نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للزميل في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، جون حنا، يقول فيه إن العلاقات الأمريكية السعودية تواجه مشكلة حقيقية، مشيرا إلى أن الأمور يمكن أن تنزلق نحو الأسوأ.
ويشير حنا في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن "الأكثرية من الحزبين في الكونغرس جعلت من الواضح رغبتها في عقوبة ولي العهد محمد بن سلمان، بسبب سلسلة طويلة من الانتهاكات، بما في ذلك دور السعودية في حرب اليمن، وقتل الصحافي المعارض جمال خاشقجي، وستتكثف هذه الجهود مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في 2020، وسيتنافس الديمقراطيون الحالمون في خوض الانتخابات الرئاسية بين بعضهم بمهاجمة العلاقات الوثيقة للرئيس دونالد ترامب مع قيادة السعودية".
ويبين الباحث أنه "في السياسة الأمريكية ليس هناك جانب سلبي لمهاجمة السعودية، وهذا الأمر أصبح أكثر صحة مع وجود محمد بن سلمان في قمة الهرم، حيث الكلام حول استخدام مناشير العظام على الصحافيين، وسجن وتعذيب المواطنين الأمريكيين، وانتهاك حقوق الناشطات الحقوقيات يملأ الإعلام".
ويقول حنا: "حتى لو لم يستطع الكونغرس أن يمرر قانونا واحدا دون أن يستخدم الرئيس حق الفيتو، إلا أن الجهود المتواصلة شهرا تلو آخر ومسودات قوانين وانتقادات عامة تستهدف المملكة تهدد بإلحاق الضرر بالعلاقة الاستراتيجية بين البلدين على المدى الطويل".
ويضيف الكاتب: "صحيح أن العلاقة بين أمريكا والسعودية فيها خلل، إلا أن تلك العلاقة تحملت قطع النفط وهجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر (15 من 19 من المختطفين كانوا سعوديين)، وحوالي 70 عاما من صدام الحضارات والقيم، وتبقى المصالح التي ربطت واشنطن والرياض على مر العقود، بالرغم من الفروق العميقة، قوية جدا، لكن تغيرات حقيقية في ديناميكية العلاقة بين البلدين تحدث الآن على قدم وساق، وهذه التغيرات يجب أن تدفع كل من يفترض أن أي حجم من السخرية من السعودية لن يعرض الشراكة الأمريكية السعودية للخطر للتوقف والتفكير، ويجب على إدارة ترامب الانتباه".
ويلفت حنا إلى أن "أحد هذه التغيرات هو التنامي السريع للقومية السعودية، خاصة بين شباب البلد الذين يشكلون نسبة عالية من السكان، فكونهم جزءا من أجندته الإصلاحية، فإن محمد بن سلمان يسعى لبناء هوية جديدة بين السعوديين، تقوم على القومية بدل الوهابية، التي شكلت نهجا لتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة، ومع أن ذلك تطور إيجابي، إلا أن المد القومي قد يشكل سيفا ذا حدين، كما علمت من خلال زيارتي مع (أتلانتك كاونسل) للرياض في شهر شباط/ فبراير".
ويقول الباحث: "كان مدهشا عدد الباحثين والناشطين والمسؤولين الحكوميين في الرياض، الذين اتخذوا موقفا دفاعيا وممتعضا من أمريكا، وقالت إحدى النساء: (لقد تعبنا من اختزال بلدنا في أسوأ أخطائها)، في إشارة إلى مأساة خاشقجي، وقالت أخرى: (شكرا لولي العهد، لقد تحولت حياة ملايين النساء بشكل إيجابي من نواح عديدة ما كانت أمهاتنا تتوقعها، ولا حتى في الأحلام، وإن لم تكن أمريكا قادرة على تقدير الأهمية التاريخية لما يحصل هنا، واختارت فقط أن تركز على أخطائنا ومحاولة تغيير قيادتنا، فإن هذا يعني أنكم تؤذون قضيتنا، وأنا سأعارضكم)".
ويعلق حنا قائلا: "سواء كان ذلك مبررا أم لا، فإن الشعور بالتعرض للأذى وسوء الفهم والهجوم دون مبرر، وحتى الإهانة بدا حقيقيا، وليس من الصعب رؤية كيف يمكن لهذه المشاعر الشعبوية إن تم إثارتها بما فيه الكفاية أن تؤدي إلى رد فعل يتجاوز الحد أو إساءة حسابات أو سياسات سلبية، وهي على الأقل متغير آخر في المعادلة يجب على صناع القرار في كل من الادارة والكونغرس أخذه في الحسبان عند تقدير أفضل طريقة للضغط على المملكة لتغيير تصرفاتها الإشكالية".
