لا تعرف أيهما يمهد للمذبحة الكبرى، الروس أم التنظيمات المتشددة، وهذه المذبحة قد نرى فيها استعمالا للسلاح الكيماوي، والكل يوطئ منذ الآن لتلك اللحظة المقبلة على الطريق؟
الناطق الرسمي باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، قال إن الوضع في سوريا يبعث على القلق الشديد، محذرا من احتمال استخدام الكيميائي من جانب الإرهابيين في الغوطة الشرقية، ومقابله تم الإعلان عن إصابات في الغوطة بعد القصف، بغاز الكلور، أو أي غاز ثان، وتمت الإشارة إلى حالات أطفال، تعرضوا إلى إصابات غريبة، بما يؤشر على استعمال الروس لأسلحة كيماوية.
حين تقرأ المعلومات التي يتم تسريبها عن وجود اكثر من عشرين الف مقاتل في الغوطة، من تنظيمات مختلفة، وان هناك انفاقا كبيرة وصغيرة، وشبكة الأنفاق تربط قرى عديدة، ويتم استعمالها لإطلاق الصواريخ على دمشق، إضافة إلى وجود معدات أمريكية متطورة ضد الدبابات والطائرات، تدرك أن كل هذا توطئة لهجوم من نوع مختلف على الغوطة، وهو أيضا تمهيد لوضع صعب جدا، مفاده أن الحرب العادية غير ممكنة مع الغوطة، لإنهاء ما فيها من تواجد لجماعات متشددة، ولا بد من أسلحة مختلفة.
الروس الذين يقولون أن المتشددين، قد يستعملون السلاح الكيماوي ضد المدنيين، من اجل التسبب باتهامات دولية للروس والنظام السوري، لا يقدمون الدليل على ذلك، وهم يقصدون فعليا، أن المتشددين يأسرون المدنيين كدروع بشرية، ولديهم الاستعداد لقتل المدنيين، من اجل حماية انفسهم، وفي كل الأحوال وليس دفاعا عن هذه الجماعات، فان الرواية الروسية تبدو ضعيفة وغير منطقية، ولا يصدقها كثيرون.
في الأغلب، هذه توطئة لاستعمال الروس لسلاح كيماوي ضد الغوطة ومن فيها، من أجل محاولة حسم المعركة، والتأسيس لاتهام المعارضة، يأتي في هذا السياق، لمعرفة الروس، أن القصف لن يحل المشكلة، والدخول العسكري الميداني، محفوف بالخطر الشديد، ولابد من حل جذري يتمثل بالسلاح الكيماوي.
في كل السيناريوهات، فان حل عقدة الغوطة، سيؤدي إلى خسائر بشرية فادحة، وكل المشاهد التي رأيناها لا شيء، أمام المشاهد المقبلة المحتملة، والسبب في ذلك يعود إلى استعصاء الخيارات الأخرى، فلا المقاتلين يستسلمون، ولا هم يرحلون إلى مواقع أخرى، إضافة إلى عدم قدرة المدنيين على الخروج، وترك مناطقهم للمسلحين من اجل مواجهة الروس والنظام السوري.
كل استعمالات السلاح الكيماوي في سوريا، والأسلحة المحرمة، لم تؤد إلى تحرك دولي فعلي، لمعاقبة أي طرف، لا النظام ولا غيره، ولربما في تقييمات سرية، فان هناك أطرافا عدة في العالم، تتواطأ مع الروس والنظام السوري، من اجل حل عقدة الغوطة، أيا كانت الخسائر البشرية، باعتبار أن وقوع خسائر مدنية، امر لا مفر منه، وان عملية جراحية كبرى، هي الحل الوحيد.
لكن من زاوية أخرى، فان بعض القوى التي تدعم المتطرفين في الغوطة وغيرها، لن تقبل أن تمر قصة الغوطة، بشكل عادي، فهي أساسية ضد النظام السوري، على مستويين، الأول تعزيز صورة النظام دوليا في سياق صورة النظام المجرم، بما في ذلك حاضنته الأساس، أي ايران، والثاني جعل معركة الغوطة صعبة جدا على كل هذه الأطراف، لكونها فاصلة، وإذا خرج منها النظام منتصرا، فإنه سوف يتوج كل انتصاراته، بشكل حاسم، وسيقطف نتيجتها، وهو ما لا تريده هذه الأطراف.
هدنة الغوطة الشرقية، مرة ثانية، مجرد استراحة مؤقتة، وهي لن تستمر طويلا، وما وراء الهدنة، تتشكل لوحة دموية لن يطول انتظار رؤيتها في سوريا.
الدستور الأردنية