مثّلت مناطق ورشفانة (المعمورة، الزهراء، العامرية، السعدية والماية، العزيزية) جنوب غرب العاصمة طرابلس؛ مثلث برمودا ليبيا، نظرا لما ترتكبه عصابات منتشرة في هذه المناطق من جرائم خطف وسطو مسلح، وقتل على الهوية، وبث ذعر على طول الطريق الساحلي الممتد من غرب العاصمة وحتى الحدود الليبية مع تونس.
ولم ينجح ائتلاف قوات من مدينة مصراتة وطرابلس، إبان عملية فجر ليبيا، في آب/ أغسطس 2014، في اقتحام هذه المناطق وترويض من فيها من العصابات، أو المدعين فيها تأييد نظام العقيد الراحل معمر القذافي، إذ إن العمليات العسكرية وقفت على حدود تلك المناطق؛ خارج طرابلس.
وانتهت سيطرة المؤتمر الوطني العام وحكوماته المتعاقبة عند هذه الحدود، ولم تتمكن أي قوة منذ ذلك الوقت من ترويض هذه المناطق وإخضاعها. فمارست العصابات المنتشرة في ورشفانة أبشع أنواع الجرائم، كالعثور على جثة الطفل عبد الإله عبد الله دغنوش، البالغ من العمر 12 سنة، الذي خطف في يوم 18 كانون الأول/ ديسمبر عام 2015؛ بمنطقة صياد غرب العاصمة طرابلس، بعد عجز ذويه عن دفع الفدية المطلوبة.
إضافة إلى ذلك، مثلت ورشفانة رهانا للواء المتقاعد خليفة حفتر، وذلك في أن يجعلها خنجرا في خاصرة حكومة الوفاق الرخوة (غرب العاصمة طرابلس)، إلا أن قادة ورشفانة العسكريين تذبذبوا بين تأييد حفتر أو رفضه، كونه لديهم يعد خائنا لنظام العقيد القذافي.
استثمر حفتر ورقة ورشفانة، على الأقل إعلاميا، وذلك بالترويج بأن أكبر منطقة جغرافية تضم قبيلة واحدة غرب البلاد؛ تؤيد عملية الكرامة، وتخضع لقيادته المسلحة
إلا أن
حفتر استثمر ورقة ورشفانة، على الأقل إعلاميا، وذلك بالترويج بأن أكبر منطقة جغرافية تضم قبيلة واحدة غرب البلاد؛ تؤيد عملية الكرامة، وتخضع لقيادته المسلحة، القابعة في قمة الرجمة شرق بنغازي، وهي تمثل لحفتر ورقة تفاوضية أكثر من مهمة، في موقعه القادم.
وفي ضربة مفاجئة خارت قوة ورشفانة في غضون عدة أيام، تحركت قوات تحت إمرة آمر المنطقة الغربية، التابع لحكومة الوفاق الوطني، اللواء أسامة الجويلي؛ القادم من مدينة الزنتان. ساعدته في ذلك عدة تحالفات صغيرة في مناطق غرب طرابلس، أبرزها مجموعة ضباط وعسكريين من منطقة صبراتة، وقوات أخرى تابعة لحكومة الوفاق من العاصمة طرابلس، بإمرة هيثم التاجوري، قائد كتيبة ثوار طرابلس.
قبضت قوات المنطقة الغربية على من قبضت من عصابات ورشفانة، وأسرت من أسرت، وانتهت أساطير لطالما رش عليها الليبيون بهاراتهم الخاصة في مواقع التواصل الاجتماعي، وفي جلساتهم الخاصة، كأسطورة جيش القبائل الموالي للنظام السابق، وأسطورة الجبهة الشعبية لتحرير ليبيا، وغيرها من الفقاعات التي تصنعها الشعوب المتأزمة.
المستفاد من درس ورشفانة؛ هو القضاء التام والنهائي على ما يروجه إعلام عملية الكرامة، من أن لحفتر سلطة وسيطرة ونفوذ على مناطق غرب طرابلس، وأنه قادر بقواته المرابطة في غرب البلاد على غزو طرابلس وتركيعها لسلطته.
اللافت أيضا أن كثيرين كانوا يتصورون أن قبائل ومدنا ستنضم لحفتر، إما للروابط القبلية، كمدينة ترهونة التي تقطنها غالبية قبيلة الفرجان التي تعود أصول حفتر إليها، أو قبيلة الورفلة الغاضبة من بعض تصرفات أنصار ثورة شباط/ فبراير. إلا أن شيئا من ذلك لم يحدث، والتزم الجيمع الصمت، وشاهد الجميع المعركة القصيرة وهي تنتهي لصالح
حكومة الوفاق، إن جاز التعبير.
كما أن درس ورشفانة سيكون ماثلا أمام أعين أي مغامر يحاول زعزعة استقرار مناطق ومدن غرب العاصمة طرابلس. فكسر شوكة ورشفانة، التي تعد الأكبر مساحة وعددا من السكان غرب طرابلس، سيكون بمنزلة تحذير شبه نهائي لكل من يحاول اقتناص الفرص والقفز على الأوضاع الراهنة.
لا يمكن إنكار أن تخوفات وخشية بثها كثيرون؛ من إمكانية عودة نفوذ مدينة الزنتان، وهي التي خرجت بالأمس القريب (2014) على يد ائتلاف قوات عملية فجر ليبيا، وأن مثل هذه العودة تمثل تهديدا لمصالح من حل محل الزنتان في طرابلس. فمثلا، المجلس البلدي في مصراتة عبّر في بيان له عن هذه المخاوف، حيث إن مصراتة هي التي تحملت فاتورة وكلفة حرب فجر ليبيا، من ناحية عدد الكتائب المشاركة وعدد الجرحى والقتلى، وهي في نهاية الأمر تخوفات مشروعة.
فقد حفتر زخما لطالما حاول استغلاله ضد اتفاق الصخيرات، والحصول من خلاله على مكاسب سياسية وعسكرية
إلا أن السياق الإقليمي والدولي والمحلي الحالي لا يسمح لأي مسلحين من الزنتان بإمكانية ممارسة أدوار ما قبل عام 2014. فمجرد الخروج على حكومة الوفاق القادمة عبر اتفاق الصخيرات؛ سيحوّل تلك الكتائب من بند المشروعية، إلى خانة المارقين، وهي فاتورة ليس من السهل تحملها في الوقت الراهن، إضافة إلى أن المتيقظين من كتائب طرابلس؛ يعون جيدا أن عودة نفوذ الزنان هو مقاسمة عاصمة هي الآن خالصة لهم، بعد طرد أغلب كتائب مصراتة من العاصمة العام الجاري، وهو ما لا يمكن أن تسمح به كتائب طرابلس.
وفي نهاية المطاف، فقد حفتر زخما لطالما حاول استغلاله ضد اتفاق الصخيرات، والحصول من خلاله على مكاسب سياسية وعسكرية، أكثرها متوهمة، وجزء منها تؤيده الواقعية السياسية.