قضايا وآراء

السعودية بين شرور إيران والنيران الصديقة

1300x600

لا شك أن منطقتنا تعيش صخبا وضوضائية وتصعيدا وصراعات تملأ جنباتها وتهددها في مقدراتها وربما في وجودها.

الأزمة "الأمريكية – الإيرانية".. ربما تمثل الوتيرة الأعلى والأخطر حاليا، بعدما أصبحت الصراعات داخل دول المنطقة صداعا قدريا أُجبرنا على التعايش معه، وبعدما تحولت الأزمة الخليجية إلى حالة مستقرة قد تطول.


(1)
إيران تملك قيادة تعرف ما تريد وتبحث عن مصالحها وتدركها أينما كانت، واستطاعت خلال السنوات الخمس الأخيرة أن تتمدد في المنطقة وتصنع لها أوراق ضغط وأظافر في عمق وأطراف منطقة الخليج العربي.

هذه القيادة الواعية الخبيثة عرفت كيف تستثمر في الوقت وتستفيد من خطايا جيرانها "المغفلين"، كما أنها تدرك أنه ليس من مصلحتها الدخول في صراع عسكري لا مع أمريكا ولا إسرائيل.

إيران التهمت العراق الحزين وجبة مجانية من أبناء العم سام، واستطاعت تحت سمع وبصر الأمريكان أن تسيطر على سوريا وجاري التهام اليمن، أما الوجود الإيراني في لبنان من خلال حزب الله وبوقها الأكبر حسن نصر الله فقديم ومتجذر.


(2)
بالنظر إلى أمريكا التي تقف على الجانب الآخر من الأزمة، فإننا لو سلمنا بجدية العداء الأمريكي لإيران فإن الحقيقة تؤكد أن المخاوف الأمريكية من طهران يمكن أن تنحصر في ملفين اثنين:

الملف الأول هو امتلاك إيران للسلاح النووي، وهذا الأمر يمكن وقفه أو الحد من خطورته كما يمكن التعايش معه إن حدث في أسوأ الأحوال.

الملف الثاني وهو إسرائيل التي تمثل دول الخوف في المنطقة والعالم؛ كيان الخُشُب المُّسَنَّدَة الذين يحسبون كل صيحة عليهم. 

إسرائيل تعد أي تقدم عسكري أو حتى تقني بالمنطقة موجها لها بالأساس، وبالتالي تعتبر أن أي نشاط لإيران ينبغي أن يتوقف وأن صواريخها بعيدة المدى يجب أن تزول، ذلك على الرغم من أن إسرائيل تعلم يقينا أن ما بينها وبين إيران "الفارسية أو الشيعية" من المصالح والتوافقات أكثير بكثير من أي تخوفات متوهمة.

ثمة حقيقة يجدر ذكرها في هذا السياق أن إسرائيل استفادت من الصرعة الإيرانية في المنطقة واستثمرتها في تبريد صراعها مع جيرانها "الطيبين"، لتتفرغ هي لالتهام المزيد من الأراضي الفلسطينية وفرض خريطة الأمر الواقع على العرب وإهانة كرامتهم.

أما الحديث عن رغبة أمريكية أو إسرائيلية لتغيير نظام الملالي في طهران إنما هو حديث إفك لا يمثل إلا ضحك على الذقون. 


 (3) 
السعودية ممثلة الخليج الكبرى لم ترق أن تكون طرفاً في هذه الأزمة الملتهبة، إذ أنها اختارت أن تكون تابعا للولايات المتحدة الأمريكية وليست طرفاً أصيلاً يدافع عن مصالحه أو أمنه القومي أو حتى حماية المُلْك والعائلة والثروة والنظام.

بنظرة عاجلة للمشهد يتبين أن الأزمة "أمريكية - إيرانية" بالأساس، استطاعت إيران من خلال مليشيات لها ـ سواء الحوثيين في اليمن أو حزب الله في لبنان أو مثيلاتهم في كل من العراق وسوريا ـ أن تهدد بطريقة مباشرة أو مباشرة أي إضرار بالمصالح الإيرانية، في الوقت الذي أصبحت فيه السعودية لا تعدو أكثر من ورقة من أوراق الضغط الأمريكية أو الإسرائيلية.

السعودية لم تكن محرومة من امتلاك أوراق ضغط بالغة الأهمية والخطورة، غير أن القيادة السعودية عمدت بغباء في السنوات الخمس الأخيرة إلى حرق كل أوراق قوتها وإسقاط أي وسيلة ضغط يمكن أن تستخدمها أو تناور بها.

على سبيل المثال؛ لا أدري أمن الغباء أم العمالة أن وقفت السعودية بكل ثقلها في مواجهة ربيع الشعوب العربية؟!

لقد خسرت المملكة بهذا السلوك الفاشل مكانتها ورمزيتها وقوتها الناعمة عند شعوب المنطقة.

ليس ثمة عاقل يستطيع أن يفسر ما الذي جنته المملكة استراتيجيا وسياسيا حينما أسقطت الرئيس محمد مرسي الذي كان يمكن أن تمثل معه مصر الكنانة رأس حربة سنية في مواجهة طموحات إيران الشيعية كما تصفها المملكة وتسميها.

هل ربحت المملكة سياسيا أو استراتيجيا أو عسكريا أو أي شيء من شبه الدولة الذي استحضرته عبر انقلاب السيسي وجنرالاته؟!

ما الذي جنته السعودية من التماهي مع محمد بن زايد المسؤول عن العبث بعدد من الساحات في الإقليم والعالم؟!

ما الذي كسبته المملكة من معاداة الإصلاح في اليمن والالتفاف حول الشرعية وهو الكتلة الصلبة الوحيدة التي يمكنها مواجهة الحوثيين ودحر أطماعهم؟!

ما مدى مسؤولية المملكة فيما وصل إليه الحال في الجارتين العراق وسوريا حتى أصبحتا مع اليمن "كماشة" إيرانية تطوق المملكة وتهدد خواصرها؟!

هل استبقت المملكة نفوذها في لبنان أم خسرته باحتجاز الحريري في الريتز في مغامرة فاشلة وسلوك معيب؟!

ثم كانت قاصمة الظهر وقمة الغباء السياسي بتحطيم خاصرة السعودية الرئيسية وإعدام آخر الكيانات الداعمة للمملكة بتفجير مجلس التعاون الخليجي وحصار قطر وما في ذلك من كوارث وتداعيات!!

أخيرا وليس آخرا .. ما هو موقف المملكة من تركيا أحد أهم القوى الإقليمية في المنطقة والذي يمثل علامات استفهام كثيرة وتعجب؟!

حتى الوهابية والإسلام التي طالما كانت تتمسح بهما المملكة وتتاجر بمكانتها منهما، إذا بها تتبرأ منهما وتنطلق بتسارع مريب صوب العلمانية والتفسخ!!

لا يمكن تخيل مدى الحماقة التي يتصرف بها النظام السعودي في السنوات الخمس الأخيرة، حتى لكأنه يقدم على نحر نفسه والمنطقة بأعجل مما يسعى إلى ذلك خصومه وأعداؤه.

الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع