نشرت صحيفة "إندبندنت" تقريرا لمحرر الشؤون الأمنية والدفاعية كيم سينغوبتا، يتحدث فيه عن تدافع القوى في ليبيا، ومحاولة كل منها النيل بحصة من السلطة فيها، مشيرا إلى أن مصير أبناء القذافي يبقى معلقا.
ويتحدث الكاتب في البداية عن الذكرى التاسعة للثورة التي أطاحت بنظام معمر القذافي، حيث لا تزال ليبيا في حالة من الاضطراب، وتستمر فيها المواجهات الدموية، مثل المواجهة التي حدثت الأسبوع الماضي على أطراف العاصمة الليبية طرابلس، فيما يحضر الجنرال خليفة حفتر، المنقذ القوي المنتظر بالنسبة لأنصاره، لحملة عسكرية في جنوب غرب البلاد.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن حقول النفط الغنية لا تزال مغلقة بعدما قامت جماعة مسلحة بالسيطرة عليها، لافتا إلى أن فرنسا وبريطانيا قامتا بشن أول هجوم في حملة الناتو التي أدت إلى سقوط نظام القذافي.
وتلفت الصحيفة إلى أن القوى الغربية عادت من جديد إلى البلد الممزق، ويقوم الإيطاليون والفرنسيون والأمريكيون والروس والإماراتيون بدعم كتل متنافسة على السلطة، مشيرة إلى أنه لا أثر للحكومة التي تدعمها الأمم المتحدة خارج العاصمة.
ويقول سينغوبتا إنه مع أن بريطانيا ديفيد كاميرون قادت جوقة الداعين لرحيل القذافي، إلا أن انشغالها بموضوع الخروج من الاتحاد الأوروبي جعلها أقل تأثيرا في المسألة الليبية من الفرنسيين والإيطاليين، الذين باتوا اللاعبين الأوروبيين المهمين في ليبيا.
ويفيد التقرير بأن أبناء القذافي يخرجون ببطء من هذه الفترة المتغيرة، فقبل سبعة أعوام وعشرة أشهر شاهد الكاتب جثة القذافي وابنه المعتصم في مخزن للحوم في مدينة مصراتة، حيث عرضتا أمام الجماهير التي اصطفت لإلقاء نظرة على الديكتاتور الذي حكم البلاد 40 عاما، وجاءت بعض العائلات مع أطفالها، حيث انتظرت لساعات لمشاهدة العرض القاتم، فيما أعلن المتمردون الليبيون وداعموهم الخارجيون أن العائلة التي حكمت البلاد لأربعة عقود قد انتهت بلا رجعة.
وتذكر الصحيفة أن القذافي سحل وعذب وقتل عندما ألقي القبض عليه في مسقط رأسه سِيرْت، وقتل معه ابنه المعتصم، وقتل ابنه خميس، الذي كان يقود كتيبة باسمه في غارة للناتو في نهاية آب/ أغسطس 2011، وقتل سيف العرب بعد عودته من ألمانيا في نيسان/ أبريل 2011، أما الوريث المحتمل لوالده سيف الإسلام، فقد اعتقل وهو يحاول الهرب من ليبيا، وحكمت عليه محكمة في طرابلس بالإعدام، وأصدرت محكمة الجنايات الدولية أمرا بالقبض عليه ومحاكمته في لاهاي.
ويستدرك الكاتب بأن كتائب الزنتان التي ألقت القبض عليه، وقطعت أصبعين من أصابعه استخدمهما للتلويح بالنصر على شاشة التلفاز، رفضت تسليمه.
ويقول سينغوبتا إنه "مع تدهور الحال في ليبيا، التي انقسمت إلى مجموعة من الإقطاعيات المتناحرة، وجدت عبر زياراتي المتتالية لها أن الكثيرين قارنوا انعدام الأمن بأعوام القذافي، متسائلين إن كان الحكم الديكتاتوري هو الثمن الذي يجب أن يدفعوه مقابل الحصول على الاستقرار: وربما كان هذا الحنين إلى الماضي الوردي المشوه، خاصة أن الكثيرين احتفلوا بسقوط الرجل الذي وصفوه بالطاغية، وسيأتي الوقت، في المستقبل القريب، الذي سيكشف فيه عما إن كانوا يريدون مستقبلا مرتبطا بالماضي".
وينوه التقرير إلى أنه تم الإفراج عن سيف الإسلام بشكل هادئ قبل 18 شهرا، وأعلن أنصاره العام الماضي أنه ينوي الترشح للانتخابات الرئاسية التي أجلت، ومن المتوقع تنظيمها في الأشهر القليلة المقبلة، مع أن موعدها لم يحدد بعد، مشيرا إلى أنه لا يوجد في الدستور ما يمنع سيف الإسلام من المشاركة في الترشح في العملية الانتخابية، فقد تم إلغاء قانون صدر عام 2013، يحظر على رجال النظام السابق المشاركة في المناصب العامة.
وتبين الصحيفة أن مصير أحد ابناء القذافي كان محل الأخبار، وهو هانيبال القذافي، المعتقل منذ أربعة أعوام في لبنان، بعد اختطافه من سوريا، حيث انتهى به الحال هناك بعد خروجه من ليبيا، ويقول أصدقاؤه إنه في حالة صحية سيئة، ولا يتوفر العلاج المناسب لوضعه الصحي المتدهور، لافتة إلى أن مليشيا شيعية اختطفته، وأفرجت عنه بعد يوم واحد، ومن ثم اعتقلته قوات الأمن اللبنانية مباشرة؛ على خلفية اختفاء رجل الدين الشيعي موسى الصدر، والشيخ محمد يعقوب، وعباس بدر الدين في ليبيا عام 1978.
