نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا تحليليا للكاتب رود نولاند، تحت عنوان "هل هذه الطريقة الصحيحة لإنهاء الحرب؟"، يقول فيه إن الكثير من الخبراء يخشون من تكرار الولايات المتحدة لأخطاء فيتنام في أفغانستان.
ويقول نولاند في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إن هذا البلد انتزع من فيتنام لقب "أطول حرب أمريكية"، عندما تجاوزت عامها الثالث عشر في عام 2014، مشيرا إلى أنه بعد خمسة أعوام وإمكانية اتفاقية سلام قد تؤدي إلى انسحاب أمريكي من هذه الحرب غير الشعبية، فإن هناك الكثير عاد ليقارن بين الحربين، وحتى بين عدد من القادة الذين أرسلتهم أمريكا إلى أفغانستان في الفترة الماضية.
ويشير الكاتب إلى أن ريان كروكر، الذي كان سفيرا مرتين في العاصمة كابول، قاد جوقة الذين أصابتهم حالة من تذكر الماضي، فعلق على محادثات السلام الأفغانية، قائلا: "إنها تذكرني بمحادثات باريس حول فيتنام"، وأضاف كروكر الدبلوماسي المقيم في برنستون: "من خلال الجلوس على الطاولة فإننا قلنا للفيتناميين الشماليين والفيت كونغ: لقد استسلمنا وجئنا هنا للتفاوض على الشروط".
ويلفت نولاند إلى أن كروكر كان يقارن بين المحادثات التي جرت في باريس حول الانسحاب الأمريكي من فيتنام، والمحادثات التي استمرت لمدة 6 أيام مع المبعوث الأمريكي الخاص لأفغانستان زلماي خليل زاد وحركة طالبان في قطر، التي انتهت في 26 كانون الثاني/ يناير، باتفاق أولي يقضي بانسحاب القوات الأمريكية مقابل عدم استهداف حركة طالبان القوات الأمريكية مرة أخرى.
وتورد الصحيفة نقلا عن كروكر، تعليقه قائلا: "لا أرى أن هذا سيقود إلى وضع أفضل.. ليس لدينا هنا الكثير من النفوذ.. وأرى أن هذا ليس إلا وضع أحمر شفاه لتجميل عملية الانسحاب".
ويعلق الكاتب قائلا إن "المقارنة بين الحربين ظلت حاضرة في مواقف الباحثين، حيث تفوقت التشابهات السطحية على الخلافات الجوهرية، فحرب فيتنام حدثت في أثناء الحرب الباردة، في وقت كانت فيه قوتان عظميان تتنازعان فيها، وهناك خلاف ثقافي وتاريخي وجغرافي جذري بين أفغانستان وفيتنام، وهناك فرق حول مدى الحربين، فقد شارك نصف مليون جندي أمريكي في الحرب، مقارنة بـ100 ألف جندي أمريكي تناقص عددهم الآن إلى 14 ألفا، فيما قتل في الحرب الفيتنامية 58 ألف جندي أمريكي، مقارنة مع 3 آلاف في أفغانستان".
ويستدرك نولاند بأن عددا كبيرا من المسؤولين الأمريكيين والسفراء عبروا عن قلق من وجود ملامح تشابه كبيرة بين الحربين، فقال كارك أكيلبيري، الذي عمل قائدا للقوات الأمريكية في أفغانستان من 2005- 2007، ثم سفيرا من 2009- 2011، إن كلا البلدين مثلا تحديا من ناحية تطوير قوة وطنية قادرة على حماية الحكومة المركزية الضعيفة والفاسدة، وفي كلا الحالتين دربت الولايات المتحدة قوات البلدين بشكل جعل المسؤولين فيها يشكون في التزام أمريكا الطويل لهما.
وتذكر الصحيفة أن كروكر يخشى من سياسة ترامب القائمة على الخروج من أجل الخروج، والتضحية بما تم إنجازه لصالح النساء هناك، فأي صفقة متعجلة قد تجعل حركة طالبان في السلطة، كما حدث في فيتنام عندما سحبت القوات الأمريكية قواتها، حتى بعد تخلي الفيتناميين الشماليين عن وعودهم، وقال: "أتخيل أننا والأفغان قتلنا معظم المقاتلين الكسالى والأغبياء" من حركة طالبان، مضيفا أن من بقي منهم "بعد 18 عاما هم من الأقوياء الملتزمين، ولا أرى أنهم مستعدون للتوقيع على أي تسويات ذات معنى، لكنهم يتحدثون فقط عن حل وسط".
