«الأرض بتتكلم عربي وقول الله، يا خوفي تتكلم عبري، الأرض الأرض
الأرض»، هذه كلمات أغنية الفنان والموسيقار المصري سيد مكاوي محورة، ولا أعرف من
حوّرها.
وها
هم بعض نزلاء هذه الأرض العربية، بدأوا يتحدثون العبرية لا باللفظ والكلام، بل
بالفعل والممارسة.
وهنا
تكمن الخطورة التي لا بد أن ننتبه إليها، وننبه إليها الأجيال العربية الصاعدة غير
المتعمقة بالقضية الفلسطينية والعربية وجذورها، وفتحت أعينها، على المتحدثين باسم
دولة الاحتلال وجيشها، وهم ينفثون سمومهم من على منابر إعلامية ناطقة فقط باللغة
العربية، هذه الأجيال هي المطلوب تزييف وعيها.
ومن
هذه الزاوية أنظر إلى خطورة البرنامج الوثائقي الذي بثته قناة «العربية» لصاحبها
الحالي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي نجح، في غضون فترة قصيرة من تولي
والده الحكم، في وضع يده على معظم، إن لم يكن جميع وسائل الإعلام الكبرى في
السعودية. وأنظر إلى هذا البرنامج أيضا من زاوية تزامنه مع «صفقة القرن»، التي
تسعى واشنطن لفرضها على الفلسطينيين بتنسيق مع مجموعة من الأنظمة العربية يتقدمها
نظام محمد بن سلمان.
وبما
أنه ليست هناك مساحة لعرض تفاصيل ما جاء في ذاك البرنامج الوثائقي الصهيوني، سنشارك
القارئ بعضا من المصطلحات التي استخدمت في هذا البرنامج التي تتساوق كثيرا مع
المصطلحات الإسرائيلية لرواية «النكبة»: ويبدأ بمحاولة تقديم مبررات إنسانية لهجرة
اليهود إلى فلسطين، وتقديمهم على أنهم فئة مستضعفة، ويستخدم مصطلح «قانون العودة»،
في وصف موجات الهجرة اليهودية، ويحاول إيجاد صلة بين اليهود وفلسطين!
استخدام
مصطلح «الفلسطينيين العرب» للإيحاء بوجود قومية أخرى، وهم اليهود الفلسطينيون. وصف
أعمال المقاومة الفلسطينية وثورة1936 بأعمال شغب وعنف!
عصابة
«الهاغاناة» الصهيونية الدموية، حولها البرنامج إلى جماعة مسلحة من أجل الدفاع عن
«اليهود الفلسطينيين»، بدون التطرق إلى عملياتها الإرهابية التي دفعت بريطانيا
راعية الكيان إلى حظرها. تجنب وصف «عصابة الليحي» التي ارتكبت مجازر عديدة من
بينها مجزرة دير ياسين، بعصابة إرهابية.
التهجير القسري للفلسطينيين، كان هجرة بسبب ظروف الحرب وليس بسبب
المجازر الصهيونية،
بعد
أقل من ثلاث سنوات من التحرر من معسكرات الاعتقال، شعر اليهود بأنهم يتابعون
كفاحهم للبقاء. دخول الجيوش العربية لأرض فلسطين أصبح غزوا. اليهود الذين قدموا
إلى فلسطين، تحولوا من غزاة إلى ضحايا، عانوا في بداية وصولهم إلى أرض فلسطين.
يستبدل مصطلح الاحتلال البريطاني بـ»الوجود البريطاني» على أرض فلسطين. وهذا ليس
إلا غيضا من فيض السموم التي بثتها «العربية» وأخواتها.
استغربت
وأنا أقرأ بيانا لـ«الإعلاميين الفلسطينيين» بدأ بـ«يبدو أن قناة العربية قررت خلع
ثوبها العربي رغم نطقها بلغة الضاد، متخلية عن قضية الأمة العربية المركزية».
وأختلف مع هذا الاستغراب، فالحقيقة أن هذه القناة لم ترتد يوما زيا عربيا أصلا،
ووصف البعض هذا البرنامج بالانزلاق الخطير والسقوط المدوي، بل هو واقع هذه القناة
وبعض وسائل الإعلام السعودية، التي كشرت عن أنيابها، وأزالت القناع عن هويتها
الحقيقية، والأسباب التي أنشئت من أجلها، إنه إظهار للوجه الحقيقي البشع لهذه
القناة التي أنشئت في ظروف مشبوهة.
فقد
تم الإعلان عن إنشائها في الثالث من مارس/آذار2003 أي قبل أيام معدودة من الحرب
الأمريكية على العراق، لإسقاط نظام صدام حسين، الذي لم يكن سوى الذريعة لتحقيق
المآرب الأمروصهيونية لتدمير هذا البلد العربي الأصيل، توطئة لتدمير سوريا ومن
ورائها القضية الفلسطينية وبلدان أخرى.
هذا
البرنامج ما هو إلا محاولة تزييف للتاريخ والتشكيك في الرواية الفلسطينية، توطئة
لتصفية القضية الفلسطينية عبر «صفقة القرن» التي تروج لها الإدارة الأمريكية
بقيادة الرئيس دونالد ترامب، الأمر الذي يضع علامات استفهام كبيرة حول دور قناة
«العربية» في خدمة هذه المخططات التصفوية، ويثير التساؤلات حول تجندها لتزييف
الوعي والتاريخ العربي، والقفز على الحقائق الدامغة حول اغتصاب العصابات الصهيونية
لأرض فلسطين، بدعم وإسناد من الانتداب البريطاني الذي نفذ «وعد بلفور» المشؤوم.