ويعلق الكاتب قائلا، إن "هناك ما يدعو إلى الشك في وجود علاقة بين الجماعة المسلحة التي اختطفته والإمام وصديقيه اللذين اختفيا معه، وكان موسى الصدر هو المؤسس لحركة أمل الشيعية في لبنان، التي يترأسها اليوم رئيس البرلمان نبيه بري".
ويشير التقرير إلى أنه يزعم أن موسى الصدر زار ليبيا بناء على دعوة من معمر القذافي، لافتا إلى ظهور عدة نظريات بشأن ما حدث له ولمرافقيه منذ اختفائه هناك، بينها قتلهم بناء على أمر من الزعيم الليبي بعد خلاف عقدي جرى بينهما، أو أنهم قتلوا بناء على طلب من الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، أو أنهم سجنوا في معتقل ليبي، أو كما قالت السلطات الليبية في حينه بأنهم غادروا إلى إيطاليا.
وتجد الصحيفة أن المشكلة في كل نظرية، هي عدم وجود أدلة تثبت صحتها، مشيرة إلى أن عائلة الصدر تعارض الإفراج عن هانيبال، وقالت في بيان لها: "الحديث عن أن هانيبال القذافي كان مجرد طفل عام 1979 ليس إلا ذريعة، ولا أحد يتهمه بالقيام بدور في الاختطاف في ذلك الوقت، لكن الجريمة استمرت، وأصبح هانيبال مسؤولا أمنيا في نظام والده، وكونه لاجئا سياسيا في دولة عربية صديقة، لا يمنحه الحصانة، أو أي تأثير قانوني".
ويلفت سينغوبتا إلى أنه لا يزال هناك من أتباع موسى الصدر من يعتقدون أنه في سجن ليبي وحي يرزق، و"هذا سيناريو يبدو اليوم بعيدا بعد وقوع المعتقلات كلها في يد الجماعات المعادية للنظام السابق"، مشيرا إلى أن المحامين الذين يتولون الدفاع عن نجل القذافي، يؤكدون أن السلطات اللبنانية لم تقدم ولا أي دليل يثبت تورطه في عملية الاختفاء.
ويقول الكاتب: "قد تظهر أدلة عن لغز اختفاء رجل الدين اللبناني، لكننا، نحن الصحفيون الذين وجدوا أطنانا من الوثائق السرية في مباني الحكومة بعد سقوط نظام القذافي، بما في ذلك تورط الحكومة البريطانية في عمليات الترحيل القسري، لم نر أي شيء له علاقة بالإمام الصدر".
ويفيد التقرير بأنه حكم على هانيبال بالسجن مدة 18 شهرا؛ لإهانته النظام القضائي اللبناني فيما يتعلق بقضية موسى الصدر، وأصدر قاض لبناني أمرا بمنع مغادرة هانيبال لبنان لمدة عام، بعدما تقدم لبناني بشكوى اتهم فيها مليشيا تابعة له باختطافه عندما كان في ليبيا.
وبحسب الصحيفة، فإن أصدقاء وعائلة هانيبال عبروا عن قلقهم بشأن حالته، فقالت ريم الدبري، التي تعرفه منذ طفولته وزارته في السجن، إنه يعاني من آلام في الظهر والركبة، ولا يستطيع المشي جيدا، مشيرة إلى آثار الضرب والتهشم لأنفه بعد اختطافه، بالإضافة إلى معاناته من أمراض جلدية لأنه قضى سنوات في السجن دون رؤية الشمس، و"ما يريده هانيبال القذافي هو طبيب من مؤسسة إنسانية لزيارته في مستشفى".
وأضافت الدبري: "هذا كله حدث لأن جماعة مسلحة اختطفته، ثم قامت الدولة بسجنه، للتأكيد أنه متهم بشيء حصل عندما كان عمره عامين، فكيف يتحمل المسؤولية؟ نرغب أن تقوم منظمة دولية بالتحقيق في هذا".
وينوه سينغوبتا إلى أن آخر تغريدة على حساب هانبيال في "تويتر" جاء فيها: "أنهى هانيبال القذافي أربعة أعوام في المعتقل، ولم يظهر اعتقال نجل الزعيم الليبي أي أدلة عن مصير موسى الصدر ومرافقيه، ولا أمل في الأفق".
ويستدرك التقرير بأنه ربما كان هناك، فسوريا تضغط لعودته، ويقال إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي باتت بلاده لاعبة في الشرق الأوسط، مستعد لمنحه اللجوء، وقالت الدبري إن هانيبال يعلم بالعرض الروسي، "ونحن ممتنون"، لافتا إلى أنه لم يصدر من طهران موقف حوله، لا من قريب أو بعيد.
وتختم "إندبندنت" تقريرها بالإشارة إلى أنه يقال إن سيف الإسلام يعمل على الإفراج عن شقيقه عبر وسطاء، و"نظرا لغموض الوضع في ليبيا، ربما يقوم أبناء القذافي بدور في تشكيل مستقبل ليبيا".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
فايننشال تايمز: ما هو أثر التنافس الخليجي على استقرار لبنان؟
فايننشال تايمز: ماذا وراء الدبلوماسية القطرية الحازمة؟
الغارديان: هل نحن بانتظار ربيع عربي جديد هذه أسبابه؟