قد يبدو العنوان غريبا للبعض، وسيبدو التطرق لهذا الموضوع بالتأكيد دخولا في "عش الدبابير" بالنسبة للكثيرين، وهم على حق، فالخوض في هذه المواضيع الحساسة في ظل حالة الاستقطاب حادة السقف؛ مغامرة، لكن أرجو أن تكون محسوبة.
ثمة نقاش ساخن يدور منذ أيام حول الموقف المفروض اتخاذه في حال نشبت مواجهة عسكرية بين دولة الاحتلال الصهيوني وحزب الله في لبنان، وهو نقاش لم يكن موجودا - إلا باستثناءات بسيطة لا يبنى عليها - في 2006، أي قبل تدخل الحزب لصالح النظام في سوريا.
اليوم، ثمة نبرة عالية ومنتشرة جدا؛ تقول إن الحزب قد أجرم في سوريا بما لا يترك أي مجال للتعاطف معه أو الوقوف بجانبه، حتى في حرب اعتداء صهيونية عليه في لبنان. وهي نبرة عابرة للدول والتوجهات السياسية، فليست مقتصرة على السوريين الذين اكتووا بنار الحزب، ولا على تيار سياسي بعينه، وإنما نجدها منتشرة بين شباب ومواطني عدة دول عربية، ومن مختلف التوجهات.
فقد الحزب رصيده الأخلاقي ومصداقيته عند الكثيرين في عموم العالم العربي كحركة مقاومة ضد الاحتلال وساعية للحرية؛ بعد موقفه المعاكس تماما في سوريا
ربما أن حربا وشيكة على الحزب في لبنان ليست أمرا مقطوعا به، فقد يكون الأمر في نهايته مجرد ضغط للحصول على تسوية بشروط أفضل
ينبغي أولا الإشارة إلى أن حربا وشيكة على الحزب في لبنان ليست أمرا مقطوعا به، بل لا أراها مرجحة في المستقبل القريب، وإن كانت هناك إشارات عديدة على ذلك، فقد يكون الأمر في نهايته مجرد ضغط للحصول على تسوية بشروط أفضل، كما جاء في حديث الحريري مع تلفزيون المستقبل. لكنني هنا أناقش المنطلقات التي يجب أن تصوغ الموقف من هذه الحرب المفترضة، سواء حصلت أم لم تحصل، فهذا احتمال سيبقى قائما، إن لم يكن اليوم فغدا، ولعل نقاش منطلقات الموقف ومسوغاته ومحدداته أهم - برأيي - من مجرد إعلان موقف قد لا يقدم ولا يؤخر في المشهد.
في البداية، ليس هناك لوم على من لم يعد يرى في حزب الله حركة مقاومة، بل باعتباره جزءا من منظومة القوة الإيرانية في المنطقة، والتي تتواجد في عدة دول عربية (بغض النظر عن الموقف من القوة المواجهة لها: السعودية)، لا سيما من الإخوة السوريين. لكن تجب الإشارة إلى أن الأمر ليس بهذا التبسيط ولا حدية الأبيض والأسود، بل هو في غاية التعقيد، لا سيما وأن الطرف الآخر في المعادلة هو الكيان الصهيوني.
أضع هنا بعض النقاط - باختصار أرجو ألا يكون مخلا - أراها مهمة في قراءة المشهد:
أولا، لا دور الحزب في مواجهة دولة الاحتلال يبرئ ساحته في سوريا، ولا تدخله فيها ينفي دوره في مواجهة "إسرائيل". كثير من الكيانات السياسية لها أكثر من وجه ودور ودائرة انتماء، ولا ينفي بعضُها بعضَها الآخر. وأرى أن حزب الله له وجهان: الأول في مواجهة "إسرائيل" (وليس بالضرورة بالشكل الذي نتصوره أو نريده نحن)، والثاني في إطار المشروع الإيراني الذي لا ينفي الحزب انتماءه له وائتماره بأمره.
ثانيا، إن أي اعتداء صهيوني على الحزب هو في حقيقته على لبنان، وبالتالي فالموقف الذي نتحدث عنه هو من اعتداء صهيوني على دولة عربية، وهو موقف لا يحتاج كثير تفكير وحسابات برأيي. ولأن حزب الله لا يقيم في الجبال ولا الكهوف، بل هو جزء من الشعب اللبناني وله حاضنته الشعبية ومؤسساته القائمة، فأي عدوان عليه/ على لبنان سيكون له تكلفة بشرية باهظة، فضلا عن الفاتورة العسكرية والسياسية والاقتصادية.
ثالثا، إن إدانة تدخل الحزب في سوريا إلى جانب النظام وضد الشعب؛ تفرض الوقوف إلى جانبه وجانب الشعب اللبناني بنفس المنطق والمبدأ، وليس العكس. فموقفنا هو رفض التدخل الأجنبي بكل أشكاله، ولعل نتائجه الكارثية في سوريا أكبر من أن تخفى، فكيف إن كان هذا الأجنبي هو الكيان الصهيوني؟
رابعا، الكيان الصهيوني مشروع غربي استعماري إحلالي، وهو أكبر خطر على المنطقة برمتها. فالصراع معه صفري، وعلاجه لا يكون إلا بالبتر، بينما الحزب جزء من المنطقة وشعوبها. ورغم الخصومة معه، فإن الحل - في نهاية المطاف - لن يكون إلا بالتعايش وفرض الاحترام المتبادل، ولو أتى ذلك بعد حروب ومواجهات. فكثير من الحروب الأهلية والمواجهات العسكرية الدامية تنتهي إلى تسويات تاريخية يقدم الجميع فيها تنازلات، ويبتعدون عن معادلة الصراع الصفري الذي ينهك الجميع ولا ينصر أحدا.
لا يدخل الكيان الصهيوني أي مواجهة عسكرية إلا لحساباته الخاصة، وخدمة لأهداف مشروعه، وبالتالي فلا عائد سيستفيد منه أي متضرر من الحزب وإيران
المملكة العربية "السلمانية".. مغامرة إعادة التأسيس
سعد زغلول الحريري حسينا لسنّة لبنان ومحاصرو شِعب كارلتون جائعون لتغريدة