دونالد ترامب هذا الآتي، من بيت المال الأمريكي، المؤتمن الآن على خزائنه، تجرد بلا حياء من قيم ديمقراطية تتغنى بها الولايات المتحدة الأمريكية، وأسقط المفهوم الليبرالي أرضا، وجعل النظام السياسي مجرد شكل لنظام مدني، يختفي وراءه نظام ديني أصولي طائفي متطرف، يتلاعب بدواليب السياسة، ويتحكم بمفاصلها وتوجهاتها، المأخوذة من أساطير غيبية تنسب إلى كتب سماوية، يرون فيها حقا إلهيا واجب التطبيق، تمهيدا للملحمة الكبرى في الأرض المقدسة.
لقد ارتمى دونالد ترامب في حضن تنظيم “الإنجيلية” الأصولية المتطرفة، وألقت به حاكما أوحد في البيت الأبيض، بهدي تعاليمها ومعتقداتها، المسطرة في تعاليم توراتية، ترى أن “الكتاب المقدس يعد بالقدس للشعب اليهودي في كل العصور”، مستشهدة بآية من سفر التكوين جاء فيها: “اخترت أورشليم ليكون اسمي فيها، واخترت داود ليكون على شعب إسرائيل”.
أضحى الإنجيليون الذين يجمعون بين المناصب الدينية والسياسية، سادة البيت الأبيض، ولم يكن دونالد ترامب فيه سوى تلميذ، يواظب على حضور دروس أسبوعية لدراسة الإنجيل برفقة نائبه الإنجيلي بنس.
بدأت “الإنجيلية” مصطلحا يصف حركة طائفية انشقت عن المذهب البروتستانتي، تمجد العلاقة الفردية مع “الرب يسوع المسيح، هذه العلاقة التي تبدأ عندما يقبل الإنسان غفران المسيح الذي سوف يولد ثانية ولادة روحية”.
يرى الإنجيليون وفق معتقداتهم التي تلتقي مع مبادئ الفكر الصهيوني الأصولي، أن “إنشاء إسرائيل والحفاظ عليها كدولة يهودية، سوف يعجل بالمجيء الثاني للمسيح المسيحي يسوع المسيح”.
ويبدو الرئيس دونالد ترامب مثل تلميذ مريد، يتلقى الوعظ الإنجيلي، على يد الواعظ الإنجيلي روبرت جيفريس مستشاره المقيم في البيت الأبيض، ويلقنه درسا مفاده:
“لقد كانت القدس هدفا لمحبة كل من اليهود والمسيحيين خلال التاريخ ومحك النبوءة، ولكن الأهم من ذلك، أعطى الله القدس– وبقية الأرض المقدسة– للشعب اليهودي”، الذي سيعتنق المسيحية عند ظهور السيد المسيح.
مجموعة الرئيس دونالد ترامب غير الرسمية من المستشارين الإنجيليين، أكدت بلسان المتحدث باسمها جوني مور، “أن وضع القدس جزء أساسي من وصول الرئيس إلى الناخبين الإنجيليين، فإن هذه المسألة كانت بالغة الأهمية للإنجيليين الداعمين للرئيس في معركته الانتخابية”.
ورأى المستشارون الإنجيليون أن دونالد ترامب “أظهر لأنصاره الإنجيليين، مرة أخرى، تمسكه بقراراته. وتنفيذه وعوده الانتخابية”.
بينما أكدت المجموعة السياسية الإنجيلية المعروفة باسم “أصوات الإيمان”، أنها “ليس لديها أي شك في أن الإنجيليين أدوا دورا مهما في قرار اعتبار القدس عاصمة أبدية لـ “إسرائيل”.
أما العنصرية التي تضمنها قرار اعتبار القدس عاصمة “إسرائيل”، هي منطلق لعنصرية الإنجيليين أنفسهم، حيث يبدو أنهم من صاغ ديباجة ذاك القرار السياسي شكلا، والأصولي المتطرف ضمنا.
فالإنجيليون يتمادون في إطلاق عنصريتهم، حين يجردون العرب المسيحيين من دينهم المسيحي، ويسقطون عنهم آدميتهم، ولا يعطونهم حتى الحق في تملك ديارهم في الأرض المقدسة، وحين انتزاعها منهم، يعتبرونها قربانا للرب المسيح.
ويعتقدون أن تعاليمهم مستقاة من “الكتاب المقدس” في حماية “دولة إسرائيل” والإيمان بـ “حقها في الأرض المقدسة”.
لقد تشبع دونالد ترامب بهذه التعاليم، رغم عدم إيمانه بالقيم الروحية، وهو المحاط بالمجلس الاستشاري الإنجيلي، وما يمليه عليه العضو الاستشاري راعي الكنيسة المعمدانية الأولى في ولاية دالاس القس روبرت جيفريس بقوله، “إن القدس كانت موضوعا وجدانيا لكل من اليهود والمسيحيين من خلال التاريخ ومحك النبوة، ولكن الأهم من ذلك أن الله أعطى الأرض المقدسة للشعب اليهودي”.
لا يخشى المتطرفون الإنجيليون من الاستهزاء بما يعتقدونه، وينسبونه للكتاب المقدس، فيتمادون، وهم يعلنون في موقعهم الرسمي أن “ترامب هو أداة الله لتقريبهم إلى النشوة والحكم وإلى النهاية– آخر الزمان-، وبداية مكافأتهم بالنعيم السماوي، حيث رفع الصالحين إلى السماء”.
هكذا أضحى الشرق في مرمى مدافع “الإنجيليين”؛ استعدادا لخوض الملحمة الكبرى في الأرض المقدسة، بقيادة رئيس آخر الزمان دونالد ترامب!!
عن صحيفة الشروق الجزائرية