نشرت صحيفة "جورنال دي ديمونش" الفرنسية تقريرا بينت فيه أن أوروبا أضحت مسرحا للتيارات الشعبوية، على غرار التحالف الجديد الذي يسير دواليب السلطة في إيطاليا، والحكومتين المتطرفتين البولندية والمجرية، إلى جانب اليسار المتطرف في اليونان، والتجمع الوطني وحزب فرنسا الأبية، التي تشترك جميعها في الخطاب "الشعبوي".
وقالت الصحيفة، في تقرير ترجمته
"عربي21"، إن أغلبية الملاحظين متفقون على أن الشعبوية اليوم هي موقف
سياسي يقسم المجتمع إلى شقين، وذلك وفق ما ذكره مدير مرصد الراديكاليين السياسيين
بمؤسسة جان جوريس، جان إيف كامو.
وأضاف جان إيف كامو أنه بناء على ذلك "يوجد
طرفان؛ طرف تقف فيه النخبة التي عادة ما توصف بالمضللة أو الفاسدة، التي تكون
معارضة للطرف الآخر وهو الشعب، الذي يُنظر إليه كوحدة واحدة تعرف مسبقا ما هو
الأنسب لها".
ومن هذا المنطلق، يزعم السياسيون الذين يتبنون هذه
الرؤية أنهم متحدثون باسم الشعب، ما يجعلهم ضد كل شيء بما في ذلك الهيئات الوسيطة
والخبراء والنخب الشهيرة، سواء كانت سياسية أم اقتصادية أم تابعة لوسائل الإعلام.
ونقلت الصحيفة عن المؤرخ والمتخصص في العلوم
السياسية ستيفان فرانسوا قوله إن "مصطلح الشعبوية يرتبط ارتباطا وثيقا ببلد
المنشأ، الذي ظهر فيه ونما"، وهذا يعني أنه يستحيل ربط الشعبوية بمعتقد واضح. وأوضح ستيفان فرانسوا أن استخدام الشعبوية يختلف من بلد لآخر؛ ففي هولندا مثلا
تنسب الشعبوية إلى الحزب اليميني المتطرف، الذي أصبح معاديا للإسلام.
اقرأ أيضا: 3 أسئلة هامة حول عودة الشعبويين بقوة إلى السياسة الأوروبية
وفي فرنسا يستخدم هذا المصطلح لوصف الحزب اليميني
المتطرف، أي حزب التجمع الوطني، وينطبق مصطلح الشعبوية على حزب "ديمقراطيو
السويد"، الذي حقق هذا الشهر نصرا انتخابيا، وقد تحولت هذه الحركة، التي كانت
تنتمي في الأصل للنازية الجديدة، إلى حزب يميني وطني شعبوي يستعد اليوم للحكم إلى
جانب المحافظين.
وأوردت الصحيفة أنه غالبا ما يقع الخلط بين
الشعبوية واليمين المتطرف، وهو ما يجب تجنبه، وحيال هذه النقطة، قال جان إيف كامو
إنه "لئن كان هذا التداخل موجودا، إلا أن اليمين المتطرف ليس دائما شعبويا،
وخير مثال على ذلك التيار الملكي، الذي لا يمكن أن يكون شعبويا".
وأضافت الصحيفة أنه لا يمكن تصنيف الشعبوية ضمن
اليمين، بل هي أقرب لليسار، ولعل أبرز مثال على ذلك هو جان لوك ميلونشون، المنتمي
للحزب الاشتراكي الفرنسي، الذي قال بنفسه: "اعتبروني شعبويا"، كما أن حزب
"فرنسا الأبية" يستوحي أفكاره من كتابات الزوجي، إرنستو لاكلو وشانتال
موفي، اللذين يُعدان من أبرز المنظرين للشعبوية اليسارية.
وترتبط الشعبوية اليمينية ارتباطا وثيقا بالهوية، خاصة أنها ترفض كل ما يتعارض مع مصلحة الشعب الذي تدافع عنه، من حيث انتقادها
للعولمة وفقدان السيادة وقدوم المهاجرين، الذين تعتبرهم عنصرا ضارا للمجتمع، أما
بالنسبة للشعبوية اليسارية، فهي تظهر نفسها من خلال رؤية ماركسية للمجتمع ونخبه
وخاصة الطبقة الرأسمالية.
ونقلت الصحيفة عن كامو أنه "من الخطأ الربط بين
الحركات الأكثر راديكالية في اليمين المتطرف على غرار حركة يوبيك المجرية أو الفجر
الذهبي اليونانية، بكل بساطة بفئة الشعبويين؛ لأن مشروعهم الموروث عن النازية
يتجاوز ذلك بكثير"، ومع ذلك، فقد قال ستيفان فرانسوا إن "الشعبوية يمكن أن
تمثل خطابا متطرفا عندما يتعلق الأمر بالدفع نحو تغيير وقلب موازين كل شيء، لاسيما
أن الشعبوية تحمل في ذاتها بذور التطرف".
وأشارت الصحيفة إلى أنه لا يمكن حسم الجدال السياسي
بمجرد التنصيص على وجود شقين. فعلى سبيل المثال، لن ينتخب المواطن حزب فرنسا
الأبية بقيادة جان لوك ميلونشون فقط لرؤيته المجتمعية، وينطبق هذا الأمر على
العديد من الأحزاب التقليدية التي لا تخضع للإغراء الشعبوي.
وأفادت الصحيفة بأن من في السلطة اليوم يلجأون إلى
توظيف الشعبوية، على غرار جزء من المخيم المحافظ بالمملكة المتحدة والحكومة
الاجتماعية الديمقراطية في رومانيا. في المقابل، أظهرت بعض الحركات، مثل الائتلاف
اليساري الراديكالي في اليونان، أنها أكثر واقعية في ممارسة السلطة.
كيف تلاحق السعودية معارضيها في الداخل والخارج؟
3 أسئلة هامة حول عودة الشعبويين بقوة إلى السياسة الأوروبية
صحيفة: تركيا تبحث عن تعاون أوروبي في ظل صراعها مع أمريكا