ويجد الكاتب أن "المتغير الأهم هو ظهور منافسين أقوياء لأمريكا، مثل الصين، وصحيح أن السعودية لا تزال تفضل أن تبقى واشنطن شريكها العالمي الأكبر، فهم يعلمون أنه إذا وصل الأمر إلى حرب مع إيران فلن تحرك روسيا ولا الصين ساكنا لإنقاذ آل سعود، لكن الجيش الأمريكي قد يفعل، والمشكلة تكمن في (قد)، حيث قام على مدى العقد الماضي رئيسان أمريكيان من الحزبين الرئيسيين بإبداء إصرارهما على فعل ما هو أقل وليس أكثر في الشرق الأوسط لحفظ أمن الدول الشريكة، وفي ضوء تخفيض النفقات فإن السعودية تقوم بحماية نفسها بتطوير خيارات جيو استراتيجية جديدة".
ويفيد حنا بأن "الصين أصبحت اليوم هي أكبر الشركاء التجاريين للسعودية، فهي أكبر مشتر للنفط السعودي، في الوقت الذي يشكل فيه نفط الصخر الزيتي تهديدا لازدهار اقتصاد الرياض، فالصين، التي سرقت الملكية الفكرية على نطاق تاريخي، أصبحت على وشك اللحاق بأمريكا تكنولوجيا، بما في ذلك في مجالات الصناعات العسكرية والمخابرات والأجهزة السايبرية والقطاعات الناشئة، مثل الذكاء الصناعي، وبكين مثل موسكو مستعدة لبيع آخر تكنولوجيا عسكرية توصلت لها، ودون شروط، ولا شكاوى حول سجل حقوق الإنسان، ولا ذكر لخاشقجي".
ويرى الباحث أنه "مع أن الاعتبارات التي حكمت العلاقة الأمريكية السعودية لعقود لا تزال بشكل كبير لم تتغير، لكنها أصبحت على أرضية غير ثابتة، فقبل أن يصوت مجلس الشيوخ على قرار لوقف أشكال الدعم الأمريكي لحرب السعودية في اليمن كلها، فإن السيناتور كريس ميرفي من كونيتيكت، أكد لزملائه بأن السعوديين لن يذهبوا إلى مكان آخر لشراء الأسلحة، ومع أنني أعتقد أن توقع ميرفي فيه الكثير من الصحة، خاصة بسبب خطر إيران الداهم، إلا أنني لا أملك ثقته ذاتها في هذا الأمر، فالسعودية والسياسة الخارجية الأمريكية وتوازن القوى في العالم في حالة تقلب لم يشهد لها مثيل".
وينوه حنا إلى أنه "حتى قبل 30 عاما، كان السعوديون قادرين على القيام ببعض المفاجآت البغيضة، مثل شراء صواريخ بالستية متوسطة المدى قادرة على ضرب إسرائيل من الصين، وقبل شهرين فقط ظهرت تقارير تشير إلى بناء السعودية لمنشأة لتصنيع وتجريب الصواريخ البالستية العاملة بالوقود الصلب غرب الرياض، والمنشأة شبيهة جدا بالمنشآت الصينية المماثلة، بالإضافة إلى أن القرار الأخير بتعليم اللغة الصينية في مراحل التعليم كلها في السعودية لم يأت من فراغ".
ويقول الكاتب: "يحسب لإدارة ترامب أنها بذلت جهودا كبيرة، خاصة بين الجمهوريين في الكونغرس؛ لمحاولة حماية العلاقة الأمريكية السعودية من الهجمات القاتلة (وفي كثير من الأحيان غير المسؤولة) من الكونغرس ومن الإعلام، لكن ينظر البعض إلى تلك الجهود على أنها محاولات من الإدارة لمراعاة مشاعر محمد بن سلمان، مع إهمال مخاوف الكونغرس الشرعية، وعدم إعطاء الاهتمام اللازم للأفعال السعودية التي تهدد المصالح والقيم الأمريكية".
ويؤكد حنا أن "الحقيقة هي أنه وعلى مدى الأشهر الثمانية عشر الماضية ارتكب محمد بن سلمان سلسلة من التصرفات المتهورة والمزعزعة للاستقرار، التي كان يجب أن تثير قلق الإدارة الأمريكية".
ويستدرك الباحث بأن "تلك الأفعال، كلها تقريبا، قوبلت باستهتار من الإدارة، من احتجاز رئيس الوزراء اللبناني رهينة، إلى ابتزاز مليارات الدولارات من أمراء ورجال أعمال كبار، ومن سجن وتعذيب ناشطات حقوقيات، إلى تدمير العلاقة مع كندا بسبب تغريدة أو تغريدتين، وكانت الإدارة غائبة في الأوقات التي كان يجب أن تحاسب فيها السعودية، وأن يتم منع ولي العهد المتهور من ارتكاب حماقات سيكون مفعولها سلبيا".
ويذهب حنا إلى أنه "مع موت خاشقجي المأساوي في قنصلية بلده في إسطنبول العام الماضي، أصبح واضحا بأن مقاربة ترامب وزوج ابنته جاريد كوشنير في إدارة الأمور مع السعودية على أساس الصفقات فقط قد ضلت الطريق بشكل كبير، فإعطاء محمد بن سلمان صكا مفتوحا ليمارس أحلك ما يجول في خاطره مقابل عدة مليارات من الدولارات لشراء الأسلحة وأسعار نفط متدنية، وموقف أقل عدائية من الخطة الأمريكية للسلام في الشرق الأوسط والمحكوم عليها بالفشل أصلا.. لم يكن حكيما، ولا مقايضة سياسية مستدامة في السياسة الخارجية الأمريكية".
