أثارت العودة المفاجئة لتنظيم الدولة من خلال تبنيه التفجير الانتحاري الأربعاء الماضي، الذي استهدف دورية للتحالف الدولي في مدينة منبج السورية، وسقوط قتلى وجرحى بينهم جنود أمريكيون؛ علامات استفهام جديدة حول توقيت العملية وأهدافها، وحقيقة عودة التنظيم في ظل الحديث عن انسحاب أمريكي مرتقب من الأراضي السورية.
وتُثار تساؤلات حول المستفيد الحقيقي
من عملية التفجير، ومدى تأثيرها على عملية الانسحاب الأمريكي، التي شدد نائب
الرئيس الأمريكي مايك بنس عقب العملية على أنها "ستستمر، وسنسحب جميع الجنود
الأمريكيين وعددهم 2000 جندي من سوريا"، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة ستبقى
في المنطقة، وستواصل القتال لضمان أن "لا يطل داعش برأسه البشع مرة
أخرى"، بحسب تعبيره.
وفي الإطار ذاته، استبعد الرئيس التركي
رجب طيب أردوغان أن يؤثر هجوم منبج على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب
قواته من سوريا، بعد مقتل عدد من الجنود الأمريكيين.
وحول توقيت العملية، أكد الباحث في مركز عمران للدراسات معن طلاع أن "له دلالات مهمة جدا"، موضحا أن "هناك من يريد أن يرسل رسالة إلى الولايات المتحدة بأن داعش لم ينتهِ، ويريد إجبار واشنطن على البقاء".
واستند طلاع في حديث خاص
لـ"عربي21" إلى ذلك "بنظرية الاستخدام الاستخباراتي التي تقوم بها
أطراف متعددة في سوريا"، مستدركا بقوله: "لكن أيضا قد يفهم أن هناك من
يريد أن يزعزع الترتيبات القائمة بين الولايات المتحدة وتركيا، والتي باتت قاب
قوسين أو أدنى في ما يتعلق بشرقي وغربي نهر الفرات".
اقرأ أيضا: أردوغان: هجوم منبج لن يمنع الانسحاب الأمريكي من سوريا
وحول الجهة المستفيدة من التفجير
الانتحاري بمنبج، قال طلاع: "هنا تكمن مصلحة مشتركة بين الروس والنظام وإيران"،
مبينا أن "النظرية الأمنية التي تتحكم في الموضوع، تدلل على أن هناك العديد
من المؤشرات التي تؤكد أن مجموعة من الداعمين لهم مصلحة مباشرة في افتعال تفجير
منبج"، وفق تقديره.
وتابع: "الترتيبات الأخيرة بين واشنطن
وأنقرة بعد إعلان قرار الانسحاب الأمريكي، ربما جعلت موسكو وطهران تخشيان على
حلفهما مع تركيا، لذلك جاءت العملية لضرب التنسيق الأمريكي التركي"، مؤكدا في
الوقت ذاته أن "عملية التفجير بمنبج لن تؤثر على قرار الانسحاب الأمريكي من
سوريا، لأنه قرار ممنهج من ترامب وليس استراتيجيا".
من جانبه، رأى الكاتب السوري المختص في
الشؤون العسكرية والأمنية خالد المطلق أنه "يجب تحديد المستفيد من تفجير منبج،
لمعرفة من وراء العملية الانتحارية"، معتقدا أن "عصابات الأسد
والمليشيات الإيرانية ليست بعيدة عن مثل هذه العمليات لأسباب كثيرة".
وأوضح المطلق في مقال اطلعت عليه
"عربي21" أن "السبب الرئيس أن هذه الجهات هي المتضرر الوحيد من
الاتفاق الأمريكي التركي الأخير، الذي سيتم بموجبه تنظيم عملية انسحاب القوات
الأمريكية من سوريا، وإيجاد منطقة آمنة تحت الحماية التركية"، معتبرا أن
"إيران تريد من خلال تنفيذ هذه العملية، إحداث إرباك في صفوف القوات
الأمريكية، لتسريع خروجها من سوريا".
وأردف المطلق قائلا: "من ثم تقوم
قوات الأسد والمتحالفون معها باجتياح هذه المناطق والسيطرة عليها، وبالتالي إعادة
بسط سيطرة الأسد على شرقي الفرات، ناهيك عن إبقاء الأحزاب الكردية الانفصالية على
الحدود الجنوبية لتركيا، وهذا سيستخدم في المستقبل كورقة للضغط على تركيا في
الكثير من القضايا".
اقرأ أيضا: بنس: بإمكاننا تسليم القتال ضد داعش بسوريا لشركائنا بالتحالف
وأكد المطلق أن تركيا تدرك هذا تماما،
ولهذا يصرح مسؤولوها بأنهم مصرون على القضاء على الأحزاب الكردية الانفصالية، وعلى
رأسها حزب العمال الكردستاني وجناحه العسكري لحماية أمنهم القومي، مشيرا إلى أن
"التعزيزات العسكرية الكبيرة التي تحشدها تركيا على طول حدودها مع سوريا، تدل
على جدية الأتراك في تطبيق ما يصرح به مسؤولوهم".
وختم قائلا: "يمكن أن نؤكد أن ضلوع
إيران في هذا التفجير، ومسارعة تنظيم داعش إلى تبني العملية، يثبت أنه أحد أذرع
إيران في المنطقة"، متوقعا في الوقت ذاته أن "عملية الانسحاب الأمريكي من
سوريا تجري وفق الخطة المرسومة، ولن يحقق من قام بهذا التفجير هدفه الأساس، وهو
تسريع عملية الانسحاب وخلق الفوضى في المنطقة".
في المقابل، قالت صحيفة "واشنطن
بوست" الأمريكية إن "الوجه الوحيد المفاجئ لهذا الحادث، يكمن في سرعة قرار
تنظيم الدولة بتوجيه ضربة، حيث أظهر بجرأة إمكانيات التنظيم في منطقة ستخلو قريبا
من القوات الأمريكية".
ورأت الصحيفة الأمريكية في مقال ترجمته
"عربي21" أن "إعلان تنظيم الدولة مسؤوليته عن العملية الانتحارية
سخر من ادعاء ترامب بأن التنظيم مات وجعله أضحوكة"، مضيفة أنه "سنكتشف
قريبا ما إذا كان انسحاب القوات الأمريكية أطلق العنان لقوات تنظيم الدولة، الذي
سيكسب أتباعا وثقة وشجاعة عندما تغادر أمريكا".
وتابعت: "نحن نعلم أن موسكو ودمشق
وطهران تحتفل، فكل ما قد تكون روسيا استثمرته في انتخاب ترامب، تم استرداده في
الشرق الأوسط"، على حد قول "واشنطن بوست".
تنسيق أمريكا مع تركيا بشأن سوريا.. توكيل مهمات أم عرقلة؟
هل تعوض أمريكا غيابها عن سوريا بقواعد عسكرية خارجية؟
صراع بمنبج بين المعارضة والأسد وحلفاؤهما.. لمن الأفضلية؟