أبدت شخصيات ورموز ليبرالية سعودية فرحها الشديد بالتحولات الدينية الجديدة التي تشهدها بلادهم، باعتبارها أحداثا تاريخية تأذن بانصرام مرحلة سابقة، وتدشين مرحلة جديدة، من أبرز ملامحها غياب سلطة "الصحويين، ورجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عنها"، على حد قولهم.
وطبقا للأكاديمي السعودي وعضو مجلس الشورى السابق، محمد عبد الله آل زلفة، فإن "السعوديين يعيشون في فترة توصف بالفترة الذهبية في تاريخ المملكة العربية
السعودية، فالناس يتجولون براحة في المعارض الثقافية والترفيهية للاطلاع على ما يدور فيها دون مضايقات من أحد، رغم كل ما كان يصاحب المعارض السابقة من التعقيدات والتدخلات والعقبات".
وأضاف آل زلفة في تصريحات صحفية محلية: "أما الآن، فنجد الأسرة، الزوج والزوجة برفقة الأولاد يعيشون رحلة ثقافية ترفيهية، نحن الآن أصبحنا نتحرك بشكل طبيعي، وجميل أن تجد الأب والأم والأولاد يشتركون بالرأي حتى إن اختلفوا في بعض الأمور، حيث ينتهي الأمر بالجلوس في أحد المقاهي المرافقة لتلك المعارض بدون أي مضايقات من مدعي الصحوة، وهذا ما كنا ندعو إليه".
وفي سياق متصل، قالت الكاتبة السعودية، سمر المقرن، في تغريدة عبر حسابها على "تويتر": "في السابق كان صراخ المتطرفين مرعبا مخيفا، أما اليوم فصراخهم معزوفات تطربني وتسعدني، الله يرحم أيام: اللي مو عاجبته البلد يسافر"، في إشارة منها إلى ما كان يقوله سابقا بعض المشايخ والدعاة في الرد على الليبراليين والعلمانيين.
وتابعت المقرن تغريدتها بالقول: "ما راح أرد اليوم وأقول لهم نفس الجملة، يظلون شركاءنا في الوطن وندعو لهم بالهداية".
من جهته، وصف الأكاديمي والكاتب السعودي، أحمد بن راشد بن سعيّد "احتفال الليبراليين بافتتاح السينما، بأنه لم يكن من أجل السينما، بل لأنهم يرون ذلك كسرا لهيمنة الفكر المحافظ على البلاد"، مضيفا: "في الأصل لا يوجد ما يمنع الانفتاح، وتخفيف قيود كثيرة كبّلت المجتمع باسم الدين أو التقاليد، بما في ذلك السينما".
وأضاف لـ"
عربي21": "لكن النظر إلى الحدث بوصفه انتصارا تاريخيا هاليووديا كما قالت صحيفة الاقتصادية أو بوصفه (يوما سعوديا طبيعيا) بحسب عنوان في صحيفة مكة، هو نوع من الديماغوجية، والتباهي بنصر زائف، فضلا عن كونه إيحاء بأن آباءنا وأمّهاتنا لم يعيشوا حياة طبيعية على هذه الأرض، وبأن ظاهرة التدين، أو ما يسمى الصحوة هي المسؤولة عن حرمان المجتمع من الاستمتاع بالحياة والفنون، وعن كل الأخطاء والإخفاقات المجتمعية عبر السنين".
وتابع أستاذ الإعلام السياسي في جامعة الملك سعود (سابقا)، قائلا: "إن تلك الممارسات تسبغ الشرعية على عمليات قمع وإقصاء المتدينين، أو "الصحويين"، بل الانتقام من الدين نفسه، من خلال التضييق على المساجد، والمخيمات الشبابية، وجمعيات تحفيظ القرآن، والمنظمات الخيرية التي تعاني في الأصل ضغوطات كبيرة منذ هجمات 11/9".
وإجابة عن سؤال بشأن توقعاته عن مستقبل الحالة الدينية والفكرية في السعودية بعد محاصرة النسق الديني التقليدي السائد، قال ابن سعيد: "النسق السائد هو النسق السلفي، ولكن المثير للسخرية أن الحرب أُعلنت على الفكر الإخواني، وجرى تحميله مسؤولية التشدد الذي ينسبه كثيرون إلى السلفية المهيمنة".
وأرجع سبب ذلك إلى "صعوبة لوم السلفية على القيود التي يُراد التخلص منها اليوم، فيُلقى اللوم بدلا من ذلك على "الصحوة" أو "الإخوان" أو "السروريين"، لافتا إلى أن "التيار الديني في المملكة والذي تشرف عليه هيئة كبار العلماء ومؤسسات أخرى تابعة للدولة، تيار مرتبط بالسلفية المحلية أكثر بكثير من ارتباطه بمدرسة الإخوان".
وبحسب قراءة الكاتب والأكاديمي السعودي، فإن "المشهد سيصبح أكثر وضوحا وتمايزا، قد يكون من الأفضل للبلاد أن تتخلص من مظاهر دينية غير حقيقية ليست سوى قشور وأقنعة، وهو ما سيسمح بتبلور وعي إسلامي حقيقي أكثر نضجا واعتدلا، وأقرب إلى المنهج الذي تسير عليه أغلبية الأمة"، على حد قوله.
وختم ابن سعيّد حديثه بالقول: "الصادقون سيثبتون، والسلطة لن تستطيع فرض نمط محدد من التدين، والجماهير أكثر استعصاء مما يتصور مهندسو الإسلام المعتدل"، مضيفا: "إن القول بأن ثمة تشددا دينيا في البلاد منذ عقود له ما يبرره، لكنه لا يمكن أن يُقابل بتشدد من نوع آخر"، واصفا ذلك بأنه "أخطر ما يواجه المملكة اليوم".
بدوره، لفت الباحث الشرعي الأردني، المهتم بقضايا النهضة والتغيير، إبراهيم العسعس، إلى أنه "لم يكن يخفى على المعنيين بالحالة السعودية الوجه الحقيقي للنظام السعودي، الذي هو أبعد ما يكون عن التدين، ولم يزد ابن سلمان هذه الأيام عن الكشف عما كان مستورا، وإظهار ما اعتاد النظام على إدارته في الخفاء إلى العلن".
ورأى العسعس أن "الدولة السعودية لم تكن يوما تمثل التدين السلفي الوهابي على الحقيقة، وإنما ركبت
الوهابية ووظفتها لتثبيت أركان ملكها وحكمها في سياق نشأتها التاريخية المعروفة، ولمواجهة التحديات التي فرضت عليها منذ قيامها".
وردا على سؤال "
عربي21": "كيف ستتعامل المؤسسة الدينية الرسمية مع التغيير الذي أحدثه ويحدثه ولي العهد السعودي؟"، قال العسعس: "باستحضار البنية الفكرية والمنهجية الحاكمة للمؤسسة الدينية السعودية، فمن المؤكد أن تنسجم تلك المؤسسة بعلمائها ودعاتها انسجاما تاما مع التوجهات الجديدة، بقناعة ذاتية محضة، انطلاقا من مفهوم وجوب طاعة ولي الأمر"، مؤكدا أنها "ستبرر ذلك كله، وستدافع عنه بمسوغات وتكييفات فقهية معروفة".
وأنهى العسعس حديثه بتوقعه أن تكون "المرحلة القادمة في السعودية علمانية التوجه والسياسات والممارسات، بعد أن أسدل ولي العهد محمد بن سلمان الستار على مرحلة الوهابية، وأعلن مراسيم دفنها في أحاديثه الرسمية".