استعرضت صحيفة "لاراثون" الإسبانية في تقرير الوسائل التي
اتبعها النظام السوري للتأثير على التركيبة الديمغرافية للسكان في البلاد بحيث يكون
الأغلبية السكانية من
السنّة الأكثر تضررا.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته
"
عربي21"، إن
سوريا تشهد اليوم تغييرا ديمغرافيا واضحا يستهدف الأغلبية
السنية الموجودة في البلاد. ووفقا للأستاذ في جامعة حيفا والمتخصص في شؤون الشرق
الأوسط، يارون فريدمان، فإنه "في المستقبل القريب، قد تتحول هذه الطائفة
السنية إلى أقلية، للمرة الأولى في بلد عربي منذ قرون".
وبينت أنه قبل اندلاع الحرب سنة 2011، كانت
سوريا تضم حوالي 16 مليون سني ونحو تسع ملايين شخص بين علويين ومسيحيين وأكراد
ودروز وغيرهم من الأقليات الأخرى. وبعد سبع سنوات من الصراع، لم يتبق سوى ثمانية
ملايين سنّي في سوريا، حيث اضطر النصف الآخر إلى اللجوء إلى بلدان أخرى من منطقة
الشرق الأوسط وأوروبا.
ونقلت الصحيفة عن محلل الشؤون العربية في صحيفة
"يديعوت أحرونوت" يارون فريدمان، أنه "منذ فترة طويلة ندد الكثيرون
بكيفية منع النظام السوري والجماعات المؤيدة لإيران في العراق وحزب الله في لبنان
اللاجئين السنّة من العودة إلى ديارهم. وقد تبين أن هذه السياسة تهدف إلى التشجيع
على الاستيطان الشيعي في المناطق ذات الأغلبية السنّية، وخلق وضع ديمغرافي جديد في
المنطقة".
وأضافت أن الحكومة السورية قد أعلنت منذ شهر عن
مرسوم تشريعي مثير للجدل يسمح للدولة بمصادرة ممتلكات الملايين من اللاجئين
والنازحين إلى المناطق الداخلية. في المقابل، منح النظام مهلة مدتها 30 يوما
للملاك لتقديم ما يثبت ملكيتهم العقارية لهذه الأراضي. ولكن هذا الأمر يبدو
مستحيلا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن العديد من السوريين قد حصلوا على ممتلكاتهم
دون تسجيلها، وحتى إذا فعلوا ذلك، فمن المؤكد أنهم فقدوا أوراقهم بعد سبع سنوات من
الحرب.
وأوضحت الصحيفة أن عمليات استبدال السكان
السنّة بالشيعة تحدث بشكل رئيسي غرب سوريا، بين حمص ودمشق، حيث فرت الغالبية
العظمى من السكان السنّة. كما حدث أيضا في المنطقة العلوية في اللاذقية، وطرطوس،
وجبل الأكراد شمال غرب سوريا، حيث تم طرد
السنة تحت ذريعة "تطهير المنطقة من الخطر الإرهابي".
وحسب فريدمان، تم في مرحلة أولى تنفيذ عمليات
القصف الجوي وفرض الحصار والمجاعة على السكان، ومن ثم تنفيذ ما يسمى بعمليات
"التطهير الإرهابي". وفي مرحلة ثانية، تم تحديد زمن وقف إطلاق النار
وطرد السكان المحليين الذين ظلوا على قيد الحياة من المنطقة. وأخيرا، دخلت القوات
التابعة للنظام للإعداد للمرحلة النهاية، وهي الاستيطان الشيعي.
ونقلت الصحيفة عن المصور الفوتوغرافي من
الجامعة اللبنانية الأمريكية، بسام لحود، أنه "في الوقت الذي تستخدم فيه
روسيا، بالتحالف مع تركيا، اتفاق وقف إطلاق النار لتعزيز الإجماع السياسي بين نظام
الأسد والمعارضة في المنفى، تتحرك إيران نحو إرساء مشروع قادر على تغيير المشهد
الديمغرافي في سوريا. ويهدف ذلك إلى تعزيز معاقل حزب الله شمال لبنان، ونفوذها على
الحدود الشمالية لإسرائيل".
كما حذر يارون فريدمان من أن "الوضع في
سوريا يجب أن يثير قلق إسرائيل. فمن المعلوم أن
الشيعة يمنحون إيران وحزب الله
نفوذا قويا، وهما يعملان على تمديد قواعدهما العسكرية نحو المناطق الحدودية داخل
سوريا. لذلك، ستكون كل قاعدة تابعة لحزب الله بمثابة جبهة أخرى ضد إسرائيل
مستقبلا".
وأفادت الصحيفة بأنه، في الماضي، كانت هناك
أقلية من الشيعة في سوريا، كانوا يمثلون حوالي خمسة بالمائة من إجمالي السكان،
وكان معظمهم يعيشون بالقرب من الحدود مع لبنان. وحيال هذا الشأن، قال الصحفي
السوري اللاجئ في بيروت، خالد، إن "الشيعة اليوم منتشرون في كل مكان وفي جميع
المدن الواقعة غرب سوريا. ففي دمشق، مثلا، تحصل العائلات الشيعية الثرية على منازل
اللاجئين السنيين الذين فروا من منازلهم بأسعار منخفضة، دون أن يكون لدى أصحاب هذه
البيوت أي وثائق تثبت ملكيتها لأنها أُتلفت خلال الحرب".
وفي الختام، أشارت الصحيفة إلى أن نفوذ إيران
في المناطق الموالية للحكومة في سوريا قد انتشر إلى درجة سيطرتها على المشهد
السياسي والعسكري في المنطقة، جنبا إلى جانب مع روسيا، الحليف الآخر لدمشق. في
المقابل، كلف الدفاع المفرط لإيران عن حليفها السوري الحرس الثوري الإيراني خسارة
آلاف المقاتلين في سوريا.