حذر الباحثان الأمريكيان المعروفان مايكل سينغ وجيمس جيفري من انهيار التحالف القديم بين الولايات المتحدة وتركيا.
وقال التقرير الذي كتباه في مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية إن الانفصال عن تركيا سيكون بمنزلة إيذاء ذاتي متعمد. فتركيا لا تقتصر على الرئيس أردوغان فحسب، بل هي عملاق جغرافي واقتصادي في المنطقة، يؤدي دور الفاصل بين أوروبا والشرق الأوسط، وبين الشرق الأوسط وروسيا".
وأوضح التقرير أن "خسارة تركيا كحليف للغرب تعني وضع الشرق الأوسط على عتبة باب أوروبا، وإلغاء الحاجز المحتمل أمام النفوذ الروسي بما يسمح لهذا الأخير التوغل إلى قلب الشرق الأوسط. بالإضافة إلى ذلك، تُعد تركيا دولة في أفضل وضع يؤهلها تحقيق التوازن مع إيران التي تتعاظم طموحاتها ونفوذها بالتزامن مع شراكتها مع روسيا. من هنا فإن التبعية متبادلة بين البلدين؛ فمن دون الولايات المتحدة، ستصبح تركيا تحت رحمة طهران وموسكو".
وأشارا إلى أن الحفاظ على التحالف التركي - الأمريكي وعلى القيمة الاستراتيجية التي يستمدها الطرفان من هذا التحالف، يتطلب "إعادة التركيز على التهديدات الاستراتيجية المشتركة بين البلدين، على غرار التحالف المتنامي بين روسيا وإيران، مع التوصل إلى حلول وسط فيما يخص الخلافات التي تشتت تركيزهما عن هذا الهدف". وفي حين لا تستطيع الولايات المتحدة القيام بالكثير لتهدئة ارتياب أردوغان ومخاوفه الأكبر، إلّا أنّه يمكنها إظهار مرونة أكبر عندما يتعلق الأمر بالأكراد السوريين.
وبحسب التقرير، فإنه "من الأمور الحيوية للوصول إلى حل وسط هي الالتزامات التي تم اتخاذها خلال الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية ريكس تيليرسون إلى أنقرة. فوفقا للمسؤولين الأتراك، أفادت بعض التقارير أن الولايات المتحدة قد وافقت على تقليل وجود المليشيات الكردية غرب نهر الفرات حول البلدة الاستراتيجية منبج، الذي يخشى الأتراك أنه يهدف إلى إنشاء منطقة نفوذ كردي متاخمة لحدود تركيا الجنوبية مع سوريا".
وفي المقابل، يؤكد التقرير أنه "بإمكان تركيا التسامح مع استمرار وجود الجنود الأمريكيين و"وحدات حماية الشعب" في المناطق الكردية الواقعة شمال سوريا شرق الفرات، باعتباره السبيل الوحيد لإبقاء الولايات المتحدة في سوريا".
ويرى البعض في الولايات المتحدة في أي طمأنة للأتراك بشأن أكراد سوريا خيانة لشريك أثبت شجاعته في القتال ضد تنظيم "الدولة الإسلامية". إلا أن الترتيبات المقترحة تعود بالفائدة على الأطراف المعنية كافة. وعلى الرغم من كل التهديد والوعيد، ستكون تركيا أسوأ حالا بكثير إذا لم تكن الولايات المتحدة حليفتها. والأهم من ذلك أن النفوذ الأمريكي هو أفضل فرصة لإقناع الأكراد السوريين بالانفصال عن "حزب العمال الكردستاني"، واختيار مسارهم الخاص كما فعل أكراد العراق.
وفيما يخص الأكراد، فإن الولايات المتحدة لن تتخلى عنهم في موطنهم شرق الفرات، بل كل ما عليها فعله هو تسليم منبج إلى المسؤولين المحليين بموجب ضمانات أمنية من الولايات المتحدة وتركيا. وقد تكون طموحات الأكراد أكبر من ذلك، لكن الولايات المتحدة ليست ملزمة بتحقيق كل ما يطمح إليه حلفاؤها، سواء في هذه المنطقة أو في أي مكان آخر، لا سيما إذا كانت تلك الأهداف تهدد حليفا آخر أو تهدد الاستقرار في المنطقة.
وبالنسبة إلى الولايات المتحدة، لن يكون من المنطقي من الناحية الاستراتيجية معاداة تركيا بسبب المسألة الكردية. فتركيا تحتل المرتبة السابعة عشر (17) بين أكبر اقتصادات العالم، وهي واحدة من أبرز القوى العسكرية في الشرق الأوسط. وفي سوريا نفسها، لا يمكن تزويد ما يقرب من 2000 جندي أمريكي في شمال شرق البلاد بشكل موثوق، دون الطرق البرية والجوية التي تمر عبر تركيا، نظرا إلى أن العراق عرضة للنفوذ الإيراني. وبالفعل، من الصعب تخيل تحقيق الولايات المتحدة أي إنجازات تذكر من الناحية العسكرية أو الدبلوماسية في سوريا بوجه مقاومة إيرانية وروسية حازمة، إذا لم تتمكن حتى من إيجاد أرضية مشتركة هناك مع حليفها المفترض.
وقال التقرير إنه "على نطاق أوسع، يتطلب الجهد الأمريكي لمواجهة إيران في الشرق الأوسط والنجاح فيما وصفته إدارة ترامب بالمنافسة الاستراتيجية العالمية مع روسيا والصين، وجود حلفاء. وبغض النظر عن مغامراتها التكتيكية، تبقى تركيا معارضة لنزعة إيران التوسعية وحذرة من روسيا لأسباب تاريخية وجغرافية. وبالنسبة للصين، تعد تركيا مرشحا مغريا لتوسيع "مبادرة الحزام والطريق" غربا باتجاه أوروبا، علما أن العلاقة بين أنقرة وبكين لا تخلو من الخلافات الشائكة. وإذا افترقت الولايات المتحدة وتركيا، فلن تكون إيران وروسيا والصين الدول المُلامة، ولكنها ستكون حتما البلدان المستفيدة".
ويختم التقرير إشارته إلى أنه "لا يخفى أن تركيا حليف صعب. ولكن إذا ابتعدت الولايات المتحدة عن كل حليف صعب لها في الشرق الأوسط، فلن يبقى لديها أي حليف على الإطلاق. وبالنظر إلى الطبيعة المزاجية لأردوغان والتوتر المتراكم لسنوات في العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا، فلن يكون من السهل إيجاد أرضية مشتركة مع أنقرة بشأن سوريا وقضايا أخرى. إلّا أنّ ذلك أمر ضروري في عالم من التنافس الاستراتيجي مع قوى تزداد شراسة يوما بعد يوم".
بعد سيطرة الجيش التركي على عفرين.. متى يتجه إلى منبج؟
هكذا تعوض تركيا ذوي قتلى "غصن الزيتون" من الجيش الحر
هذا ما يسعى أردوغان إلى تحقيقه خلال الجولات الأفريقية