كان يصلي بالناس إماما في مسجد "عبد الله بن عباس" في "إيدامان"، وعندما تخرج من الدكتوراه أقام وليمة فيه بمناسبة تخرجه.
خرج من منزله كعادته في طريقه لأداء صلاة الفجر حين أطلق عليه الرصاص رجلان ملثمان كانا يستقلان دراجة نارية في إحدى ضواحي العاصمة الماليزية كوالالمبور.
14 رصاصة، ويقال بأنها كانت 10 رصاصات، أطلقت عليه من مسدسات كاتمة للصوت، بالقرب من مسجد "إيدامان"، حيث يقطن واعتاد الصلاة هناك.
فادي البطش، كان الأخير في سلسلة الخبراء الفلسطينيين والعرب الذين اغتيلوا ضمن عمليات "الموساد" في الخارج، وكان الذي سبقه المهندس التونسي محمد الزواري، خبير تطوير الطائرات بدون طيار، واغتيل في تونس أواخر عام 2016.
البطش، المولود في عام 1983 في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، يحمل شهادة الدكتوراه في الهندسة الكهربائية (إلكترونيات القوى) من جامعة "مالايا كوالالمبور" في ماليزيا عام 2015. والماجستير في الهندسة الكهربائية (أنظمة التحكم) عام 2009 من "الجامعة الإسلامية" بغزة. والبكالوريوس في الهندسة الكهربائية (اتصالات وتحكم) عام 2006 "الجامعة الإسلامية" أيضا.
حصل على جائزة أفضل باحث عربي من منحة الخزانة الماليزية، وكان يعمل محاضرا في إحدى الجامعات الماليزية الخاصة، وكان من المفترض أن يغادر ماليزيا إلى العاصمة التركية إسطنبول قبل اغتياله بيوم واحد، لرئاسة مؤتمر دولي حول الطاقة.
ونشر البطش 30 بحثا محكما في مجلات عالمية ومؤتمرات دولية. كما شارك في مؤتمر دولي في اليابان، وشارك بأبحاث علمية محكمة في مؤتمرات دولية عقدت في بريطانيا، فنلندا، أسبانيا، والسعودية، علاوة على المشاركة في العديد من المؤتمرات في ماليزيا.
ومن أهم ما أنجزه البطش، ابتكار جهاز يعتمد تصميمه على تكنولوجيا إلكترونيات القوى، يتم توصيله بشبكة نقل الطاقة الكهربائية ويحسن من كفاءة الشبكة بنسبة تصل إلى 18 في المئة، كما أن الجهاز يعمل على تقليل الفقد في الطاقة الذي ينتج من عملية نقل الطاقة الكهربائية من محطات توليد الطاقة الكهربائية عبر خطوط النقل إلى المستهلكين.
ويستهدف الاحتلال الإسرائيلي بشكل متواصل العلماء الفلسطينيين والعرب المتخصصين في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والعلوم.
ففي العام الماضي، استشهدت المستشارة في مجال الكيمياء الفلسطينية إيمان حسام الرزة، بعد تلقيها تهديدات من ضباط في "الموساد".
عثر على جثمان اللبناني المتخصص في الفيزياء النووية في فرنسا هشام سليم مراد، وكذلك اغتيل اللبناني حسن علي خير الدين في كندا بسبب أطروحة الدكتوراه التي قدمها حول سيطرة اليهود على الاقتصاد العالمي.
والخبير العسكري الإسرائيلي بموقع "ويللا" أمير أورن قال إن "اغتيال البطش يشير إلى أن العلماء والمهندسين الناشطين باتوا يتصدرون الأهداف المرشحة للاغتيال، حيث تشكل تصفيتهم خسارة بما لا يقل عن خسارة قائد سياسي، كما تجلى في اغتيال عدد من علماء حماس الذين يبتكرون المزيد من الوسائل القتالية للحركة، لاسيما الطائرات المسيرة من غير طيار".
وهو ما يؤكد أن إسرائيل تخوض مع أعدائها ما وصفه بـ"صراع الأدمغة وحرب العقول".
ويتفق هذا القول مع ما قالته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، من أن "مسؤولين في وكالات استخبارات تابعة لإحدى دول الشرق الأوسط، أكدوا أن اغتيال إسرائيل البطش، جزء من عملية واسعة، أمر بها رئيس الموساد يوسي كوهين".
ونقلت "نيويورك تايمز" عن مسؤولي الجهة الاستخباراتية قولهم: "الموساد يولي أهمية خاصة للتقدم الذي أحرزته حماس في مجال المركبات الجوية والمائية غير المأهولة دون سائق".
وأرجع المسؤولون أهمية تلك المركبات إلى كونها "أكثر فاعلية في استهداف الأهداف الإسرائيلية من الصواريخ التي استخدمتها حماس خلال حروبها الأخيرة مع إسرائيل"، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وتتساءل الصحافة الإسرائيلية: "هل كان اغتيال البطش بهدف تفكيك مشروع حماس في الخارج القائم على إرسال علماء ومهندسين واعدين من غزة لتلقي الخبرة في صناعة الوسائل والأسلحة؟".
الصحفي الاستقصائي المختص بقضايا "الموساد" رونن برغمان أكد أن هدف الاغتيال كان "أبعد بكثير من مسألة الصواريخ والطائرات بدون طيار ومحاولة تطويرها أو وصول تقنيتها لحركة حماس".
ثم كتب برغمان الذي ألف كتابا عن تاريخ عمليات الاغتيال التي نفذها "الموساد" في تغريدة أن "عملية اغتيال البطش تعيد للأذهان عملية اغتيال مهندس الطيران التونسي محمد الزواري، فعملاء الموساد قاموا بتصفية الزواري؛ لأنه كان يعكف على تطوير غواصة صغيرة غير مأهولة بهدف توظيفها من قبل حركة حماس في استهداف حقول الغاز الإسرائيلية في حوض البحر الأبيض المتوسط".
وتقول وسائل الإعلام الإسرائيلية إن ثمة مخاوف إسرائيلية من "تكنولوجيا ومعارف حصرية كانت تستخدمها دول محدودة في العالم على رأسها إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، تمكن البطش من اكتشافها، وعمل على تطويرها، ما جعله موضع استهداف واضح".
وكانت هواجس ومخاوف سيطرت على "الموساد" من نقل هذه التكنولوجيا إلى دول مثل تركيا وماليزيا، وليس فقط إلى قطاع غزة.
وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن البطش شارك في تأليف بحث نشر في عام 2014 على موقع معهد الفيزياء على الإنترنت، يركز على تحديات توفير مصدر طاقة مستقر للطائرات بدون طيار لجعلها أكثر موثوقية.
وأشارت الصحيفة إلى أن والد فادي البطش صرح بأن فادي لم يكن عضوا في "حماس" ولا خبيرا بالصواريخ، منحيا بالمسؤولية على "إسرائيل" في اغتيال نجله.
وتوسع "الموساد" في اغتيال العقول العربية قد يفتح الأبواب أمام حرب من نوع مختلف في الشرق الأوسط، وعلى عكس ما يقوله الخبير الأمني في صحيفة "معاريف" الإسرائيلية يوسي مليمان، فإن تهديدات حماس بالرد على اغتيال البطش "تفتقر إلى القدرات العملياتية على الأرض"، باعتبار أن الحركة لم يسبق لها استهداف إسرائيليين خارج فلسطين.
إلا أن تصريحات قادة "حماس" تذهب بعيدا في وعيدها للاحتلال بقولها: "إن فاتورة الحساب ثقلت ويوم العقاب قادم لا محالة".