في الأوّل من شباط/ فبراير 2019، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعيّ في
العراق، أحد الإعلانات الغريبة (ربّما هو الأوّل من نوعه) عن قِطّ مفقود في بغداد، ومكافأة لمن يعثر عليه.
وذكر في لافتة علقت أمام أحد المنازل؛ بعنوان "قطّ مفقود" "إلى أهالي الغزالية الطيّبين؛ حالة إنسانيّة، على من يعثر عليه (القطّ) الاتصال بالرقم المذكور، وله مكافأة مجزية، مع هديّة قطّ صغير"!
وبعيداً عن هذا الإعلان المليء بالقيم الإنسانيّة، التي دفعت صاحب القطّ للبحث عنه، فإنّ آلاف العوائل العراقيّة لا تمتلك أيّ معلومات عن مصير أبنائهم المختفين والمفقودين منذ عدّة سنوات!
والاختفاء القسريّ بحسب المادة الثانية من الاتفاقيّة الدوليّة يقصد به: "الاعتقال، أو الاحتجاز، أو الاختطاف يتمّ على أيدي موظّفي الدولة، أو مجموعات من الأفراد يتصرّفون بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حرّيّته، أو إخفاء مصير المختفي، ممّا يحرمه من حماية القانون".
وصور
الاختفاء القسريّ في العراق (بعد أن سُحق الأخضر واليابس، وأطلقت يد القوى الإرهابيّة لقتل واعتقال وإخفاء المدنيّين العزل بحجج واهية) لا تُعدّ ولا تحصى!
وقبل ثلاثة أيّام، طالب مركز جنيف الدوليّ للعدالة المفوّضة الساميّة (ميتشيل باشليه)، بعرض
الانتهاكات في العراق على اجتماع الدورة الأربعين لمجلس حقوق الإنسان، التي تبدأ قريباً، وأن "تحثّ المجتمع الدوليّ على اتّخاذ الإجراءات اللازمة بخصوصها، وصولاً إلى معالجة كلّ الانتهاكات، ومنها الاختفاء القسريّ، والسجون والمعتقلات، ومصير المدافعين عن حقوق الإنسان، وحظر المليشيات".
وفي منتصف الشهر الحاليّ، أكّد غيث التميمي، رئيس المركز العراقيّ لإدارة التنوّع، أنّ "مليشيا
حزب الله العراقيّ تحتجز أكثر من ألف مواطن في سجون سرّيّة، وهم من الرزازة والصقلاوية"!
وسبق لمنظّمة هيومن رايتس ووتش، تأكيدها عام 2017 أنّ "عدد
المفقودين في العراق منذ عام 2014 يصل إلى مليون شخص، وأنّ اللجنة الدوليّة لشؤون المفقودين، كشفت أنّ عدد المفقودين يتراوح بين 250 ألف شخص، ومليون شخص منذ العام 2014"!
وبالتالي، الواجب على الأمم المتّحدة ومنظّمات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، وغيرها من المنظّمات ذات العلاقة العمل على:
1- حثّ حكومة بغداد على احترام القانون الدوليّ الإنسانيّ، وأن تكفل حقّ العائلات في معرفة مصير أقاربهم المفقودين، وهذا من أبسط حقوقهم، وهي مسألة مؤرّقة وتسبّب ألماً نفسيّاً وجسديّاً متواصلاً.
2- إعطاء الأولويّة في معرفة مصير الأحياء في المعتقلات السرّيّة، وضمان تلقيهم معاملة إنسانيّة حسنة، وتأمين اتصالهم بذويهم.
3- مطالبة الوزارات ذات العلاقة، ومنها رئاسة الوزراء والعدل والداخليّة والصّحّة، بحصر أعداد المفقودين في البلاد.
4- الكشف عن مصير المفقودين (حتّى وإن قُتلوا في أيّ ظرف كان) ليتسنّى لعوائلهم التعامل مع الواقع الجديد، وعدم البقاء في أمل الحصول على أخبارهم، بينما ذووهم في عالم الأموات؛ لأنّ حالة عدم اليقين مؤلمة لذويهم، وبالتالي مواجهة حقيقة مصيرهم أفضل من الانتظار القاتل.
5- تشكيل لجنة وطنيّة شعبيّة للضغط على الحكومة وكافّة الوزارات ومنظّمات المجتمع المدنيّ والإعلام، لبذل أقصى الجهود لمعرفة مصير المفقودين.
6- تقديم الرعاية الكافية لعوائل المفقودين، وبالذات الأطفال والنساء، وتوفير الدعم المادّيّ والمعنويّ لهم، وعدم تركهم في مهبّ الريح!
7- تصفية ملفّات كافّة المعتقلين في السجون السرّيّة والعلنيّة، وإنصافهم وإعادتهم إلى وظائفهم السابقة، وتعويضهم تعويضاً مادّيّاً ومعنويّاً مجزياً عن مراحل الظلم المختلفة!
8- تعويض عوائل المتوفّين منهم في كافّة الجوانب المادّيّة والمعنويّة.
هذه الخطوات وغيرها يمكن أن تعيد الأمل لعوائل المفقودين، أو – على الأقلّ - تجعلهم على دراية تامّة بمصير أبنائهم.
جريمة الاختفاء القسريّ لا تقلّ بشاعة عن جريمة القتل، بل ربّما يكون القتل في بعض الأحيان أقلّ ألماً من جريمة الإخفاء؛ وذلك لقدرة الإنسان على الصبر والقبول بالمصيبة التي نزلت به، أمّا بقاء الحال دون معرفة مصير المفقود فهذه جريمة مركّبة ضحيّتها الشخص المفقود وعائلته وجميع ذويه!
فمتى تكفّ قوى الشرّ والإرهاب في العراق عن نشر الألم بين المواطنين الأبرياء العزّل؟