ويعتقد الكاتب أن "إدارة ترامب تحتاج إلى تأكيد سيطرتها على العلاقة، وتحتاج ان تثبت للكونغرس بأن لديها المهارات الدبلوماسية لضبط تصرفات محمد بن سلمان، وستساعد على هذا الأمر مصادقة الكونغرس على الجنرال جون أبي زيد ليكون سفيرا في الرياض، وهو الشخص الذي رشحته الإدارة للمنصب قبل أربعة أشهر، وقضى أبي زيد 34 عاما في الجيش الأمريكي، وكان قائدا للقيادة المركزية في ذروة الحرب الأمريكية في العراق وأفغانستان، بالإضافة إلى أنه يعرف المنطقة جيدا ويتحدث اللغة العربية، فعلى مدى عامين لم يكن هناك سفير أمريكي في الرياض، في الوقت الذي حاول فيه ترامب وكوشنير إدارة العلاقة عن بعد 7000 ميل بنتائج كارثية".
ويقول حنا: "لثني الكونغرس عن مساره المعادي للسعودية فإن على الإدارة أن تسعى لتحقيق بعض الأهداف قصيرة الأمد، وأولها أن تصل إلى اتفاق خاص وصريح مع ولي العهد، يمنعه من القيام بمفاجآت، أو القيام بأعمال عسكرية دون استشارة سابقة (مثل اليمن). لا لمقاطعة الجيران (مثل قطر)، لا لقطع العلاقات مع الديمقراطيات الغربية (مثل كندا). وحيث يمكن أن تتأثر المصالح الأمريكية بسبب سياسات سعودية يجب أن تخبر أمريكا بذلك، وهذا الشرط ذاته يحكم العلاقات مع الحلفاء مثل إسرائيل، ويجب أن تقنع الإدارة أعضاء الكونغرس الرئيسيين بأنها حصلت على التزامات من محمد بن سلمان بأن السعودية ستكون متحفظة ومسؤولة من الآن فصاعدا".
ويرى الباحث أن "أمريكا تحتاج لإيصال رسالة إلى السعودية، لتجعل السعوديين يدركون أن وضعهم في واشنطن الآن سيئ جدا، وأن من المهم جدا أن يبدأوا في المشاركة في الدفاع عن أنفسهم، وليس واضحا مدى إدراك المسؤولين في الرياض لمدى غضب الكونغرس، وإلى أي مدى يمكن للوضع أن يسوء، فقد يظنون أن ما يحصل في واشنطن هو تصفية حسابات مع ترامب من القوى المعارضة له، فيجب تخليص ابن سلمان من مثل هذه الأفكار، ويجب أن يعرف أن الشيء الوحيد الذي يقف حاجزا أمام انحدار متهور للعلاقات مع السعودية هو ترامب، ومع استعداد ترامب أن ينفق رصيده السياسي للدفاع عن هذه الشراكة الاستراتيجية فيقع على عاتق ولي الأمر أن يساعد الإدارة في جعل موقفها مقنعا".
ويجد حنا أن "أهم شيء هو أن على الإدارة أن تضغط على ولي العهد لاتخاذ إجراءات مباشرة وسريعة ليثبت أن صفحة جديدة قد فتحت على سلسلة الأفعال غير الملائمة التي جرت على مدى العام ونصف الماضي، خاصة بعد مقتل خاشقجي. وقد يكون أقوى فعل يمكن لابن سلمان أن يفعله هو إطلاق سراح بعض الأفراد المشاهير من السجن، الذين اعتقلوا دون مبرر، وفي كثير من الأحيان قالت التقارير إنهم تعرضوا للتعذيب، ومن بينهم المدون رائف بدوي وأخته سمر، وعدة ناشطات حقوقيات تم اعتقالهن في ربيع 2018، والأمريكي السعودي وليد فتيحي".
ويشير الكاتب إلى أن "سلطة العفو عن هؤلاء في يد ولي العهد والملك، وبالرغم من تركيز الكونغرس على أهمية حقوق الإنسان، إلا أن الإدارة لم تجعل من أولوياتها مناقشة الأمر مع السعوديين، ولم يفعل ذلك ترامب ولا وزير خارجيته مايك بومبيو".
ويختم حنا مقاله بالقول: "شكرا لتصرفات محمد بن سلمان المتهورة، فقد دخلت العلاقات الأمريكية السعودية أسوأ فترة لها منذ هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
PBS: هكذا تتجسس الرياض على طلابها بأمريكا وترقب خطواتهم
نيويورك تايمز: فرق التدخل السريع تعري ابن سلمان "المصلح"
واشنطن بوست: توبيخ الغرب للسعودية لن يغير مسارها