يا معشر قريش..
ليست قطر هي التي
صوتت ضدها سبع دول عربية، وإنما هي مملكة
المغرب الشقيق "المعتدل". دول العدوان السباعي هي: سعودية الكتاب والسنة، ومملكة الأردن الهاشمية، ومملكة البحرين حقبا، وجمهورية لبنان الأخضر، ودولة العمارات المتحدة، ودولة الكويت الأصيلة.
وكان مغردون قد غرّدوا منشدين، هازئين، طائعين، لا فاتنين ولا مفتونين: إن من عجائب الزمان، وغرائب الحدثان، أن يدعو الداعية الشهير عمرو خالد، ليس إلى الزهد والتقشف في شهر رمضان الكريم، وشعوب عربية في سوريا وفلسطين واليمن تتضور جوعاً، وإنما إلى أكل فراخ الوطنية من أجل زاد التقوى، ومن أجل القوة على قيام الليل، وليس إلى سهر الليالي الملاح.. وأن تدعو الراقصة سما المصري إلى الإسلام بالرقصة والهزة الحسنة. وكانت آية على عصر الرويبضة واحتضار الدين الرسمي، وتحوله إلى هرج ومرج. وها هي العروبة تمشي على خطى الإسلام الرسمي، اندحاراً وهرجاً وتهريجاً وتحتضر، حتى أن اللبيب يخشى من حرب عربية مثل البسوس؛ التي كانت من أجل ناقة، وداحس والغبراء؛ التي كانت من أجل فرسي سباق، وأن تكون هذه المرة من أجل قطعة جلد مدورة منفوخة بريح الشيطان.
وكانت جماهير الأسد وقلب العروبة النابض، الهزاز الرقاص في طنجرة الضغط، قد تشيّعت، فناصرت روسيا، وظاهرت
السعودية بالإثم والعدوان، بل إنها مضت أبعد، فناصرت إيران الفارسية ضد المغرب العربية، مع أن الأسرة الحاكمة في المغرب علوية النسب.. وافرح يا قلبي لك نصيب.. تبلغ مناك ويا الحبيب، يا فرحة القلب الحزين لو صادف الخل الأمين.
تعرّض العرب إلى مذابح كروية، في ليلة القدر زماناً، في موقعة مونديال روسيا مكاناً، بعد خسارات وهزائم دون البحر، كان أكرمها هزيمة السعودية التي قيل في هزيمتها ما قيل من حكم وأقوال تكتب بالإبر على آماق البصر. وليست جماهير الأسد وحدها التي شمتت بفريق السعودية، عفواً بمملكة السعودية دولةً، فنحن لا نفرق بين الرياضة والسياسة، والكرة والدولة، فالدولة مثل الكرة، يلعب بها فريق الأسرة الحاكمة ضد فريق الشعب، وكل المباريات "فاولات"، ومن غير حكم، والفريق "الوطني" العربي الكروي حقيبة سيادية مثل وزارة الدفاع والخارجية، بل إن أصغر شرطي في ممالك الشنكليش والمتة وكبسة المندي والكشري، كائنات سيادية. وكان زين العابدين بن علي قد تغذى من بروتينات صيحة العرب في مونديال 1986، وبوتين تحول إلى قيصر بفضل المنشطات في مونديال، فالدين للملك، والكرة للملك، والشعب للملك، الملك بتاع كله.
ونشأ مهرجان سخرية وهجاء على مواقع التواصل، ومن أشهر العبارات التي قيلت في فريق بلاد الحرمين:" لا صاموا مثل المسلمين، ولا لعبوا مثل الكفار". ورسم هؤلاء أعلاماً جديدة للسعودية، وضعوا فيها عبارة لا حول ولا قوة إلا بالله، بدلاً من كلمة التوحيد والسيف. ولم يبدّل هؤلاء بالسيف فنجان القهوة، أو كبسة المندي.. ولم يستبدلوا نسر العلم المصري بفراخ عمرو خالد الوطنية. وشهدنا مباراة بين روسيا والسعودية تشبه معارك عماليق جوناثان سويفت مع الأقزام، وهي نتيجة أحسن من نتائج
المونديال السابق، الذي خسرت فيه السعودية بثمانية أهداف حسوماً مقابل ألمانيا التي حولتها إلى طحين؛ ووصفت بالأهداف النظيفة الطاهرة العفيفة، وهذا تحسن ملحوظ. وتوعد إمبراطور الرياضة المقدسة، تركي آل الشيخ، الفريق بإقامة الحد عليهم، وشتمهم وأهانهم قائلاً: سود الله وجوهكم (كما سودتم وجهي)، وولي العهد في السدة الرئاسية لم يكن في وضع يحسد عليه. ولم ينتظر أحد منه أن يعلن في هذه الظروف العصيبة تخليه عن منصبه، والله الموفق والمستعان، فالفريق فريق الملك قبل أن يكون فريق شعب نجد والحجاز، وهو فريق سيادي، أُنفقت عليه مليارات الدولارات، والشعب الذي يعيش على بحر من الذهب الأسود ليس في أحسن حال.
