تماما كذلك المشهد في فيلم "ماتريكس"، الذي تهبط فيه الكاميرا من أعلى لترى ممثلين جالسين على مقعدين وسط خرائب وأنقاض على مدى البصر هي كل ما تبقى من مدينة نيويورك في القرن الثاني والعشرين.
هكذا بدت لي
الغوطة وأنا اأشاهد بعض الصور الملتقطة بعد الغارات الجوية التي تشنها الطائرات الروسية وطائرات نظام بشار.
خرائب على مدى البصر، وبشر معفرون بالتراب، وبقايا منازل، وأصوات طنين تنبعث من الصور، وصرخات ألم وصياح، وعربات إطفاء وعبارات سريعة غير مفهومة يطلقها رجال الدفاع المدني في حركتهم السريعة المتوترة.
رضيعتان وُضع جثماناهما جنبا إلى جنب، يحمل كفن كل واحدة منهما تاريخ يوم استشهادهما.
مجموعة من الأكفان المتراصة فيما تبقى من بناية ما وطفل يقف صارخا في آلة تصوير تحمل صرخاته التي لا تسمعها بكاء ومرارة على من رحلوا.
وأم تقتاد صغارها فوق أنقاض ما وحولها بشر يسيرون يعلو ملابسهم الغبار ذاته. وتلك البيوت المهدمة. وبقايا صواريخ ضخمة تقبع على الأرض وقد تمزقت جدرانها المعدنية، وسلمت حمولتها القاتلة.
وتلك الأيدي التي تمتد إلى تلك الأيدي لتلتقط تلك الأجساد الصغيرة التي نجت بأعجوبة ما من قصف ما.
ودائما ما ترى في الصور تلك الصرخات. لا تسمعها ولكنها تراها واضحة. وتلك القباب من النار التي تخرج منها ألسنة لهب غير منتظمة لتبتلع جزءا من مبنى ما بينما ترتفع فوق أنقاض المباني التي غادرتها طائرات
روسيا للتو. وتلك السحب من الدخان والحجار المتهدمة والغبار الذي يعلو كل شيء. المدينة كلها مدمرة والحياة فيها تئن.
ومع كل ذلك الخراب الذي تراه في الغوطة، يبدو أن روسيا تخوض معركة إرادات. روسيا ومن بعدها بشار وما تبقى من نظامه يخوضان معركة إرادات مباشرة مع كل فرد من سكان الغوطة.
هذه مباراة شخصية بينهما وبين كل طفل وامرأة وشيخ وشاب في الغوطة. مباراة تقتنص فيها قنابل الطائرات أسماء جديدة تضمهم إلى سجل الشهداء، معركة لم تبق فيها روسيا ولا نظام بشار للسوريين شيئا، ولكن روسيا وبشار لا ينتصران.
وهما لا يفعلان شيئا سوى إرسال طائراتهم لتسقط قنابلها ولا شيء بعدها. فقط يقتلون الأهالي، وهما يتبادلان الضحكات الشريرة. والقتل هنا ليس لمجرد القتل، بل هو قتل لكسر الإرادة.
رغم كل هذا القتل، إلا أنك ترى إرادة عجيبة في تلك المدينة. هناك ذلك الرجل المغطى بالغبار الذي يصلي في مكان ما منعزل بالغوطة، ومن خلفه خرائب لا تميز منها شيئا سوى بضعة حجارة تبقت من بناية متهدمة ما، وتلك السكينة البادية على ملامحه، وهو يرفع أصبع التشهد ناظرا إلى موضع سجوده.
هذا المشهد الذي يجعلك توقن أن كل هذا القتل لم ينل من عزيمة أهل الغوطة. والحقيقة أنني أنظر إلى هذه المشاهد، وأتسائل هل يدرك الذين فرحوا بقصف روسيا للأحياء المدنية في
سوريا الآثام التي يتحملونها مع كل روح تزهقها الطائرات الروسية؟
مازلت أدعو الله أن يفك أسر الرئيس
مرسي كلما تذكرت كلماته في مؤتمر نصرة سوريا، ولا ريب أن كلماته كانت رسالة أمل لأهلنا في سوريا، ولا ريب أن فرض التغيير على العسكر في مصر وانتخاب رئيس إسلامي قد كبل يد نظام بشار عن القتل ولو بدافع السياسة وخشية التوازنات الإقليمية، خصوصا مع الموقف الواضح للرئيس مرسي من الثورة السورية، ولا شك أن الجميع يتذكرون أن مجزرة الكيماوي الأولى في سوريا لم تقع إلا بعد مجزرة رابعة بأيام.