شهدنا في الأيام القليلة الماضية، حدثين اثنين على الساحة
الإسرائيلية، يثبتان أن التسوس الصهيوني بات ينهش أكثر بكيانه من الداخل، وهذا ما
يزيد من قلق الصهاينة التقليديين، على مستقبل كيانهم من اتجاهات عدة. لأن العصابات
الأشد تطرفا، باتت مسيطرة كليا على سدة الحُكم الصهيوني، وبدعم مطلق من زعيمها
بنيامين نتنياهو. والوقائع هي خير إثبات.
الحدث
الأول، هو سعي الحكومة الحالية إلى تغيير شكل التعيينات في الوظائف الحساسة
والثابتة في مؤسسات الحكم، غير المتعلقة بمنتخبي الجمهور، وهو الجهاز الذي يضمن
استمرارية في أعمال أجهزة الحكم. من تعيينات بموجب عطاءات مفتوحة أمام الجمهور، ويكون
التعيين بموجب الكفاءات، إلى تعيينات سياسية بقرار من الوزير، الذي يحق له بموجب
القانون تعيين عدد محدود في مكتبه الخاص وعلى مستوى الوزارة، يستقيلون فور تعيين
وزير آخر.
ولكن
الضجة تعاظمت حينما وصل الأمر إلى حد تعيين المستشارين القضائيين للوزارات، وهي وظيفة
في غاية الحساسية في المبنى المؤسساتي الإسرائيلي. وقد شهدت واحدة من لجان الكنيست
بحثا صاخبا، عرضت مقاطع واسعة منه في وسائل الإعلام. فقد تجند قضاة حاليون وسابقون
في المحكمة العليا، والمستشار القضائي للحكومة، وكلهم محسوبون على اليمين، لإقناع
أعضاء اللجنة برفض مشروع القانون الحكومي. إلا أن هذه الشخصيات ذات الوزن الكبير،
لم تستطع إقناع أعضاء الكنيست من المستوطنين، أو التابعين لعصابات المستوطنين،
واستمروا في التشبث بمشروع القانون، الذي سيلغي أي ضوابط مستقبلية، أمام سطوة أشد،
لليمين الاستيطاني والديني على الحكم.
والحدث
الثاني، هو تحقيق عرضه التلفزيون الإسرائيلي، يظهر فيه أن المؤسسة الدينية
المتزمتة، أزالت شهادة "الحلال اليهودي" عن مصنع نبيذ كبير، في إحدى
مستوطنات مرتفعات الجولان السوري المحتل، فقط لأن يهودا مهاجرين من أثيوبيا،
يعملون في قطف العنب في كروم المصنع. وبنظر المتدينين المتزمتين، فإن اليهود
الإثيوبيين مشكوك بيهوديتهم، وهذا يكشف مدى العنصرية والاستعلاء، على ذوي البشرة
السمراء، الذين استقدمتهم إسرائيل منذ ثلاثة عقود ونيف، لتعمل غالبيتهم الساحقة في
"الأعمال السوداء"، ويواجهون عنصرية استعلائية صهيونية مهينة على مدار
الساعة.
وهاتان
عينتان صغيرتان، تكشفان مدى التطرف العنصري في الحُكم الصهيوني. فالعنصرية أينما
كانت، شرهة ولا حدود لها، فهي تبدأ في الدوائر "البعيدة"، بمعنى
الأعداء، ولكنها لاحقا تبدأ تنهش بالدوائر الأقرب لها، في مجتمعها، وهذا ما يجري
الآن في الصهيونية. فالعصابات المتطرفة لم تستورد فكرا عنصريا من خارج الفكر
الصهيوني، بل هذا تطور تصعيدي متوقع للصهيونية.
وهذا
مشهد يزيد من القلق الكبير لدى جمهور واسع، يرى بنفسه صهيونيا، ولكنه يبحث عن
العيش الهادئ والعصري، كعيش المجتمعات التي هاجروا هم أو آباؤهم منها، مثل أوروبا
والولايات المتحدة. ولذا فإن التقديرات بأن إسرائيل مقبلة على موجات هجرة كبيرة
منها، من الأجيال الشابة خاصة، هي تقديرات واقعية، وبوادرها باتت ظاهرة.
الانعكاس
الآخر لهذه الحالة الصهيونية، نجده في ابتعاد أبناء الديانة اليهودية في العالم عن
إسرائيل.
فقبل أيام انتخبت الوكالة اليهودية، وهي أهم مؤسسة صهيونية
"عليا"، الرئيس السابق لحزب "العمل" المعارض يتسحاق هيرتسوغ،
رئيسا لها، رغم اعتراض نتنياهو. وقد أكدت التقارير الإسرائيلية، أن هذا الانتخاب
بمثابة رسالة واضحة من قادة التنظيمات الصهيونية في العالم لنتنياهو، بمقت
سياساته، التي تنعكس عليهم سلبا، مثل علاقاته مع الرئيس الأميركي الحالي. وزاد على
هذا، محاولة المؤسسة الدينية اليهودية الإسرائيلية، فرض سطوة دينية على المؤسسات
الدينية اليهود في العالم وبتواطؤ نتنياهو.
وكان
استطلاع للرأي بين اليهود الإسرائيليين، واليهود الأمريكان، قد عكس عمق الشرخ، فقد
قال 12% من الأمريكان اليهود إنهم يشعرون بأن اليهود الإسرائيليين إخوة لهم، مقابل
نسبة 28% بين اليهود الإسرائيليين تجاه الأمريكان. وكانت أبحاث سابقة، قد أكدت أن
الغالبية من الأمريكان اليهود بعيدة عن المؤسسات الصهيونية والمعاهد اليهودية، ولا
تشعر بأي علاقة بالكيان الإسرائيلي. وتشدد الأبحاث على أنه كلما كان الجيل أصغر،
فإن نسبة الابتعاد كانت أكبر.
هناك
شك في أن غالبية الجمهور الإسرائيلي تستوعب ما يجري من حولها، وهذا ينعكس في
استطلاعات الرأي التي تواصل منح غالبية للعصابات الحاكمة اليوم. ولكن لن يطول
الزمن الذي ستشهد فيه إسرائيل انفجارا داخليا، أو موجات هجرة من إسرائيل، لم تكن
تتخيلها الصهيونية.
الغد الأردنية