ويقول الكاتب إن السفراءليسوا كلهم يحاولون البحث عن تشابه بين الحربين، فقد قال جيمس كاننيغهام، الذي عمل سفيرا في عام 2012 حتى 2014 في أفغانستان، ويعمل حاليا باحثا في المجلس الأطلسي، إن مخاوف الكثيرين من هروب أمريكا للتقليل من خسائرها "تثير قلقا للكثيرين هنا وللأفغان الذين أعرفهم، وهناك عدد من الناس يريدون أن يحدث هذا الأمر"، لكنه أكد أن المقارنة بين الحربين ليست دقيقة "فهناك تعاطف مع الأفغان وما يحاولون عمله، وهذا يجب ألا يكون تسرعا للخروج وآمل ألا يحدث"، مشيرا إلى أنه ليس مقتنعا بانسحاب الرئيس حتى لو كان أنصاره يريدون هذا، قائلا: "رغبة الرئيس بالمغادرة ليست سرا، كما كان سلفه وسلفه المفترض، لكن الواقع والظروف تتدخل بطرق عدة".
وتنوه الصحيفة إلى أن الخبراء يرون المقارنة بين الحربين من خلال تعلم الدروس، فيقول دبلوماسي عمل في أفغانستان: "تعلمت دروسك لكنك تقوم بتكرارها".
ويذكر نولاند أن المسؤول في وزارة الدفاع في السنوات الأخيرة لحرب فيتنام أنتوني كوردسمان كتب ورقة بحثية، قارن فيها ملامح الشبه بين الحربين، وقال كوردسمان، الذي يعمل باحثا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، إن الأمريكيين "أخفوا عدد الضحايا والمختفين والجنود الوهميين"، تماما كما فعلت الحكومة الأمريكية وحكومة أشرف غني في كابول، و"تماما كما في فيتنام وفي داخل القيادة كان هناك انقسام واضح"، تماما مثل أفغانستان حيث الصراع على السلطة.
وتبين الصحيفة أنه بطرق أخرى، فإن أفغانستان في وضع أسوأ من حال فيتنام عند الانسحاب الأمريكي منها عام 1973، وسقوطها عام 1975 للشيوعيين، ففي أفغانستان يعد الاتجار بالمخدرات والمساعدات الدولية هما مصدر العملة الحقيقي، وبالمقارنة فإن فيتنام لديها مصادر متنوعة من الدخل، وكان في جيشها وحدات قوية رغم ضعفه، مقارنة مع حالة الضعف للجيش الأفغاني.
ويورد الكاتب نقلا عن المؤرخ البريطاني ماكس هاستينغز، مؤلف كتاب "فيتنام: ملحمة مأساوية 1945 – 1975"، قوله إن هناك الكثير من ملامح التشابه بين الحربين "فالحكومات الغربية لم تفهم بعد أن النصر في القصف لا معنى له حتى تستطيع الانخراط الثقافي والاجتماعي والسياسي مع المجتمعات المحلية.. بالنسبة لمعظم الناس في أفغانستان، كما في فيتنام، فإن الحياة اليومية تمثل سلسلة لا نهائية من التكيف والتنازل والقرارات حول من سينتصر"، وأضاف: "الكثير منهم يراهنون على حركة طالبان ليس لأنهم يحبونها، لكنهم سيظلون أطول منا".
ويختم نولاند مقاله بالإشارة إلى قول إكيلبيري إن المقارنة جيدة مع الانسحاب السوفييتي من أفغانستان عام 1989. فموسكو لم ترد مواصلة تحمل المسؤولية في أفغانستان، ويضيف أن "حرب فيتنام وأفغانستان هما حرب اختيار، وفي الحالتين قمنا بخيارات تبين أنها سيئة".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
FP: مع سعي أمريكا للانسحاب من أفغانستان روسيا تريد العودة
FP: هل سيُعرف زلماي خليل زاد بالرجل الذي أضاع أفغانستان؟
فريدمان: عملية سلام بين طهران والرياض أهم للمنطقة.. لماذا؟