توفي بالأمس مبتكر شخصية "الرجل العنكبوت" ستان لي، الذي وصف بنابغة الكوميكس. ستان لي هو مؤلف شخصيتي "هالك" و"آيرون مان" أيضاً، والتي كبرت وتحوّلت من عالم الصور الساكن إلى عالم الحركة في السينما. الراحل أسس مع المؤلفين جاك كيربي وستيف تيتكو؛ شركة "مارفل" لكتب الكوميكس.
تحمل الشخصيات الخيالية المصوّرة أهم صفات صانعيها أو أحلامهم، ونجد سبب ولع هذا الأمريكي الصانع بشخصيات تشبهه وتعوض عجزه وقلة حيلته، فكلها تقريباً نشأت في عصر الكساد الكبير في أمريكا. وتكاد شخصيات الكوميكس المتخيلة أن تكون أطواراً لشخصية واحدة، كأنها طيور وعلى أشكالها وقعت.
سنحاول استذكار أهم الشخصيات الخارقة المصورة في مجلات الكوميكس، وأبرزها على الإطلاق سوبرمان، وهو أسبقها، وولد معظمها في عصر الركود الاقتصادي الأمريكي بعد الحرب العالمية الأولى.
ابتكر هذه الشخصية مؤلفان، هما جيري سيغل وجو شاستر. سوبرمان كائن يشبه البشر، ولد في كوكب كريبتون، وضعه والده في صاروخ وأرسله إلى الأرض قبل انفجار كوكب كريبتون، وهو مثل أخيل، بطل الملحمة الطراودية، يحمل خصائص الآلهة وصفاتها، ولديه نقطة ضعف وحيدة هي حجر الكريبتون، وهو صورة من صور السيد المسيح الذي ولد ولادة عجيبة، ولديه صفات خارقة مثل معجزة إحياء الموتى وشفاء العميان وإكثار الطعام والمشي على الماء. الخارقون الجدد مختصون بمكافحة الجريمة، وهو إنقاذ للبشرية أيضاً.
وكان نيتشه قد أعلن موت الإله في العقائد الغربية، ومن الجدير بالذكر أن السيد المسيح لم يتزوج، إلا في روايات متخيلة، مثل شيفرة دافنشي. سوبرمان يحمل بعض صفات الأسوياء، فهو يحب ويتزوج في مراحل لاحقة من تطوره على يد صنّاعه وخالقيه، وليس مثل الرجل العنكبوت، الذي هو شاب مراهق لا ينجح في إقامة علاقات ناجحة مع الجنس الرقيق.. النساء لا تحب الحشرات عموماً، وتخاف الصراصير والعناكب: "وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُون".
ويمكن أن يكون هذا العنكب هو الصورة المتخيلة المشرقة من الإنسان الحشرة لدى كافكا اليائس. خلصت دراسات إلى أن تان تان، وهو صحفي باحث ذكي غير خارق من شخصيات الكوميكس وولد في تلك المرحلة الاقتصادية العسيرة، مثليٌ، فلا تظهر في مغامراته أي علاقة عاطفية مع بنات حواء، وتربطه صداقة وطيدة مصيرية مع الكابتن هادوك. تان تان وسوبرمان كلاهما كان صحفياً.. لنعترف أنّ السلطة الرابعة فعالة في الغرب، لكنها أقل فعلاً من الجريمة.
ذكرنا صفتين من صفات الأبطال الخارقين الذين تحوّلوا إلىأيقونات شبه حية، يؤمن بها كثيرون مثل إيمان الهنود بالآلهة. هناك صفة ثالثة في شخصيات الكوميكس الخارقة هي السرعة: وكان سوبرمان سريعاً، وكذلك كويك سيلفر،والرجل البرق فلاش، والطائر رود رونر، والقنفذ السريع سونيك الذي جاء إلى الأرض من كوكب بعيد، مثل سوبرمان، وفتيات القوة، وداش، والحلزون تربو فاست، والفأر المكسيكي غونزاليس سبيدي غونزاليس.. فقد أضحى عالمنا سريعاً على أيدي عشاق السرعة، وعابراً مثل حلم في سينما أو كابوس في فلم رعب أيضاً.
يقول العلماء: إنّ عمر الإنسان طال بعد اكتشافات الطب، وبالتأويل صار قصيراً، بسبب سرعة الإنسان في الطعام والجنس أو خالياً من البركة والذاكرة؛ "إنه عمر دايت"، فالراكض المطارد من شبح الجوع أو الثروة لا يتذكر، والحياة جوهرها الذكرى. استريكس في مغامرة "كليوباترا" يبني مع أصدقائه الغاليين قصراً للمصريين بناة الأهرامات العظيمة في ثلاثة أشهر! لا يمر أسبوع إلا وأجد دراسة أو خبراً عن سرِّ بناء الأهرام، وأفضل الطرق وأقربها للعقل هي التي قالها القرآن الكريم، وهي شيُّ الطين.
وجد الباحثون أنّ باتمان هو عرّة الخارقين وأسفههم، فهو يقع في أسفل طبقات شخصيات الخارقين الكوميكس، ولا يتمتع بخصائص خارقة سوى ذكائه وليونته وماله، إنه "خروق". صنع المؤلفون فلماً غلب فيه باتمان سوبرمان، ولم يقنع ذلك أحداً.. ولا علاقة لباتمان بصورة محمد بن سلمان في طريقه إلى زيارة رئيسة وزراء بريطانيا ماي في بريطانيا، مع أنه يشترك معهم بصفة السرعة، ويريد أن يصل إلى 2030 في سنة واحدة. وهو يخضع لعملية تحوّل.
