إثر العناق والقبل الحميمية جدا بين
ترامب وضيفه الفرنسي ماكرون، زيارة دولة أشبه بلقاء رومانسي انتهت بتصريحات نارية تكشف القرار الأمريكي بإلغاء الاتفاق النووي مع
إيران. المسألة لا تبدو منفصلة عن تهديدات إسرائيلية علنية بصدام عسكري مع طهران.
فقد
اعترف إيمانويل ماكرون بأنه قد فشل على الأرجح في محاولته (خلال رحلة استغرقت ثلاثة أيام إلى واشنطن) بإقناع دونالد ترامب بالإبقاء على الصفقة النووية الإيرانية، واصفا تقلب الولايات المتحدة في الاتفاقات الدولية بأنه "جنون".
كان الرئيس الفرنسي يأمل في إقناع ترامب بمواصلة سياسة أوباما في رفع العقوبات المفروضة على إيران، على النحو المتفق عليه في الاتفاق النووي لعام 2015، والذي وافقت فيه إيران على قبول قيود صارمة على أنشطتها النووية. عرض ماكرون على ترامب احتمال إجراء مفاوضات حول صفقة تكميلية جديدة تتصدى لتطوير الصواريخ الإيرانية والتدخل العسكري لطهران في المنطقة. لكن عندما تحدث إلى أحد الصحفيين الأمريكيين قبل مغادرته واشنطن، قال: "رأيي (أعرف ما الذي سيقرره رئيسك) هو أنه سيتخلص من هذه الصفقة بمفرده، لأسباب داخلية".
وقد أعلن وزير الدفاع الأمريكي ماتيس، في جلسة استماع في الكونغرس قبل يومين، تحذيره من نزاع عسكري آخر في المنطقة. وعندما سئل عما إذا كانت إسرائيل وإيران تتجهان نحو مواجهة عسكرية، قال: "أستطيع أن أرى كيف يمكن أن تبدأ، لكنني لست متأكدا متى وأين". يضيف ماتيس: "أعتقد أنه من المرجح جدا أن يبدأ النزاع في سوريا؛ لأن إيران تواصل القيام بعملها بالوكالة هناك من خلال حزب الله". واتهم إيران ليس فقط توسيع وتعزيز وجودها في سوريا ولكن أيضا "جلب أسلحة متطورة لحزب الله عبر سوريا". وقال إن إسرائيل "لن تنتظر رؤية هذه الصواريخ في الهواء، ونأمل أن تتراجع إيران".
على هذه الخلفية، تتوالى التصريحات الإسرائيلية المهددة لإيران. ولا يبدو أن ذلك مجرد مصادفة. ففي حوار غير مسبوق باللغة العربية، لموقع "إيلاف" القريب من الرياض، يقول وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، إن بلاده لا تريد الحرب مع أحد، لكنها لن تسمح بمنصات إيرانية في سوريا مهما كان الثمن، مؤكدا أن النظام الإيراني يعيش آخر أيامه. ويؤكد ليبرمان أنه إذا هاجمت إيران تل أبيب، فإن إسرائيل "ستضرب طهران، وستدمر كل موقع عسكري إيراني يهدد إسرائيل في سورية، مهما كان الثمن".
ويقول للصحيفة السعودية التي يقع مقرها في، في لندن قبيل توجهه إلى الولايات المتحدة لبحث قضايا أمنية مع نظيره الأمريكي جيمس ماتيس ومع مستشار الأمن القومي الجديد جون بولتون، إنه إذا هاجمت إيران تل أبيب، فإن إسرائيل ستضرب طهران. ترتكز زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي لواشنطن تحديدا حول التنسيق الأمني، خصوصا بشأن تمدد إيران العسكري في المنطقة، مع التشديد على الوضع السوري. ويرد ليبرمان على التهديدات الإيرانية بالمثل، فيقول لـ"إيلاف" إن إسرائيل ستدمر كل موقع عسكري إيراني في سوريا قد يشكل تهديدا على أمنها، "مهما كان الثمن"!
في ذات السياق، صرح مسؤول إسرائيلي لوكالة رويترز يوم الخميس؛ أن إيران جندت ما لا يقل عن 80 ألف مقاتل شيعي كانوا يتدربون في قاعدة على بعد خمسة أميال من دمشق. وقال السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة داني دانون، أمام مجلس الأمن، إن إيران أقامت قاعدة تدريب على مسافة تزيد قليلا عن خمسة أميال من دمشق. وأضاف: "ما يمكنك رؤيته هنا هو مركز التعيين والتوظيف المركزي في إيران في سوريا. هناك أكثر من 80 ألف مسلح شيعي في سوريا تحت السيطرة الإيرانية. إنهم في هذه القاعدة، على بعد ما يزيد قليلا على خمسة أميال من دمشق ، حيث يتم تدريبهم على ارتكاب أعمال إرهابية في سوريا وفي جميع أنحاء المنطقة".
لكن ماذا يعني أن يغامر ترامب بهجمة مشتركة مع إسرائيل على إيران؟ إذا ركزنا مع "الأسباب الداخلية" التي أشار إليها ماكرون، وخاصة مع الصعوبات التي يواجهها ترامب بخصوص اقتحام "إف بي آي" مكتب محاميه، وتواصل التحقيق في التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية ودور طاقمه فيها، وأيضا مع الزيارة الأخيرة لولي العهد السعودي والصفقات التي أمضى عليها، فإننا إزاء احتمال قائم.
في المقابل، التخوف الذي أبداه فريق ترامب، خاصة وزير الدفاع إزاء ضرب مواقع سورية مؤخرا يشير إلى أن الرئيس الأمريكي يحسب كثيرا قبل أن يقرر ضربات عسكرية.
في كل الحالات، من الواضح أن
ترامب لا يحترم حلفاءه في المنطقة، مثلما يتبين مرة أخرى في تصريحاته المتجددة، آخرها يوم الثلاثاء "الدول الموجودة في المنطقة، وبعضها غني للغاية، لن تكون هناك لولا الولايات المتحدة، وبدرجة أقل، فرنسا". وتابع: "لن يكونوا هناك إلا بفضل الولايات المتحدة".. لن يستمروا أسبوعا. نحن نحميهم. عليهم الآن أن يدفعوا ثمن ما يحدث".
وطهران لا تضيع الفرصة إزاء تصريحات مهينة بهذا الشكل وتسعى لتسجيل النقاط. وبما أنه لا أحد من المعنيين بتصريح الرئيس الأمريكي رد عليه،
رد آية الله خامنئي على ذلك بغضب ظاهر وشماتة مبطنة؛ بأنه "يجب على المسلمين أن يقفوا بثبات ضد الولايات المتحدة وسلطات الاستبداد الأخرى"، عارضا حمايته على جيرانه!