الغارديان: هل قوّى هوكينغ نظرية وجود الله قبل وفاته؟

يتساءل الباحث فيليب جوف في مقال له في صحيفة "الغارديان"، عن الأيام الأخيرة للفيزيائي المعروف ستيفن هوكينغ، الذي رحل في آذار/ مارس هذا العام. 

ويقول الباحث في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إن "الباحثين العلميين اكتشفوا في العقود الأربعة الماضية احتمالات مذهلة عن عالمنا، وعددها في الفيزياء الأساسية هو بالضبط ما يحتاجون لتكييفه مع إمكانية الحياة، فلو كانت الجاذبية ضعيفة نوعا ما، فإن النجوم لم تكن لتنفجر إلى مستعرات -ضوء إضافي- وهي مصدر مهم للعديد من العناصر الكثيرة المتعلقة بالحياة".

ويشير الكاتب إلى أنه "على العكس من ذلك، فلو كانت الجاذبية قوية نوعا ما فإن النجوم ستعيش لآلاف بدلا من مليارات السنين، بشكل لا يترك وقتا كافيا كي يأخذ التطور البيولوجي مكانه، وهذا مثال واحد من أمثلة عدة عن (التحكم الدقيق) لقوانين الفيزياء للحياة".

ويلفت جوف إلى أن "بعض الفلاسفة يعتقدون أن التحكم الدقيق هو دليل قوي على وجود الله، إلا أن ستيفن هوكينغ في كتابه الصادر عام 2010 (التصميم العظيم)، (الذي ألفه مع ليونارد مولدينو)، دافع عن التفسير الطبيعي لقوانين التحكم الدقيق فيما يتعلق بفرضية الكون المتعدد، وبحسب هذه الفرضية فإن الكون الذي نعيش فيه هو واحد من عدد من الأكوان الضخمة وربما اللانهائية، فلو كانت هناك عدة أكوان فليس من غير المستبعد أو المحتمل أن يكتشف واحد منها على الأقل القوانين الصحيحة للحياة".

ويفيد الباحث بأنه "في النسخة القديمة لفرضية هوكينغ عن الأكوان المتعددة هناك تنوع في القوانين في الأكوان المختلفة، ففي بعضها تكون الجاذبية قوية وأخرى ضعيفة وهكذا، لكن الفيزيائيين باتوا ينظرون للمشكلات من خلال كون متعدد ومتنوع، خاصة إن كانت الأكوان لا نهائية، فيمكننا فحص الفرضية عن الأكوان المتعددة من خلال البحث في احتمالات وجود كوننا بناء على الفرضية، ويصبح السؤال بلا معنى عندما تكون هناك أكوان متعددة لا نهائية".

ويستدرك جوف بأن "هوكينغ في ورقته الأخيرة مع توماس هيرتوغ (خروج ناعم من التضخم الأبدي؟) وضعا قيودا محددة للأكوان التي تدخل ضمن الكون المتعدد". 

ويجد الكاتب أن "المشكلة أنه في غياب التنوع في الأكوان يصبح تفسير نظرية الأكوان المتعددة للتحكم الدقيق أقل، فلو كان هناك تنوع في القوانين بين الكون المتعدد فليس غريبا أن يعثر واحد منها على قوانين التحكم الدقيق، وإن كانت الأكوان تحمل القوانين ذاتها، كما يشير كل من هوكينغ وهيرتوغ، فإن المشكلة تعود؛ لأننا سنواجه مشكلة شرح السبب الذي يجعل مجموعة القوانين التي تغطي الكون المتعدد مصممة بدقة".

ويقول جوف: "على ما يبدو لا يتفق هيرتوغ مع هذا، وجادل بأن الورقة لا تقدم رؤية عن التحكم الدقيق: (هذه الورقة تتقدم خطوة نحو الكشف عن لغز التحكم الدقيق... وتخفض الكون المتعدد إلى مجموعة من الأكوان المتشابهة ويمكن إدارتها)".

ويذهب الباحث إلى أن "هذا لا يضع حدا لشرح التحكم الدقيق؛ لأن القوانين التي يقوم عليها جيل من الأكوان المتعددة تحمل معالم التحكم الدقيق، فنحن بحاجة ليس لشرح أن كوننا المتعدد يحمل قوانين يتم التحكم بها، لكن لماذا يحمل كل كون قوانين تحكم دقيقة، وفيما يتعلق بشرح التحكم الدقيق فلا يعد هذا خطوة للأمام بل إلى الوراء".

ويرى جوف أنه "مع ذلك، فإنه لم يكن هذا كله خسارة تامة، حيث كان هوكينغ يبحث في نماذج الكون المتعدد بناء على علم الكونيات المتضخم، وتظهر ورقته عددا من الشكوك حول إمكانية هذا النوع من الكون المتعدد شرح قوانين التحكم الدقيق، لكن هناك مصدرا آخر لدعم نظرية الكون المتعدد، وهو تفسير ميكانيكيا الكم لـ(العوالم العديدة) ففي الوقت الذي يحاول فيه الفيزيائيون استكشاف التفسيرات المتضخمة للتحكم الدقيق كان فلاسفة الفيزياء يبحثون في تفسيرات الكم الميكانيكية عن التحكم الدقيق".

ويبين جوف أنه "لو تشكلت قوانيننا في المرحلة الاولى من كوننا بالنوع الصحيح من الاحتمالات لقدمت لنا نظرية العوالم المتعددة بالتنوع الكافي من القوانين في العوالم، بشكل يجعل هناك احتمالية لحصول تحكم دقيق في واحد منها، وليس لدينا دليل على أن هذه القوانين تشكلت من خلال هذه العملية، إلا إذا كان البديل خالقا فوق الطبيعة، وهو ما سيكون فرضية مقبولة".

ويختم الباحث مقاله بالقول إن "هناك أملا للتوصل إلى شرح علمي للتحكم الدقيق، لكن من خلال رفض هوكينغ وهيرتوغ للخيارات الموثوقة، فإنهما عززا الشرح البديل عن وجود الله، ومن المفارقة أن يناقش هوكينغ في مساهمته العلمية الأخيرة أن وجود الله ليس محتملا".