يثير أبناء التيار السلفي "المدخلي"
في
ليبيا في كل عام، جدلا واسعا بخصوص الاحتفال بذكرى
المولد النبوي الشريف،
معتبرين ذلك أمرا محرما ويجب إيقافه ولو بالقوة، خاصة أنهم متواجدون بصفوف القوات
الأمنية في الشرق الليبي وفي قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
وأصدرت أوقاف الحكومة الموازية في الشرق الليبي
بيانا حرمت فيه الاحتفال بالمولد النبوي، معتبرة إياه من "البدع والمحرمات
التي يجب مواجهتها ومنعها وعدم المشاركة فيها"، وسخرت المؤسسة التي يسيطر
عليها التيار منابر المساجد في الشرق للهجوم على الاحتفالات.
مواجهة بالرصاص
ولم يكتف "السلفيون" بإطلاق الأحكام
والخطب للتحريم، بل استخدموا قوة السلاح لمواجهة بعض المسيرات التي انطلقت في
مدينة "البيضاء" (شرق ليبيا) للاحتفال بمناسبة المولد النبوي، نظمتها
فتيات ومرشدات كشافة "البيضاء"، ما أدى إلى تفريق المسيرة وإلغاء
الاحتفال.
ورغم هذه الأحكام وإطلاق الرصاص، إلا أن عدة
مدن ليبية "غربا وشرقا" نظمت احتفالات واسعة لإحياء ذكرى المولد النبوي
والذي يشكل مناسبة اجتماعية ودينية لدى عامة الشعب الليبي، وسط تساؤلات عن أهداف
التيار السلفي من هذا الجدل كل عام؟ وسر صمت السلطات في الشرق الليبي عن فرض
تحريمه بالقوة؟
نهج "داعشي"
وقال الإعلامي من الشرق الليبي، عاطف الأطرش إن
"هذا الجدل ليس له تأثير ملموس كون الشارع الليبي لازال متمسكا بعاداته
وتقاليده رغم "تبديع" تلك الجماعة لها بخلطها بين العادات والعبادات،
والمواطن في الشرق الليبي لم يعد يعبأ بمثل هذه القرارات بل ويعاندها كما رأينا في
الاحتفالات".
وأوضح في تصريح لـ"
عربي21" أن
"إطلاق النار على مسيرة للاحتفال هو مظهر طبيعي في ظل غياب مؤسسات الدولة
وتمترس تلك الجماعات خلف القيادة العامة (حفتر) بحكم أنها داعمة له، فترى أنه من
حقها الأمر والنهي ولو بالقوة والعنف منتهجة نهج "داعش" وباقي الشراذم
المتطرفة"، حسب وصفه.
"السلف بريئون من العنف"
لكن الكاتب والأكاديمي من بنغازي، جبريل
العبيدي أشار إلى أن "الجدل موجود بين أغلب الفرق والمدارس الفقهية وليس حكرا
على الجماعة "السلفية" التي لم تجبر أحدا على عدم الاحتفال ولم تستخدم
العنف لفرض أفكارها كما تفعل باقي الجماعات، ويبقى الأمر في إطار مواجهة الفكر
بالفكر ولا يمكن تهويل الأمر".
وأضاف لـ"
عربي21": "مدينة
بنغازي ومعها أغلب مناطق الشرق الليبي احتفلت بالمولد النبوي دون أي مشكلات تذكر،
ولا يمكن تفسير وتوصيف إطلاق عيار ناري في مدينة البيضاء على أنه حادث
"عنف"، حسب كلامه.
"حفتر" وراء الأمر
وأكد الباحث الليبي في الجماعات الإسلامية، علي
أبو زيد أن "حفتر وطيف واسع من مجلس النواب وعلى رأسهم رئيسه عقيلة صالح
يدركون أهمية بقاء التيار المدخلي على رأس المؤسسة الدينية في الشرق لولائه الشديد
لهم وعدائه الكبير للإسلام السياسي، لذلك نجد هذا السكوت عن ممارسات هؤلاء المداخلة".
وتابع: "هذا التيار أصبح مسيطرا على
مؤسستي الأوقاف والفتوى في الشرق الليبي، لكن الرفض الشعبي لهذا التيار أصبح
واسعا، خاصة بعد حالة الاضطراب والتخبط لخطابه في "السعودية" وهي الدولة
الراعية والمصدرة له"، كما صرح لـ"
عربي21".
فتاوي "مسيسة"
وقال المحلل السياسي الليبي، خالد الغول إن
"منع الاحتفال من قبل الحكومة الموازية في الشرق الليبي وتيارها الديني، هو
أمر "مسيس" بالدرجة الأولى، وعلى مجلس النواب أن يبدي رأيه في ذلك كون
الأمر يؤكد أن هناك تيارا دينيا سيطر على الأرض هناك وقاتل وحرض مع
"الجيش" (قوات حفتر).
واعتبر الغول في تصريح لـ"
عربي21" أن
"صمت الجيش ومجلس النواب دليل على أن التعامل مع هذا التيار المخالف للفهم
الصحيح للدين أصبح مسألة حسابات سياسية وهذا أمر خطير على مسيرة الديمقراطية، خاصة
أنهم يقولون بأنهم يحاربون "التطرف"، فمن يحارب التطرف لا يستبدله بتطرف
آخر مثله"، كما قال.