إن الرجل الخفاش برهان على ولع الغربيين بارتكاس الإنسان إلى حشرة، ومسخ الإنسان حيواناً. وكان الوثني القديم يعبد الطوطم، وكانت أغلب الطواطم كائنات حيوانية فاتنة مثل النمر والثعبان، فكانوا يصطادونها أو يقدسونها ويلبسون أقنعتها، كما يفعل الإنسان الغربي المعاصر المطوطم - والمصريون يقولون المنيّل، والكويتيون يقولون مدوحل - بالتناسخ التصويري.
مقارنة مع الخيال العربي، نجد أن العربي الفارس في السير الشعبية، مثل سيف بن ذي يزن، وعنترة بن شداد، وألف ليلة وليلة، إنسان يحافظ على كينونته الإنسانية، فلا يتحول إلى حيوان أو جان، اعتقاداً من اليقين المؤمن بتكريم الله للإنسان الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم. يحكم الفارس العربي سيف بن ذي يزن الإنس والجن - وهي شخصية متأثرة بالنبي سليمان عليه السلام - بالذخائر والكلمات المباركة والتعاويذ، ولم أجد سوى صورة واحدة مشوّهة في الخيال العربي في سيرة الملك العربي بن ذي يزن الذي وصفته دراسات عربية بالملك العربي السوبرمان، وذلك في شخصية عفاشة ابن عيروض وعاقصة، وكان ولد بيد ثالثة في صدره، ولها قدرات خارقة يقسم عليها بأسماء الله فتقوم بالمعجزات. عفاشة من الجان، وليس من الإنس يا عالم.
تختلف الشخصيات العربية المتخيلة عن الغربية، في أمور كثيرة، فعنترة وسيف بن ذي وحمزة البهلوان وذات الهمة ودليلة والزيبق؛ شخصيات حقيقية طوّرها الخيال الشعبي في عصور سمّيت بالانحطاط، وهي ليست كذلك، فهي أزهى عصر التأليف العربي، وإن شابتها شوائب، هذا أولاً.. الثاني أن العربي يرسم بالكلام لا بالرسم والتصوير؛ لأن الإسلام كره التصوير منذ عصر آدم. ومؤخراً دعا أحد الشيوخ في فتوى طريفة إلى هدر دم ميكي ماوس، وسبب ميل العقل الغربي إلى الرسم والتجسيم هو في رغبته في الاحتلال والغزو والاستعباد والسيطرة على الإله نفسه بتصويره.
يتصف الغربي بأنه كائن الحواس الخمس. يقول المسيري: إن إنسان الحواس الخمس - ليطغى أن رآه استغنى - تعكس جوهر العلمانية المادية. الخارق الغربي يتحول من إنسان ضعيف إلى خارق، إما بكسوة وزيّكما عند الرجل الوطواط، وإما بطعام مثل السبانخ في باباي، أو الفستق لدى بندق في مجلات الأطفال المعربة، أو القناع أو الشراب السحري كما في مغامرات استريكس اللص، الذي زعم مؤلفه أن شخصيات فرنسية غاليّة هي التي بنت القصور المصرية العملاقة، الرجل الأخضر غضبا، وهو جمرة من الشيطان، بينما خوارق أبطال العرب تجري باسم الله الأعظم، أو بالتقوى والكرامة كما أسلفنا، وفي البدء كانت الكلمة في الكتاب المقدس. هناك شخصيات غير خارقة مثل طرزان؛ يظنُّ كاتب السطور إنها مقتبسة من شخصية حي بن يقظان، وشخصية الفانوس الأخضر الذي يحوز قدرات خارقة بخاتم، وهي مقتبسة من النبي سليمان والمصباح السحري. رأى علماء وباحثون أنّ العقل وقوانين الفيزياء تعطل الخيال في بعض الشخصيات، فباتمان سرعته عند الهبوط قاتلة، وخيوط سبايدرمان الكثيرة تجاوز قدرة العنكبوت، فهي لا تتمدد أكثر من 40 في المئة، بدلة الرجل الحديدي غير منطقية. وقالوا: إنّ طاقة سوبرمان البصرية تحتاج إلى سبع دقائق للشحن، وإن فائق التوهج من عينيه يعادل قنبلة ذرية، لكن المشاهد يحلم والسينما تبلغه بعض الأحلام.
ارتد باتمان في الدراسات إلى الطبقة الأخيرة بين الخارقين الفحول؛ لأنه لا يستخدم سوى عقله، وهو بطيء مقارنة مع غيره. والعقل يرتد أمام الذكاء الصناعي، وفي النهاية كلهم هؤلاء يسعون وراء محاربة الجريمة، بينما سعى أبطال العرب إلى فتح البلدان، ونشر كلمة التوحيد كما فعل سيف بن ذي يزن، وبلوغ الحرية كما فعل عنترة، والثأر لقتيل مظلوم كما فعل الزير سالم.. في النهاية أبطال الكوميكس الغربي كرتون.
أبطال العرب حقيقيون جميعاً، يستشهدون في سبيل الكلمة منذ قابيل وحمزة بن عبد المطلب ويوسف العظمة وحمزة الخطيب.. والآلاف الذين استشهدوا في السجون سلقاً أو شياً أو حرقاً؛ من غير أن يدري بهم أحد على يد المجرمين الحكام الخارقين الكرتون الذين ملكهم الغرب شعوباً وبلاداً، وقدرات سوبرمانية.. الرؤساء الكوميكس، عرّة الرجال، وهم غير قادرين على قضاء حاجاتهم الأساسية أو تفريق الجملة الاسمية عن الفعلية.. الرؤساء الخروق الكرتون.