ويميط اللثام عن دورها المشبوه لتشويه وعي الأجيال العربية، والتجند لصالح
الاحتلال الإسرائيلي وتطبيع وجوده في المنطقة العربية.
السعوديون/
الخليجيون المطبعون الجدد تقودهم «العربية» ومراكز أبحاث، يسبقون الجميع في هذه
الهرولة نحو التطبيع، خلافا للشعب المصري العريق لا المستحدث، الذي أتيحت له هذه
الفرصة قبل نحو أربعين عاما ولم يستغلها، بل حاربها، وحتى الآن تقف دولة الاحتلال
عاجزة أمام هذا الموقف الأصيل.
يبدو
أن السعوديين الجدد على عجلة من أمرهم وهم مستعدون لبذل الغالي والرخيص من أجل بدء
العلاقة وتطويرها بأسرع ما يمكن، مع دولة الاحتلال. إنهم على ما يبدو تواقون لقضاء
فصول الصيف على شواطئ نتانيا وقيسارية وأيلات، ويتعالجون في مستشفيات إسرائيل مثل
تل هامشمير ليفيدوا «أبناء العمومة» بإنفاق المال عليهم، رغم أن هذا المال لم يعد
متوفرا، كما كان في سبعينيات القرن الماضي مع طفرة النفط.
هذا
المال بدأ يشح في السنوات الأخيرة، ولا يستفيد منه العرب، فهم دوما يسيرون في
اتجاه واحد، أي إفادة الآخرين وهذا ينطبق على كل شيء وليس المال فقط. هذا المصطلح
الذي أصبح البعض يطلقه عليهم من أمثال الإعلامية الكويتية فجر السعيد، التي انضمت
إليها وزيرة السياحة في الحكومة الأردنية الجديدة لينا عناب، التي أثارت بوصف
الإسرائيليين «أولاد العم» استياء شعبيا كبيرا، عبّر عنه ناشطون كثر في مواقع
التواصل الاجتماعي، فضلا عن تناوله بصيغة رافضة من طرف العديد من المواقع الصحافية
المحلية. ولم يستخدم هذا المصطلح من باب التندر ومحاولة ترطيب الأجواء، بل جاء
ذكره في أكثر من موضع في محاضرتها التي ألقتها في منتدى عبدالحميد شومان الثقافي
في عمان.
إن
الإكثار من استخدام هذا المصطلح ربما لتعويد الأذن عليه لتمرير التحالف المقبل «مع
أولاد العمومة»، وفقا للمثل القائل «أنا وخوي على بن عمي، وأنا وبن عمي على
الغريب» والشاطر يفهم.
وأخيرا
فإن دولة الاحتلال التي كانت توصف حتى وقت قصير بالكيان الغاصب لجزء كبير من
فلسطين، وبعد احتلال بقية فلسطين (الضفة وقطاع غزة) وقبل الفلسطينيون بوجودها،
أصبح يطلق عليه دولة الاحتلال في الضفة وغزة فقط، ونسي بالطبع 78% من فلسطين
التاريخية، وتغيرت المصطلحات أيضا، فبينما كان يطلق على الدول العربية المحيطة
بإسرائيل «دول الطوق» أصبحت تسمى دول الجوار، بالمناسبة فإن هذا التغيير قاده
الموقع الإلكتروني السعودي «إيلاف» الذي اختار ضابطا سابقا في جيش الاحتلال مراسلا
له في فلسطين التاريخية، لم يترك مسؤولا عسكريا كبيرا في دولة الاحتلال، إلا وفتح
أمامه صفحاته للترويج للتطبيع والاسترسال في الحديث عن محاسن ومنافع هذه الدولة
والتعامل معها وضرورة التطبيع وإقامة العلاقات معها.
وأختتم
بالقول، نعيد ونكرر، من أراد التطبيع مع إسرائيل فليطبع، ومن أراد الدفاع عن دولة
الاحتلال فليدافع عنها كما يشاء، ومن أراد أن يظهر حبه وإعجابه بها فليفعل، ومن
أراد أن يكشف عن كرهه الدفين للفلسطينيين فهو حر في ما يفعل، فالقلب وما يهوى كما
يقول المثل.
ومن
يسعى لإقامة تحالف أو محور مع الكيان المغتصِب، اعتقادا منه أنه سيساعده في مواجهة
المحور الإيراني فهذا من حقه، بالمناسبة فإن الدول اللاهثة نحو التطبيع هي التي
شاركت في خلق ما يسمى بالمحور الإيراني، عبر تواطئها مع الأمريكيين في العراق
وتسليمه لقمة سائغة لإيران، التي من مصلحتها أن يبقى العراق ضعيفا وتحت سيطرتها،
وهي من سلمت سوريا لإيران وإسرائيل وقوى الظلام، ولم تدعم قوى الشعب والثورة
الحقيقية، حتى آلت الأمور إلى ما آلت إليه في ظرفنا الحالي، وهذا يعزز طبعا تقسيم
المنطقة، محور إسرائيل/ أمريكا ومحور ايران، حقوق العرب بينهما ضائعة، تابعين لا أسيادا.
القدس العربي