ثمّة ما يثير الضحك في موقف الجيش الجزائري من التطورات التي تحصل في الجزائر، إذ بين ليلة وضحاها أصبح هناك عصابات في السلطة، لم يكتشفها الجيش، إلا بالأمس، في حين أنه من المعلوم أن الجيش هو من يمسك بالسلطة في الجزائر، وجميع الشخصيات والفاعلين، السياسيين، بما فيهم الرئيس نفسه، ورجال المال والإعلام، ما هم سوى واجهات يصنعها قيادات الجيش بأيديهم.
ليست لعبة الجيش في الجزائر من تلك الألعاب المعقدة التي يصعب كشفها، ويبدو أن النخبة الجزائرية، مثل نظرائها في السلطات العربية، أوصلها الاستهتار بالشعوب واستسهال خداعها، إلى حد السذاجة المفرطة في التعاطي مع الأحداث والتطورات السياسية، بدليل أنهم هندسوا حبكة فاشلة لتمريرها على الشعب، ويتوقعون نجاحها والتصفيق لها ربما.
قيادة الجيش الجزائري، الممسكة بالسلطة، كانت تعرف أن الشارع سيثور ضد قرار ترشح بوتفليقة
أبعد من المطالبة بتنحي بوتفليقة
قيادة الجيش الجزائري، الممسكة بالسلطة، كانت تعرف أن الشارع سيثور ضد قرار ترشح بوتفليقة، المؤشرات بهذا الخصوص كانت موجودة بقوّة، وكان العالم كله يعرف هذا الأمر، لكن قيادة الجيش، قرّرت الذهاب باللعبة إلى آخرها، فهي تعرف ان إتجاهات الرأي في الجزائر تسير لما هو أبعد من المطالبة بعدم ترشح بوتفليقة، إلى تغيير النخبة الحاكمة بكاملها، لذلك أرادوا توظيف هذه الورقة في مساوماتهم مع الشارع، ولكي يأخذوا الوقت الكافي لترتيب أوضاعهم وتجهيز سردية واستراتيجية لمواجهة الحراك الشعبي.
استقالة بوتفليقة أول خطوة في السيناريو الذي رسمته قيادة الجيش، وهو سيناريو، يبدو من فقرته الأولى، أنه تمت استعارته من تجربة الجيش المصري في مواجهته لثورة 25 يناير، أما الخطوة الثانية ستكون الطلب من الحراك التوقف، فلم يعد هناك مبررات موجبة، كما أن الأمور ستسير باتجاه تأسيس حكم انتقالي، عسكري في الغالب، يتم وضع واجهة مدنية له، ثم في خطوة لاحقة ملاحقة كل من دعا للثورة والتظاهر والتنكيل به، وربما تظهير عصابات وبلطجية تستبيح الأمن وتعتدي على العباد والأملاك العامة، وتدّعي أنها تنتمي للحراك والثورة.
استقالة بوتفليقة أول خطوة في السيناريو الذي رسمته قيادة الجيش، وهو سيناريو، يبدو من فقرته الأولى، أنه تمت استعارته من تجربة الجيش المصري في مواجهته لثورة 25 يناير
الثورات يتعلم بعضها من بعض
المنطق يقول إن الحراك الجزائري سيتجاوز كل الإخفاقات التي وقعت بها الثورات في سوريا ومصر، لأن الثورات تتعلم من تجارب بعضها البعض، فلا يجب مثلا الرهان على عدم لجوء الجيش لاستخدام الاستراتيجيات التي استخدمت في مصر وسوريا، باعتبارها باتت مكشوفة وأن العقل الفاسد فقط هو من سيفكر باللجوء لها، والحقيقة أنه يجب التعامل مع قيادة الجيش في الجزائر أنها بالفعل ذات عقل فاسد، ويجب عدم الترفع في التعامل معهم على هذه الشاكلة، فقد ثبت أن عصابات الحكم العربية تتطلع للنتائج النهائية، ولا يهمها إن كانت الوسائل المستخدمة محترمة أو شريفة أو ذكية.
من جهة ثانية، إذا لم يتأطر الحراك في الجزائر، وتتبلور له قيادات مقبولة ونظيفة، ويضع برنامجا واضحا وأفكارا محدّدة، ويجري تطوير الحراك، فما الذي سيمنع اختراقه وتشويهه وركوبه؟
استقالة بوتفليقة، قد تكون خطوة إيجابية، إذا تم استثمارها لصالح الحراك والدفع بمطالبه لتغيير العملية السياسية الفاسدة برمتها، بأشخاصها وأساليب إدارتها، وقد تكون لعبة للإطاحة بالحراك ودفنه، هو صراع ولن يتنازل العسكر عن كل أوراقه، كما لن يكف عن التلاعب، فمصير سلطته واستئثاره بالبلاد في قلب هذا الصراع.
انتفاضة السودان والجزائر وعودة الروح للشعوب العربية