ولم يترجم لنا مترجم، تغريدات الجماهير الروسية، فالمباراة كانت سهلة، وما كان بهم حاجة لأن يسمّوها "عاصفة الحزم الكروية"، أما "إعادة الأمل" فستكون في المونديال القادم، فأنعم وأكرم بنا رأساً وأكرم بنا قدما. لقد بلغت هزيمة العرب دون البحر، حتى أن جماهير السعودية، التي ضربت إلى روسيا أكباد الإبل الحديد الطائرة، سخروا وهتفوا للنتيجة التي حصّنها المصريون بتعويذة خمسة وخميسة، والخمسة وخميسة في الاعتقادات الشعبية تقي من عين الحسود، وتجعل فيها عودا، بيكفي كباب و"زفر".
لي صديق باحث يحتقر الكرة، بل إنه أمس قال على صفحته بأنه يحتقرها ويستصغر كل مشجعيها الأقزام. ولم أبلغ رتبته بعد، وتأويلاً أرى أنه مثلي يعدّ الكرة العربية كرة الملوك، وكرة الرؤساء، وليست كرة الشعوب، فقد تابعت الشوط الثاني من مباراة المغرب وإيران، وسمعت المعلّق الذي ذكرني بالمرحوم أحمد سعيد، حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة، وكان يصف لاعبي المغرب بأسود الأطلس، ثم كان أن رأينا أحد أسود الأطلس يدخل الكرة في عرينه، مع أن الأسد "ما بيكلش" أولاده، كما قال فيلسوف العصر والأوان.
الرياضة دين الشعوب في عصر العولمة، وكان الأسد الأب، المقبور طبعاً، قد قال جملة وضع فيها خلاصة حكمته وهي: "إني أرى في الرياضة حياة"، لم يكن الشعب السوري يتريض، إلا إذا كان انتظار رغيف الخبز رياضة، بينما تجد في كل دول أوروبا، الشرقية والغربية، الرياضة بأنواعها، في كل شارع وحي ومدرسة. الرياضةعندنا تشبه الفاكهة التي لا ترى إلا في المواسم والأعياد الرياضة، للعرض فقط، في حين أنها لدى الفرنجة العلوج وجبة يومية مثل الفول عند المصريين. ووصف أحمد سعيد الكروي ما جرى بأنه دمار وانهيار، وأنه قد غاب الانتصار، فشمتت به أبلة ظاظا، وأبلة تهاني أيضاً، وأبلة انتصار؛ التي أخطأت جريدة الأهرام في أحد حروف اسمها، فأحسنت إذ أخطأت.
عندي حل لعقدة الرويبضة، الذي توعد الفريق بالويل والثبور، والجماهير العربية تتنظر فرصتها الأخيرة مع فريق تونس الذي سيقطف السبسي نصره إن انتصر. وكان ابنه حافظ السبسي قد استولى على رئاسة حزب نداء تونس، والحل هو أن يشتري آل الشيخ الهرّ العراف أخيل، كما اشترى سيده لوحة "المسيح" المخلص، وكما اشترى التمساح عمرو أديب ذي الجلد الثخين، بثمن غير بخس. ومن المفارقات أننا لم نغادر من متردم، ولم نعرف الدار بعد توهم، وأن العرافين منذ عرافة دلفي وشق وسطيح وهوميروس، جميعهم من المعوّقين. يستطيع أن يشتريه ويتباهى به في المحافل، والهر الأصم لا يسمع، ولا يتكلم.
المغرب خسرت، ومصر انهزمت، والسعودية اندحرت، يا الله.. ياللي بعده.
يا معشر قريش:
أحمد (كاتب السطور) سعيدٌ، كما سعد الشيخ الشعراوي عليه رحمه الله يوماً بالنكسة المظفرة.