للقرآن الكريم مقاصد لا بد لقارئه ومتدبره أن يتأملها، ومن أهم مقاصده: تحرير إرادة الإنسان، أيا كانت ديانة أو عرق أو لون هذا الإنسان، فهو أولا يقرر حرية الإنسان في امتلاك إرادته، وأن يتصرف وفقها كيفما يشاء ما لم يضر بغيره، سواء وصلت به حرية إرادته للإيمان بالله، أو للكفر، فلا يهم، لأن الحساب يوم القيامة وليس في الدنيا، يقول تعالى: (إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا) الإنسان: 3، وقال: (وهديناه النجدين) البلد: 10، أي طريق الخير والشر، وله مطلق الاختيار، (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) الكهف: 29، يعبر القرآن عن هذه المشيئة والحرية فيها، فلا يجبر أحدا على اعتناق دين ولو كان هو الحق الذي لا حق غيره (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه) آل عمران: 85، ومع ذلك هذا الدين الحق الذي لا يقبل من الإنسان غيره – كما نؤمن في ديننا الإسلامي – لو أن إنسانا أُكره على الإسلام لا يقبل منه، يقول تعالى: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) البقرة: 256، ويقول تعالى: (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) يونس: 99، و(أنلزمكموها وأنتم لها كارهون) هود: 28، وكل أحكام الإكراه في الإسلام باطلة، سواء كانت في أصول الدين، أو في فروعه.
والغاية الأولى من إرسال الرسل للمتجبرين في الأرض، والمستكبرين في الكون، والمذلين لعباد الله، والمستعبدين لهم، هي تحرير إرادة هذه الشعوب، ففي حوار نبي الله موسى عليه السلام كان طلبه الأول من فرعون: (فأرسل معي بني إسرائيل) الأعراف: 105، وذلك بعد أن بين له موسى عليه السلام أن أكبر جريمة فعلها ببني إسرائيل هي تحويلهم من أحرار إلى عبيد، يقول تعالى: (وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل) الشعراء: 22.
ومن عظمة التشريع الإسلامي في القرآن الكريم أن جعل مصرفا مهما من مصارف الزكاة لتحرير الإنسان، كي يمتلك قراره وإرادته، فقال تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب) التوبة: 60، وقد كان خطاب القرآن في الأربعة مصارف الأولى بحرف الجر اللام، وعند الحديث عن (الرقاب) وما يليها من مصارف، تحول لحرف الجر (في) وقد علل ذلك الإمام الزمخشري بأن القرآن يوحي بأن الأربعة الأخرى بداية من الرقاب، أرسخ في استحقاق الزكاة من الأربعة الأولى. والرقاب هنا أي الأرقاء (العبيد)، فجعل القرآن هذا المصرف المهم من زكاة المسلمين لينفق في باب حرية الإنسان، بل الجهاد في سبيل الله وهو مصرف أيضا من مصارف الزكاة، وفريضة في الإسلام، هو لرفع الظلم عن الناس، وتمكينهم من اختيارهم الديني والسياسي، وعدم قهر الشعوب وكسر إرادتها، أو إجبارهم على معتقداتهم، وخير مثال لهذا الفهم، موقف عمر بن الخطاب من القبطي الذي ضربه ابن عمرو بن العاص، وبعد أن مكنه الخليفة من القصاص من ابن أمير مصر، لم يجبره على الإسلام، بل مكنه من حرية الإرادة، وحرية التعبير، وحرية القصاص من ظالمه، رغم أن المصري كان يضرب ويهان من الرومان ومن كل من دخل أرض مصر، دون أن يُرفع له رأس.
، وجاء الفتح الإسلامي ورد له حقوقه، دون تقييد لحريته أو إرادته.
للأسف يهمل ويقصر كثير من المنتسبين للإسلام في فهم هذا المقصد القرآني المهم وهو: تمكين الناس من حريتهم، سواء اتفقنا معهم أو اختلفنا، فالعبرة في الإسلام تحرير الإنسان من كل ألوان الأسر سواء كانت سياسية أو فكرية أو غيرها، دون منة ممن يسعى لهم لتحرير إرادتهم، وهذا هو واجبنا من حيث الفهم والتطبيق، فنحن نسعى لاسترداد حرية إرداة الناس في مصر، وفي كل العالم، ليكون الناس أحرارا في قراراتهم، حتى لو أدت تلك الحرية لعدم إيمانهم بما نؤمن به، أو اختلفت قناعاتهم عنا، وكذلك السعي لفك أسر كل مظلوم لا يشترط أن يكون موافقا لك، ما دام مظلوما فحقه أن تحرره من ظالمه، هذا مقصد قرآني كبير لمن يتدبر كتاب الله تعالى.
Essamt74@hotmail.com
رمضان والعيد والمعارك الفقهية السنوية!!