في ظل شح المعلومات الواردة عن الجماعات السلفية المسلحة التي تعمل في شمال سيناء ضد القوات الحكومية، عاد اسم جماعة "جند الإسلام" ليظهر من جديد بعد غياب دام طويلا، ولكن هذا الظهور لم يكن مرتبطاً بعمليات ضد الجيش وقوات الأمن كما عهد عنها، بل أعلنت وبشكل مفاجئ قبل أيام تبنيها لهجوم استهدف عناصر يتبعون "ولاية سيناء"، الأمر الذي من شأنه تعقيد المشهد أكثر في منطقة تشهد اشتباكات دامية.
وقالت الجماعة في تسجيل صوتي منسوب لها إن مقاتليها اشتبكوا مع مجموعة تابعة لتنظيم "ولاية سيناء" يوم الحادي عشر من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وذلك تحت ذريعة تسللهم إلى مناطق "رباط" الجماعة ما أسفر عن مقتل عناصر "ولاية سيناء" واثنين من "جند الإسلام".
وطالبت عددا من قيادات "ولاية سيناء"، بتسليم أنفسهم "قبل القدرة عليهم والخضوع للحكم الشرعي جراء ما اقترفته أيديهم من جرائم بحق المسلمين".
ودعت أفراد التنظيم أيضاً إلى "التوبة وعدم القتال تحت هذه الراية التي فرقت المسلمين واستباحة دمائهم المعصومة وأعراضهم المصانة بلا برهان ولا دليل شرعي".
اقرأ أيضا: مركز مصري يرصد خسائر الجيش والشرطة بسيناء في شهر واحد
وحاولت "جند الإسلام" تسويق نفسها في سيناء، عبر وصف عناصر "تنظيم الدولة" بـ"الخوارج"، واتهامهم باستهداف عوام المسلمين هناك و"فرض الحصار على غزة".
من هي جماعة جند الإسلام؟
ترتبط الجماعة فكريا بتنظيم القاعدة، وتعمل في سيناء بعد اندلاع ثورات الربيع العربي، وينسب لها عمليات التفجير التي كانت تستهدف خط الغاز بين مصر وإسرائيل والأردن، كما تبنت الهجوم على مقر المخابرات الحربية في رفح عام 2013، والذي أسفر عن 6 جنود وإصابة 17 آخرين.
خرجت الجماعة من تحت عباءة ولاية سيناء التي كانت قد بايعت تنظيم الدولة عام 2014، وذلك بعد خلافات نشبت حول بعض الوسائل المرتبطة بالأهداف ومواجهة الخصوم، وأعلنت الجماعة رفضها لممارسات "ولاية سيناء"، وقامت بشن عمليات ضدهم.
الخبير في الجماعات الإسلامية حسن أبو هنية قال إن هذه الجماعة برزت مع نحو 11 جماعة أخرى عام 2011، وكانت قد بايعت أيمن الظاهري زعيم تنظيم القاعدة.
وقال أبو هنية لـ"عربي21": "إن أفرادا في الجماعة رفضوا البيعة لتنظيم ولاية سيناء، واتخذوا مسارات أخرى. فبعضهم دخل في حالة كمون، ولم ينفذ أي عمليات، ومنهم جماعة المرابطين التي ينتمي إليها هشام عشماوي الضابط السابق في الجيش المصري، والتي انشقت عن أنصار بيت المقدس عام 2015".
وأضاف الخبير: "بعد ما فرضت ولاية سيناء سيطرتها على مناطق واسعة في شمال سيناء وانتهاجها نفس أساليب التنظيم الأم في العراق وسوريا؛ عادت بعض المجاميع لتتكون من جديد ووجهت اتهامات للتنظيم بممارسة القتل والملاحقة للأهالي والتشدد".
تحالف مع القبائل
وحول أعداد "جند الإسلام" قال أبو هنية: "حجم المجموعة صغير، ولا يعرف مدى تسليحهم وقدرتهم، وقادتهم على الأرض ليسوا معروفين بدقة، وفي أحسن الحالات قد يبلغ تعدادهم من 200 عنصر".
