الجمعية العامة للأمم المتحدة اتخذت قرارات سابقة لصالح فلسطين، والتصويت
الأخير الذي يحمل مضمونا ضد القرار الأمريكي بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والاعتراف
بالقدس عاصمة لإسرائيل، يوجه صفعة سياسية إلى واشنطن وتل أبيب معا، لكنه غير ملزم نهاية
المطاف لأحد.
هذا أمر معروف، إذ إن قوة القرار أخلاقية فقط، وليست ملزمة لواشنطن التي
قد تمضي حتى النهاية في قرارها، ما يعني أن السؤال الأهم الواجب طرحه هذه الأيام: ماذا
لدى العرب بعد هذا التصويت، حتى لا نبقى في حالة ابتهاج غير منتجة، باعتبار أن هذا
انتصار كبير ضد واشنطن وتل أبيب؟!.
حين تتسرب معلومات حول نية واشنطن مواصلة التحدي عبر الإعلان لاحقا عن
اعتراف واشنطن بيهودية إسرائيل، واعتبار مستوطنات القدس شرعية، وشطب حق العودة فعليا،
بما يعنيه ذلك من توطين للفلسطينيين في الدول التي يقيمون فيها، وما يعنيه اعتراف واشنطن
بيهودية إسرائيل، على صعيد الفلسطينيين في فلسطين المحتلة عام 48، فإن علينا أن نعرف
أننا أمام معركة كبيرة، وما زلنا في مشكلة وأزمة أكثر تعمقا مما يظنه كثيرون، خصوصا
أولئك الذين يحتفلون بتصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن القدس.
الكارثة التي أشير إليها مرارا أن ردود الفعل العربية لم تتذكر القدس
إلا بعد خطاب ترامب يوم السادس من كانون الأول الحالي، برغم أننا شهدنا على مدى أكثر
من ستين عاما عملية بطيئة ومتدرجة لتحويل القدس من مدينة عربية إسلامية إلى مدينة يهودية،
ولم يتلفت أحد إلى كل مشاريع تهويد الهوية، وطمس الملامح العربية والإسلامية، التي
وصلت حد نبش قبور الصحابة، وجرفها، ومرت ببناء المستوطنات والكنس، والحفر تحت المسجد
الأقصى، وغير ذلك من عمليات جرت تدريجيا، لتحويلها إلى مدينة يهودية، وطمس هويتها الأصلية.
كل هذا لم يتسبب بإغضاب العرب، ولم يستيقظوا إلا بعد خطاب ترامب، فيما
الخطوات الفعلية وعلى ارض الواقع بحق المدينة المحتلة كانت أخطر بكثير جدا من اعتراف
واشنطن الأخير.
في كل الأحوال، لا بد أن يشار هنا إلى أن المأزق اليوم يبلغ ذروته، فحتى
الذين يتنازلون فعليا ويقولون إن القدس الشرقية عاصمة لفلسطين، قابلين ضمنيا بالقدس
الغربية عاصمة لإسرائيل، لا يقرأون ما يقوله رئيس الحكومة الإسرائيلية بأن «القدس الموحدة»
هي عاصمة إسرائيل، أي أن حتى تنازلنا عن نصف القدس لا تقبله إسرائيل، وهذه مفارقة نضعها
أمام الذين يظنون أن ما قاله ترامب بشأن مساحة القدس سوف يتم تحديدها في الحل النهائي،
وبعد إطلاق وصفة الحل الأمريكي المنتظرة منذ دهر وأكثر، وهذا يعني نهاية المطاف أن
جدولة أزمة القدس، بالهروب والحديث عن قدس شرقية متاحة للعرب، جدولة للخيال والوهم،
وإضاعة للوقت.
المشكلة ليست مشكلة القدس وحسب، وهذا ما تريده إسرائيل، أي أن نبقى أسارى
لملفات محددة، لأن أصل المشكلة هي احتلال كل فلسطين، وتشريد الملايين، وادعاء ملكية
وطن، وإقامة دولة عدوة وسط مليار ونصف مليار عربي ومسلم، ودون العودة إلى تعريفات المشكلة
الأساس، ومساواة القدس بيافا وعكا وحيفا، والعودة إلى المطالب الأساس، أي استرداد كل
فلسطين، حتى في ظل هذا الزمن الصعب، نكون فعليا قد أضعنا كل شيء، وتم استدراجنا إلى
الدوائر الأصغر ثم الأصغر على صعيد المطالبات، بشأن قضية تعد قضية عربية وإسلامية وعالمية.
يبقى السؤال: ماذا بعد حفلات الابتهاج بتصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة،
خصوصا، مع التسريبات عن قرارات أمريكية جديدة متوقعة، من باب الثأر والانتقام، بعد
التصويت، ومن باب دعم إسرائيل بمزيد من القرارات التي تضع واشنطن في خانة العداوة المشهرة
مع هذه المنطقة. هذا هو السؤال.
الدستور الأردنية