في فتوى أثارت الكثير من الجدل، بين الانتقاد و"التفهم"، أفتى المجلس الإسلامي السوري، الذي تأسس في تركيا، بـ"منع" زواج الشبان من "المرأة الكتابية" في "بلاد غير المسلمين".
ولاقت الفتوى صدى واسعا؛ نظرا لتوجه ملايين اللاجئين السوريين إلى أوروبا خلال السنوات الماضية، غالبيتهم من الشبان.
وردا على سؤال ورده، قال المجلس في
فتوى نشرها على موقعه الإلكتروني: "أما
الزواج مِن المرأة الكتابية في بلاد غير المسلمين، فقد منعه كثير من أهل العلم؛ لما يترتب عليه من أضرار بالغة على الأسرة المسلمة"، بحسب نص الفتوى.
ولخص المجلس الأسباب التي دفعته لهذه الفتوى؛ بـ"فقدان الولاية على الزوجة والعائلة، وعدم تمكن الزوج من القيام عليهم بسبب الخضوع لقوانين تلك البلاد التي تفرض عليه قوانين وأحكامًا تخالف الشرع (..)، لا سيما في أحكام الأسرة والطلاق والحضانة، ونحوها"، و"الخشية على ذرية المسلم أن ينشأوا على غير دين الإسلام، أو يترَبَّوا على غير الأخلاق الإسلامية"، إلى جانب "ما يعود به هذا الزواج من أضرار على المسلمين، ومن أشد الضرر انتشار الزواج من غير المسلمات، والعزوف عن الزواج منهن"، بحسب نص الفتوى التي خلصت إلى أن "شروط إباحة الزواج مِن الكتابيات في ديار الكفر غير متوفرة غالبا، مع غلبة المفاسد والأخطار، وبناء عليه فحكمه المنع ما لم تتوفر هذه الشروط وتنتفي تلك الموانع".
وفي المقابل، فإن المجلس الإسلامي السوري شدد على "المرأة المسلمة؛ فلا يجوز لها أن تتزوج بغير المسلم إطلاقا، وإن كان من أهل الكتاب، ومهما كان محترما لشعائر دينها"، بحسب الفتوى.
من جهته، علق رئيس المجلس الأوروبي للإفتاء، الشيخ حسين حلاوة، بأن جزءا من الفتوى "شرعي مئة في المئة، ولا غبار عليه، وأجمع عليه الفقهاء"، لكنه أضاف: "الزواج من الكتابية لا يستطيع أحد أن يمنعه؛ لأنه نص قرآني صريح".
وقال لـ"عربي21": "بعد ذلك اجتهد العلماء بعض الاجتهادات خشية أن -كما يحدث في الغرب- يكتفي الشباب بغير المسلمات، والعنوسة تأخذ الفتيات المسلمات"، مضيفا: "لذلك جزء منها أعتبره إلماحة اجتماعية.. إلماحة فيها خوف على الجيل، سواء كان البنين أو البنات، خاصة أنا أقابل يوميا الكثير من مشاكل الزواج المختلط. ولا ينكر أحد أن هناك مشاكل، وأن الزواج المختلط بنسبة كبيرة غير ناجح"، وفق الشيخ حلاوة.
وتحدث حلاوة بشكل خاص عن أنه "عندما تكون هناك مشاكل، الأولاد يضيعون، فالأم هي صاحبة الحق الأول والأخير (في حضانة الأولاد) حتى لو كانت غير صالحة لحضانة الأولاد من الناحية الدينية أو غيرها"، مشيرا إلى أن القوانين الغربية تمنح الأم حق الحضانة في حالة انفصال الزوجين.
وعاد الشيخ حلاوة للقول: "لا أستطيع أن أقول إنه (هذا الزواج) لا يجوز، إنما أستطيع أن أفصل كل حالة بحالتها. وأستطيع أن أوعي الشباب، فهذه وظيفتي ورسالتي"، مشيرا إلى النواحي الاجتماعية المترتبة على مثل هذه الزيجات.
وذهب إلى القول: "حتى بابا الفاتيكان السابق كان قد تكلم في هذا، ودعا الشباب الكاثوليك إلى ألّا يتزوجوا إلا من الكاثوليكيات.. الكنيسة القبطية تمنع (الزواج) حتى من أبناء الفرق المسيحية الأخرى"، كما قال.
لكن رئيس المجلس الأوروبي للإفتاء أبدى اعتراضه على بعض المصطلحات المستخدمة في الفتوى، مثل "ديار الكفر"، وقال: "هذه المصطلحات لا أحب استعمالها هنا.. دار الكفر ودار الإسلام.. هذه المصطلحات كانت مصطلحات سياسة لها عهدها ولها زمانها، وليس بالضرورة أنها تنطبق على الزمان الذي نعيش فيه". وأوضح أن "الفقهاء عندما تكلموا في هذا الأمر، كان في ذلك الوقت إما تكون البلاد دار إسلام فعلا، والناس فيها يشعرون بالأمن والأمان في ظل الدولة الإسلامية، حتى من غير المسلمين، وإما دار الحرب والقتال واحتقار النفس الإنسانية واستعباد الخلق".
ونبه إلى أنه "عندما استعمل هذه الألفاظ التي وُضعت لزمن معين في سياسة معينة وفي سياق معين؛ فلا أكون بصيرا بزماني، ولا بصيرا بالواقع الذي أعيش فيه"، وفق تعبيره.