يتابع الأتراك هذه الأيام
المظاهرات الاحتجاجية وأحداث الشغب التي تشهدها العاصمة الفرنسية باريس بمشاعر مختلطة؛ لأن معظمهم لا يؤيدون اللجوء إلى العنف في أي بلد ديمقراطي يمكن تغيير الحكومة عبر صناديق الاقتراع، ولكنهم في الوقت نفسه يتذكرون موقف الدول الأوروبية الداعم لأحداث "
غزي باركي" التي شهدتها إسطنبول في صيف 2013، ويرون الآن كيف تحترق المدن الأوروبية بذات النار.
يرى كثير من الأتراك أن الولايات المتحدة تقف بشكل أو آخر وراء
مظاهرات "
السترات الصفراء" التي بدأت في
فرنسا، ثم انتقلت إلى دول أوروبية أخرى. وتعزز هذا الاعتقاد السائد لدى الرأي العام التركي؛ بتغريدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول أحداث فرنسا. وكان ترامب سخر في تلك التغريدات من اتفاق باريس للمناخ، كما سخر من التنازلات التي قدمها الرئيس الفرنسي لــ"السترات الصفراء"، وقال: "الفرنسيون لا يرغبون في دفع مبالغ ضخمة من الأموال لدول العالم الثالث التي تسيرها أنظمة مشبوهة بهدف حماية البيئة على ما يبدو"، مضيفا أن الفرنسيين يهتفون في مظاهراتهم "نريد ترامب". وفي المقابل، يذهب بعض الكتاب الصحفيين والمحللين الأتراك إلى أن ما تشهده فرنسا أمر طبيعي لا علاقة له بالتدخل الخارجي، بل إن الظروف الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، بالإضافة إلى الضرائب المرتفعة، هي التي فجرت المظاهرات الاحتجاجية.
يرى كثير من الأتراك أن الولايات المتحدة تقف بشكل أو آخر وراء مظاهرات "السترات الصفراء" التي بدأت في فرنسا، ثم انتقلت إلى دول أوروبية أخرى
وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دوريان، رد على تغريدات ترامب، ودعا الرئيس الأمريكي إلى عدم التدخل في شؤون بلاده الداخلية، مشيرا إلى أن الصور التي نشرت في الولايات المتحدة لأشخاص يهتفون "نريد ترامب" جرى التقاطها ضمن زيارة لترامب إلى لندن قبل عدة شهور.
هذا التلاسن بين الرئيس الأمريكي والفرنسيين يتابعه الأتراك بكثير من مشاعر الشماتة والارتياح والرضى، ولسان حالهم يقول للفرنسيين: "ها أنتم تشتكون اليوم من التدخل الأمريكي في شؤونكم ولكنكم كنتم جميعا (كدول غربية) تتدخلون في شؤوننا أثناء أحداث غزي باركي". ولكن الأتراك، في ذات الوقت، يشككون في قدرة الرئيس الفرنسي على تحدي هذا التدخل، ويقولون إن رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان صمد أمام محاولات إسقاطه؛ لأنه يتمتع بشعبية واسعة، بخلاف الرئيس الفرنسي
إيمانويل ماكرون الذي تراجعت شعبيته إلى حوالي 21 في المئة.
هناك صحف وقنوات تركية تنقل المظاهرات وأعمال الشغب التي تعصف بالعاصمة الفرنسية إلى المشاهد التركي، بل أوفدت بعضها إلى باريس كتابا ومراسلين ومصورين لمتابعة كل ما يجري
معظم الأتراك، بغض النظر عن اختلاف آرائهم حول من يقف وراء أحداث فرنسا، يرون أن وسائل الإعلام الغربية التي كانت تبث أحداث غزي باركي على مدار الساعة بهدف تضخيمها؛ تتجاهل اليوم أحداث باريس، ويتذكرون العناوين المنشورة في الصحافة الفرنسية في صيف 2013 عن المظاهرات التي شهدتها مدينة إسطنبول. ولذلك، هناك صحف وقنوات تركية تنقل المظاهرات وأعمال الشغب التي تعصف بالعاصمة الفرنسية إلى المشاهد التركي، بل أوفدت بعضها إلى باريس كتابا ومراسلين ومصورين لمتابعة كل ما يجري هناك عن كثب.
المقارنة بين أحداث غزي باركي وأحداث باريس تسيطر على أحاديث الأتراك حول مظاهرات "السترات الصفراء". ومن الجوانب التي يقارنها الأتراك، الموقف الغربي من أعمال الشغب وتدخل قوات الأمن لفض المتظاهرين. ويذهبون إلى أن الدول الغربية تتجاهل انتهاكات الشرطة الفرنسية واستخدامها للقوة المفرطة ضد المحتجين وطلاب المدارس في باريس، بالإضافة إلى اعتقال المئات من المتظاهرين، فيما كانت تتجاهل ذات الدول في أحداث غزي باركي أعمال الشغب التي يقوم بها المتظاهرون، وتنتقد تدخل الشرطة التركية لإنهاء تلك الأعمال التخريبية.
سؤال يشغل بال الكثير من الأتراك وهم يشاهدون أحداث باريس، وهو: "هل تنتقل عدوى المظاهرات إلى تركيا كما انتقلت إلى بلجيكا وهولندا؟"، ويعبّرون عن قلقهم من تكرار أحداث التخريب التي شهدتها إسطنبول في صيف 2013
وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو، في تعليقه على أحداث باريس، لخص رأي الشارع التركي حول ما يجري في العاصمة الفرنسية، وقال: "لم نتعاطف أبدا مع أعمال التخريب، ولكن عندما حدث مثل هذا لدينا رأينا كيف دعمتها الدول الأوروبية بقوة عبر إعلامها ومنظماتها". كما انتقد رئيس الجمهورية التركي ازدواجية الغرب، لافتا إلى أن "من أقاموا الدنيا ولم يقعدوها خلال أحداث غزي باركي في إسطنبول، نجدهم اليوم صُما بُكما عميا تجاه ما يحدث في فرنسا".
هناك سؤال يشغل بال الكثير من الأتراك وهم يشاهدون أحداث باريس، وهو: "هل تنتقل عدوى المظاهرات إلى
تركيا كما انتقلت إلى بلجيكا وهولندا؟"، ويعبّرون عن قلقهم من تكرار أحداث التخريب التي شهدتها إسطنبول في صيف 2013، إلا أن تركيا اليوم ليست تركيا 2013 التي كانت فيها خلايا الكيان الموازي متغلغلة في أجهزة الدولة، ما يعني أن المجموعات اليسارية المتطرفة لن تجد هذه المرة من يساندها ويمهد لها أرضية التظاهر، إن أرادت أن تتحرك أو دفعتها قوى إقليمية ودولية للتحرك، بل ستواجه معارضة شعبية قوية ترفض أعمال التخريب والمس بأمن البلاد.