدول العربية في المراتب الأولى من حيث البلدان التي تصدر المقاتلين والإرهابيين إلى سوريا والعراق وليبيا وإلى العالم أجمع؟


 ـ بالفعل أعددنا دراسات استراتيجية معمقة حول الأسباب العميقة للتطرف والإرهاب، وسبل الوقاية والمكافحة والمتابعة، من بينها الاحتلال والتدخل الأجنبي والنزاعات المسلحة.

ولا بد أن نسجل أن من بين أسباب انتشار الإحباط والتوتر ومشاعر الحقد والنقمة بين الشباب العربي استفحال النزاعات المسلحة والحروب والأزمات، وتشعب أشكال الاحتلال الأجنبي في عدد من بلداننا، وعلى رأسها احتلال فلسطين والأراضي العربية المجاورة لها.

إن التدخل الأجنبي في الدول العربية واحتلال فلسطين ومقدساتها وغيرها من الأراضي العربية، يستفز مشاعر الشبان العرب والمسلمين، ويدفع بعضهم نحو تبني مقولات تبرر العنف والقتل والإرهاب.

كما استفحل الإرهاب، وارتفع عدد المورطين فيه؛ بسبب احتلال دول عربية وإسلامية عديدة، وتوسع منطقة النزاعات المسلحة، وانتشار الاقتتال والصراعات الدموية فيها.

والقضاء الناجع على الإرهاب يبدأ بالقضاء على أسبابه العميقة، بينها إنجاح جهود السلام والتسويات السياسية للأزمات، وإيقاف الحروب والاقتتال، ومنع الاتجار غير المشروع في الأسلحة والمتفجرات والمواد المحظورة والتهريب.

الرؤية الاستراتيجية.. الإعلام

س ـ وماذا عن الأسباب الثقافية والاجتماعية والسياسية للعنف ولظاهرة الإرهاب في صفوف الشباب التونسي والعربي؟


 ـ فعلا، الأسباب الثقافية والسياسية والاجتماعية كثيرة، من بينها أن الوطن العربي أصبح يعاني من ضعف الأنظمة، ومن سلطات سياسية فاقدة للشرعية، ما دفع بعض الشعوب نحو الولاء للمؤسسات الأمنية والعسكرية.

ويشكو الشباب والمواطنون العرب من استفحال الصعوبات والمشاكل والأزمات المرتبطة بسلطات فاسدة تخضع بدورها إلى لوبيات التهريب والتهرب من الضرائب.

وتستفحل ظاهرة الإرهاب عندما ينتشر الفقر والجهل، وتفشل وسائل الإعلام والمؤسسات التربوية والعائلة في الترويج إلى قيم الاعتدال والانفتاح، وإلى فهم عقلاني ومستنير للدين وللمقدسات والمرجعيات الثقافية.

 



وبحكم انسداد الآفاق الثقافية والمهنية والسياسية أمام الشباب، يرد قسم منعه عبر العنف واتباع المقولات المتطرفة والمجموعات العنيفة والإرهابية.

نحن أمام شعوب ناقمة وساخطة على الدولة في مرحلة تفتقر فيها إلى وسائل إعلام وتثقيف وتربية وتعليم مؤهلة لتأطير غضب الشباب والشعب وتوجيه الطاقات في اتجاه البناء، وليس في اتجاه الانتقام والعنف والإرهاب.

"الصحوة الدينية المغشوشة"؟

س ـ وهل يمكن اعتماد استراتيجية وقائية إعلاميا وثقافيا مع الترويج لقراءة معتدلة ومستنيرة وعقلانية للإسلام والمرجعيات الدينية والتراثية، بما يؤدي إلى إضعاف حجج الذين يبررون قتل الأبرياء والمدنيين والسواح بفتاوى فقهية ونصوص دينية؟


 ـ فعلا، إن من بين أسباب انتشار التطرف والإرهاب ما أسميه شخصيا "الصحوة الدينية المغشوشة"، التي تخلط بين النصوص الدينية والفقهية والتراثية وبين الترويج لفهم معاد للعقل والعقلانية وللعلوم وقيم الحداثة تحت يافطة "الصحوة الإيمانية والدينية".

الصحوة الدينية هي فعلا مغشوشة عندما تؤدي إلى تراجع البعد المعرفي وإلى توظيف التكنولوجيات الحديثة، وبينها شبكة الإنترنت والهواتف الذكية لصنع المتفجرات والأسلحة، وقتل الأبرياء، وشن عمليات إرهابية يقتل فيها الأبرياء وبينهم أطفال ونساء وعجائز..

وأعتقد أن من بين المخاطر التي تعقد اليوم ظاهرة الإرهاب عدم سيطرة الحكومات على الفضاء الافتراضي، وتوظيف المقاتلين السابقين في "داعش" والقاعدة وحلفائهما والعائدين من بؤر التوتر لقراءات معينة للدين، يروجونها عبر وسائل الاتصال الحديثة..

لذلك، لا بد من استراتيجية لتطوير الخطاب الإعلامي والديني، ومراجعة أداء وسائل الإعلام عموما، خاصة منها ما يسمى الإعلام الديني..

ورقة المستقبل

س ـ يتطلع الجميع إلى الاستعدادات للانتخابات التونسية والحراك الشعبي الديمقراطي السلمي في عدة دول، بينها الجزائر والسودان، هل يمكن لهذه المسارات الانتخابية والسياسية أن تقدم نموذجا عمليا في محاصرة العنف والإرهاب؟


 ـ إنجاح المسارات السياسية والانتخابية والانتصار على الإرهاب يستوجبان اعتماد مقاربات استراتيجية، وتعزيز الوحدة الوطنية، ودعم السياسات الوقائية، وتسوية النزاعات الإقليمية.. الأمن الناجح يعتمد مخططات تقوم على الوقاية والحماية ثم التدخل.. بدءا من الوقاية الثقافية والإعلامية.

المسارات السياسية ضرورية، بل يجب توفير الاستقرار السياسية والمجتمعي.. لكن لا بد كذلك من اليقظة الأمنية، وتطوير التنسيق الاستخباراتي فيما يتعلق بملفات العائدين والمقاتلين والمجموعات المسلحة.. في الوقت ذاته، لا بد من تنبي خطاب ديني وإعلامي معتدل، وتعزيز الشرعية في نظر المواطنين، مع توحيد جهود الأطراف التي تقاوم الإرهاب، والعمل على دعم جهد الاستعلامات ومؤسساتها المختصة.. ولا شك أن عزل الإرهابيين عن قضيتهم ومصادر دعمهم يبدأ بتعزيز دولة القانون، وإنجاح مسارات التنمية السياسية والاجتماعية والاقتصادية..