لكن أبا هنية لفت إلى وجود شكوك تحوم حول "جند الإسلام" خاصة بعض أنباء عن تحالفهم مع قبائل الترابين التي تتحالف مع الجيش المصري ضد مسلحي ولاية سيناء، ولم يستبعد أن تكون الجماعة مخترقة بحيث يجري استثمارها من قبل النظام المصري، بهدف إحداث استنزاف للجماعات المسلحة في سيناء وإشغالها بنفسها. وأضاف: "هناك شكوك حول طبيعة هذه الجماعة وأهدافها".
اقرأ أيضا: "ولاية سيناء" يقتل 9 سائقين وضابط جيش وسط سيناء (فيديو)
وجوابا على سؤالنا حول شكل العلاقة مستقبلا بين الطرفين على ضوء الاشتباك الأخير بينهما قال أبو هنية: "من الواضح أن هناك حالة تشبه المشهد في أفغانستان والعراق وسوريا، فالتنافس بين القاعدة وتنظيم الدولة قائم، ولكن هناك شك في أن تستطيع القاعدة أن توجد نوع من الروابط بين الأذرع التي تحمل فكرها وتظهر بحضور كبير".
وتابع : "القاعدة تاريخيا لم تتمكن القاعدة من تأسيس قواعد وهياكل قوية في مصر وفي سيناء تحديدا، وهي غير قادرة على تشكيل روابط واضحة".
من جهته قال الخبير في الجماعات الإسلامية منير أديب إن "ولاية سيناء" يُعاني من انشقاقات داخلية دفعت لخروج جماعة تسمى "جند الإسلام" على التنظيم الأكثر قسوة، والذي سيطر على الأوضاع في سيناء منذ إعلان المبايعة لتنظيم "الدولة" قبل ثلاث سنوات.
وأشار في حديث لـ"عربي21" إلى أن الخلافات بدأت تدب بين "جند الإسلام" و"ولاية سيناء" وأغلبها كانت خلافات منهجية لها علاقة بالشرع، فتنظيم القاعدة وأتباعه من جند الإسلام كانوا يرفضون قتل المدنيين، كما كانوا يرفضون الإفراط في ذلك وكانوا ضد عمليات الذبح.
وأضاف أن الخلافات تطورت بين جند الإسلام وولاية سيناء، مما جعل الأخيرة تقوم بتصفية بعض الخارجين عنها حتى إذا ما قويت شوكة جند الإسلام عادت لسابق عهدها وبدأت بتنفيذ عمليات مسلحة ضد تنظيم الدولة وقياداتها.
ولفت إلى أن الوضع بين جند الإسلام وتنظيم الدولة مرشح للتطور، وقد يغري جماعات وتنظيمات سبق وأعلنت مبايعتها لأبي بكر البغدادي، وبالتالي قد تكون هناك سلسلة من الانشقاقات خلال الفترة القادمة.
وذكّر بأن جند الإسلام هي المسؤولة عن عشرات التفجيرات التي تمت في سيناء ضد أنابيب الغاز، مشيرا إلى أن "طبيعة عملياتها تختلف عن عمليات ولاية سيناء"، فالأولى تستهدف الضباط وتسعى لتنفيذ مخططها دون إراقة الدماء مقارنة بتنظيم الدولة التي توغلت في ذلك، وهو سبب الخلاف بينهما.
وكانت "عربي21" قد اتصلت بالدكتور صلاح سلام أحد القيادات البارزة لقبائل شمال سيناء والذي نفى علمه بالقتال الدائر بين جماعة "جند الإسلام" و"ولاية سيناء"، لكنه أشار إلى أن اسم الجماعة يتردد بين القبائل، ولفت إلى وجود حلف بين الجيش المصري وقبائل الترابين التي تقاتل "ولاية سيناء" نافيا علمه في ذات الوقت بوجود أي تحالف قائم بين القبائل و"جند الإسلام".
اتهامات للنظام المصري بقصف درنة وحفتر ينفي مسؤوليته
ماذا وراء إطاحة السيسي بصهره رئيس الأركان وإقالات الداخلية؟
لماذا لا يستبق الأمن المصري المسلحين بدل الثأر منهم؟