أعلن وزير الخارجية السوداني في مساء الجمعة 6 ابريل 2018م فشل المفاوضات بشأن سد النهضة ما بين مصر و السودان و اثيوبيا بعد اجتماع دام 16 ساعة ما بين وزراء خارجية و وزراء ري و مدراء مخابرات الدول الثلاثة المتفاوضة بشأن سد النهضة .
لم يكن المراقبون متفائلون كثيراً بشأن هذه المفاوضات كونها جاءت في الوقت الضائع بعد أن استكملت اثيوبيا 70% من منشأة سد النهضة و لكن الإنفراج الذي تم في علاقات القاهرة و الخرطوم مؤخرا بعد زيارة رئيس جهاز المخابرات المصري للخرطوم و زيارة رئيس جمهورية السودان للقاهرة قد دفع البعض للتفائل و لكنه فيما يبدو كان تفاؤلا مع بعض الأماني .
السياسة فن الممكن فهي تتعامل مع الواقع عبر تغييره بالأدوات الممكنة و هو ما كان يجب أن يدركه من يدير المفاوضات فقد تم إضاعة ثلاثة أعوام منذ توقيع اتفاقية الخرطوم الإطارية لسد النهضة و كان ينبغي على مصر الضغط و حسم مسألة ملئ بحيرة السد و الإدارة المشتركة و لكن القاهرة أضاعت الوقت في مناكفة الخرطوم و في محاولة تعطيل سد النهضة ( الأمر الذي يستحيل عمليا ) .
إثيوبيا استفادت من كل يوم أضاعته القاهرة لتواصل إكمال سد النهضة و ها هي تعلن بشكل واضح في اجتماع الخرطوم أنها سوف تملئ بحيرة السد في أغسطس القادم دون النظر للأضرار التي قد تقع على مصر و السودان و قد قررت أن يكون مدة ملء البحيرة ثلاث سنوات فقط ما يعني خرابا أكيداً للاقتصاد المصري و ربما إدخال مصر في كارثة إنسانية و بيئية مدمرة قد لا يخففها سوى المياه المخزنة خلف السد العالي و البالغة 130 مليار مكعب و التي إن أحسنت مصر توظيفها فسوف تتجاوز الأزمة .
سد النهضة لو أقيم في اثيوبيا و استطاع توفير الطاقة التي يتحدث عنها المسؤولون الإثيوبيون فسوف تصبح اثيوبيا نمراً اقتصاديا يطيح بأغنياء القارة السمراء نيجيريا و ليبيا و جنوب إفريقيا .
الموقف السوداني منذ اليوم الأول كان واضحا هو منع إنزلاق الأزمة نحو الحرب و أن الحوار هو الطريق الوحيد لضمان مصالح شعوب الدول الثلاثة و أن السد يحمل مصالح و منافع و خير لكل الأطراف إذا صدقت النيات و تم التعاون و التكامل بين الدول الثلاث .
هذا الموقف لم يتزعزع رغم الضغوط التي تعرضت لها الخرطوم من قبل القاهرة و أصدقائها لأنها تعتقد أن موافقتها على أي خيار غير خيار الحوار كالسماح مثلا للطائرات المصرية باستخدام الأجواء السودانية لقصف سد النهضة يعني أن تتحول أراضيها لساحة حرب بين مصر و اثيوبيا .
و هنا أتذكر قصة تروى أن الزعيم الراحل جعفر نميري عندما اندلعت الثورة أو التمرد الذي أطاح بالرئيس الأوغندي عيدي أمين رفض السودان التدخل لدعمه رغم أنه مسلم و صديق للخرطوم و معادي للإمبريالية و حاول الرئيس الليبي معمر القذافي أن يرسل طائرات لدعم عيدي أمين لكن السودان أغلق المجال الجوي ضدها ما أغضب الزعيم الليبي معمر القذافي و جعله يرسل صواريخ أرض أرض إلى الإذاعة السودانية و كانت حجة الرئيس نميري أن دعم عيدي أمين و إرسال السلاح له هو تدخل في شؤون دولة جارة ما سيعرض السودان للإنتقام الأوغندي و أن القذافي لا يهمه هذا الأمر بسبب أن بلده بعيدة عن أوغندا .
هذا الكلام الذي أكتبه لن يعجب الإخوة المصريين و خصوصا الإسلاميين منهم الذين اتخذوا مواقف خاطئة في فترة حكمهم بشأن سد النهضة مثل تصريحات دكتور محمد مرسي الذي يتحدث فيها عن سفك الدماء إذا ما انقطع الماء و كالتصريحات العدوانية التي خرجت من مؤتمر الحوار الرئاسي في 2013م و التي لا زالت تستخدم من النظام الإثيوبي لحشد الرأي العام هناك خلف مشروع سد النهضة باعتباره تحديا للهيمنة المصرية على النهر .
قطعا و بالتـأكيد من حق إثيوبيا أن تنهض و أن تنال نصيبا عادلا من مياه نهر النيل و لكن ليس من العدل أن أن تقوم إثيوبيا بتعطيش جيرانها و هي برج الماء الذي تتجمع فيه مختلف أنواع الأنهار التي تتجاوز الأربعين نهرا ً .
أخشى أن استمرار اثيوبيا في اللعب على عامل الوقت من أجل إكمال السد دون التوافق مع مصر و السودان قد يدفع القاهرة و هي المتضرر الأكبر إلى استخدام القوة و تدمير سد النهضة بضربة جوية و إن تم هذا الأمر فإن الحرب سوف تكون شاملة و مدمرة لا لإثيوبيا و مصر و السودان فقط بل لدول أخرى يعتقد أن القاهرة تتواطأ معهم لاستهداف السد و هي ارتريا و جنوب السودان بل حتى ربما دولا بعيدة لا علاقة لها بالعرب و لا افريقيا مثل إيران و تركيا و الصين و الولايات المتحدة الأمريكية قد تتدخل لتأجيج الصراع و بيع الأسلحة للطرفين .
معضلة سد النهضة باتت في حوجة لتدخل حكيم من جهة دولية لإيقاف إنزلاق الأمور نحو الحرب التي لا يتمنى اشتعالها من كان في قلبه مثقال ذرة من خير .