نشرت صحيفة "الكونفدنسيال" الإسبانية تقريرا سلطت من خلاله الضوء على خطة وضعتها أجهزة الاستخبارات الكرواتية، لتجنيد بعض المسلمين، وإجبارهم على دس أسلحة في عدد من مساجد البوسنية، وذلك من أجل إظهار البوسنة على أنها تمثل ملاذا للمتطرفين وتهديدا لأمن أوروبا.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن صحيفة "زورنال البوسنية" المستقلة كانت أول من فجّر هذه الفضيحة في منتصف الأسبوع الماضي، حين كشفت عن وجود مخطط تقف وراه المخابرات الكرواتية يهدف إلى زرع أسلحة في بعض مساجد البوسنة، ثم التظاهر باكتشافها في وقت لاحق.
والهدف من هذه العملية هو إظهار نجاح الأجهزة الأمنية الكرواتية، وإثبات وجهة نظرها في أن دولة البوسنة المجاورة لها تمثل ملاذا للمتطرفين، وتشكل خطرا على أمن أوروبا.
وذكرت الصحيفة أن هذه الاتهامات أكدها في اليوم التالي وزير الداخلية البوسني، دراغان مكتيتش، خلال حوار مع مجموعة من وسائل الإعلام من بينها صحيفة "نيويورك تايمز".
وحسب صحيفة "زورنال البوسنية" التي نشرت وثائق وشهادات بعض من كانت لهم علاقة بهذا المخطط، فإن مجموعة من المواطنين البوسنيين اتصلت بهم أجهزة المخابرات الكرواتية، ومارست عليهم ضغوطا لإجبارهم على وضع كميات صغيرة من السلاح في بعض مساجد بلادهم.
وقد اعتبر المدعي العام البوسني أن هذه المسرحية تمثل قضية خطيرة، وأمر بفتح تحقيق فيها.
وقال المدعي العام في تصريح له إن "متخصصا في الجريمة المنظمة والفساد والجرائم الاقتصادية سوف يتخذ إجراءات عاجلة، للكشف عن كل ملابسات هذه القضية وحقيقة الادعاءات المطروحة في وسائل الإعلام، بشأن محاولة استقطاب أعضاء من التيار السلفي لإدخال أسلحة إلى البوسنة".
وقد وصف بعض الصحفيين هذه التطورات بأنها أكبر فضيحة تشهدها العلاقات بين البلدين منذ الحرب البوسنية، واعتبروا أن وقعها يفوق فضيحة إيران كونترا.
وأوردت الصحيفة شهادة قدمها عنصر ينتمي إلى التيار السلفي، أكد أنه وافق على التعاون مع المخابرات الكرواتية لمدة أربعة أشهر، خوفا من تهديداتهم بعدم السماح له بدخول كرواتيا، أو حتى سجنه بتهمة تشكيل خطر على الأمن القومي.
وحسب رواية هذا الشاهد، فإن المخابرات طلبت منه إنشاء حساب مزيف على شبكة تواصل اجتماعي، وادعاء انتمائه إلى تنظيم الدولة، حتى يستعمل ذلك الحساب لاحقا للتواصل مع بعض الأشخاص.
اقرا أيضا : السجن مدى الحياة لـ "كاراجيتش" سفاح البوسنة
وخلال إحدى المراحل، طلبوا منه العودة إلى البوسنة، ونقل كمية من السلاح إلى منطقة دوبوج، وأخذها إلى مسجد في بلدة سترانياني قرب زينيكا، ثم توجيه رسالة إلى شخص يدعى دافور من زغرب، الذي سيقوم بعد ذلك بإعلام الشرطة في البوسنة، حتى تتحرك أجهزة الأمن وتكتشف هذه الأسلحة والمتفجرات في المسجد التابع للسلفيين.
وبعد أن تم إخباره بكل هذه التفاصيل، اقتنع هذا الشاهد بضرورة عدم مجاراتهم، وقرر القيام بأي شيء لوقف التعاون معهم.
وأكدت الصحيفة أن الهدف من التخطيط لهذه العملية كان إظهار البوسنة على أنها دولة إرهابيين ومعسكرات إرهابية، وأنها تشكل تهديدا لأمن المنطقة.
وقال وزير الداخلية مكتيتش، في تصريح له لصحيفة "نيويورك تايمز": "لقد نبشوا في ماضي هذا الشخص، وتمكنوا من ابتزازه لإجباره على القيام بهذا الأمر.إن هذا المواطن كان يعمل في بلد آخر عضو في الاتحاد الأوروبي، وقد تم تهديده باختلاق مشاكل له".
وذكرت الصحيفة أن مواطنا آخر بوسني يدعى صباح الدين يساروفيتش، روى هو أيضا قصة مماثلة، حيث ذكر أنه لم يواجه في السابق أي صعوبة في الحصول على تأشيرة إقامة طويلة المدى في كرواتيا، إلى حدود تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، عندما طلبت المخابرات الكرواتية مقابلته.
وقد تم استجواب هذا المواطن لوقت طويل حول الحرب وما يعرفه عن القوات المسلحة البوسنية. ثم بعد ذلك، تم منعه رسميا من دخول كرواتيا، دون تقديم تفسيرات.
ونوهت الصحيفة بأن ظاهرة التطرف الموجودة في البوسنة تم تضخيمها من قبل السلطات الكرواتية، التي تدعي رئيستها كوليندا غرابار كيتاروفيتش أن الأراضي البوسنية تمثل حاضنة للإرهاب، ويوجد فيها ما لا يقل عن 10 آلاف متطرف، وأن المتطرفين العائدين من بؤر التوتر يشكلون خطرا على الاتحاد الأوروبي.
وأشارت الصحيفة إلى أن مسؤولين في المخابرات الكرواتية أقروا فعلا بوجود اتصالات بينهم وبين عناصر من التيار السلفي، ولكنهم برروا هذا الأمر بأن السلطات البوسنية في سراييفو تعتمد أسلوبا متساهلا مع هذه العناصر، وهو ما دفعهم للتدخل بشكل مباشر.
اقرأ أيضا : كرواتيا تنتهك القانون الأوروبي وتعيد لاجئين للبوسنة (فيديو)
كما أكدت المخابرات الكرواتية أنها قامت بعمليات استجواب واتصالات مع هؤلاء السلفيين في إطار التعاون مع جهاز المخابرات في البوسنة، وهو أمر نفاه وزير الداخلية مكتيتش، مؤكدا أن الكرواتيين لم يعلموهم بوجود اتصالات لهم مع سلفيين بوسنيين.
وأفادت الصحيفة بأنه بالنسبة للحكومة البوسنية، فإن هذا المخطط يندرج ضمن المحاولات التي يقوم بها الجانب الكرواتي منذ حوالي عام للتدخل في شؤونهم الداخلية.
وتعتقد الحكومة البوسنية أن هذه المخططات تهدف لزيادة الضغط السياسي على الكروات الموجودين في البوسنة، وذلك بهدف إقامة حكم ذاتي للبوسنيين الكروات، على غرار ما تحقق للبوسنيين الصرب في السابق.