طالما كان الاتحاد العام التونسي للشغل، عامل توازن اجتماعي، وداعم للاستقرار، في عقود مضت، وكان القادر على احتواء ثورات الغضب، التي هددت النظام السياسي السابق، وجرى مندفعا في إيقاف أي حراك يعطل الحركة الإنتاجية، ويؤثر على معدلات التنمية، ويعبث بواقع الاستقرار الأمني، الذي يعدُّ شرطا لانتعاش القطاع السياحي، الذي يعزز الموارد القومية.
لجأ فيما مضى إلى التفاوض مع أركان الدولة ومؤسساتها الحكومية، في قضايا حقوق الطبقات الاجتماعية، فحقق جلَّ المكاسب، في ظل استقرار اقتصادي نسبي، ارتقى بالطبقة الوسطى، وحقق معدلات إنتاجية عالية على صعيد القطاعات كافة.
الآن مع تفاقم أزمة العجز التجاري، وارتفاع نسبة التضخم، مع تدهور العملة الوطنية، وضعف القدرة الشرائية، وزيادة نسبة البطالة، وتراجع الموارد السياحية، بفعل هجمات إرهابية، تحرك الاتحاد العام التونسي للشغل، على غير العادة، وشن إضرابا عطل كل مرافق الحياة، هدفه إسقاط حكومة تقترب من نهاية ولايتها، محملا إياها مسؤولية تردي الأوضاع الاجتماعية، غير آبه بمساوئ هذا الحراك، الذي يترافق مع تهديدات أمنية، تحاصرها أجهزة الأمن الوطني.
الاقتصاد التونسي، لم يعرف تراجعا كما التراجع الذي شهده بعد ما عُرف بـ”ثورة الياسمين” في غياب سياسة اقتصادية واضحة، كان من نتائجها انخفاض السقف المالي من العملات الصعبة، واللجوء للدين الخارجي، الذي مس بالقرارات السيادية، حيث فرض صندوق النقد الدولي شروطه، التي وضعت الحكومة في مواجهة شعب لا يكف عن المطالبة برفع قدرته الشرائية، وزيادة الأجور التي تدنَّت بشكل ملفت، في ظل تراجع العملة الوطنية.
يدرك الاتحادُ التونسي للشغل خطورة المشهد السياسي والاقتصادي والأمني في تونس، الذي يستدعي استقرارا اجتماعيا لمواجهته، وجهدا إنتاجيا مضافا، لتجاوز حالة النكوص الراهنة.
مدخرات تونس من العملة الصعبة لا تكفي لتغطية احتياجات لأكثر من شهرين، وهذه المدخرات متعرضة لتراجع أكبر، أمام التراجع القياسي لمنتجات الطاقة “الفوسفات والنفط” عقب سنوات “ثورة الياسمين” بسبب تصاعد الإضرابات التي تشل عملية الإنتاج.
إنتاج الفوسفات الذي بلغ ثمانية ملايين طن قبل “ثورة الياسمين” هبط إلى النصف، بسبب الإضرابات غير المنقطعة، ما أدى إلى خسارة الأسواق الخارجية، لانعدام قدرة الإيفاء بالتعهدات إزاء المستوردين.
لا شك أن خضوع الحكومة لضغوط صندوق النقد الدولي، أضعف قدراتها في إدارة عجلة النمو الاقتصادي، فإجراءاتها الخاصة بتعويم الدينار التونسي أدت إلى عجزها عن سداد الديون الخارجية، وتمويل الواردات الاستهلاكية الضرورية.
هذا الواقع الأصعب في الحياة التونسية الآن، لا يدعو تنظيما نقابيا متعقلا، إلى تكريس الأزمة وزيادة معاناة الشعب التونسي، بتعطيل قدراته، وإيقاف عجلة الإنتاج، وشل حركة الحياة بكل قطاعاتها، طالما كان الخروج الآمن من مساوئ الواقع الراهن مرهونا بتسريع الحركة التنموية، لتعزيز الموارد القومية، ببناء القاعدة الاقتصادية الأقوى في مجابهة الأزمات.
لكن ما يبدو واضحا أن الاتحاد العام التونسي للشغل، أراد الخوض في تنفيذ لعبة سياسية ستؤدي إلى إغراق تونس في فخاخ بأدوات نقابية، ستجني ثمارها قوى تريد التسلق على سلم الأزمات.
عن صحيفة الشروق الجزائرية