نشر موقع "بلومبيرغ" تقريرا لكل من فيفيان نيريم وغلين كاري، يقولان فيه إن "الثورة
السعودية من القمة لا تتسامح مع النقاد"، مشيرين إلى الكيفية التي وقف فيها رجال الدين، مختارين أو مجبرين، مع قرار الملك سلمان رفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن "الشيخ محمد العريفي لم يعرف عنه أنه مدافع عن حقوق المرأة، خاصة أنه تحدث في شريط فيديو عن كيفية ضرب المرأة، لكنه كان من المرحبين بالقرار، وانضم قادة دينيون آخرون كانوا معادين لموضوع القيادة لقائمة المرحبين".
ويرى الكاتبان أن سبب الموافقة هو ما شاهده هؤلاء قبل أسابيع مما حدث لمن رفضوا القرارات الحكومية، حيث اعتقل عدد من الدعاة والناشطين بتهمة نشر الدعاية المتطرفة.
ويتحدث الموقع عن رؤية ولي العهد الأمير
محمد بن سلمان لفتح المملكة واقتصادها ومجتمعها للعالم، مستدركا بأن هذه الجهود ترافقت مع إغلاق وتكميم الحريات التي كانت موجودة من قبل.
وينقل التقرير عن الخبير في شؤون الشرق الأوسط في جامعة نانيانغ للتكنولوجيا في سنغافورة جيمس دورسي، قوله إن المملكة أصبحت "أكثر قمعا من السابق"، وطلقت عهد الملك عبدالله، الذي كان يسعى دائما "للإجماع"، مشيرا إلى أن عائلة الملك سلمان لا تتسامح مع النقد.
ويقول الكاتبان: "لم يعد للمؤسسة الدينية تأثير، ولم تعد الحكومة تمنح الإصلاحيين خطوات لترضيتهم، فبعد وفاة الملك عبدالله وتولي الملك سلمان العرش عام 2015، بدأ التحول السريع، وبصعود محمد بن سلمان ضاقت دائرة القرار، بحيث أصبح الأمير يسيطر على معظم القرارات المهمة في الدولة".
ويستدرك الموقع بأنه "رغم وعود ابن سلمان بتقديم رؤية تجديد للمملكة، إلا أنه لم يتسامح مع معارضيه، مع أنه حاول جذب نقاده إلى جانبه، وظهر مثلا بصورة مع العريفي، والتقى مع رسام كاريكاتير، إلا أن تغييرا على هذه القاعدة يبدأ من القمة، ويرى أنصار الأمير أنه يحتاج ليد قوية لتنجزه".
ويورد التقرير نقلا عن مدير المؤسسة العربية في واشنطن علي الشهابي، قوله: "تحتاج ليد قوية لتنجز هذا الأمر دون إثارة الفوضى"، وأضاف أن "المملكة تشهد تحولات جيلية في وراثة العرش والحكومة، اتخذت قرارات صعبة لإعادة تشكيل البلد، وتعاني من هجمات الجهاديين السنة والشيعة وإيران"، ويرى أن البحث عن إجماع سيكون مضيعة للوقت؛ بسبب الفجوة بين المحافظين والليبراليين، التي من الصعب ردمها.
ويلفت الكاتبان إلى أن النقاد يعتقدون غير ذلك، مثل الصحافي جمال خاشقجي، الذي قال إن "السعودية لم تكن أبدا مجتمعا مفتوحا، وفي الوقت ذاته لم تكن مملكة الخوف"، ويرى أن الموجة الأخيرة من الاعتقالات "هي جزء من إغلاق مساحة حرية التعبير"، حيث لم يتأثر فقط الدعاة ورجال الدين المعارضون بمناخ الخوف، بل الليبراليون أيضا.
ويفيد الموقع بأن السعودية، التي لم تكن تهتم في الماضي بالاتصالات، قامت الآن بتعيين متحدثة باسم السفارة في واشنطن، واستعانت بشركات علاقات عامة لتحسين صورتها، كما استعانت مكاتب الحكومة في الرياض بالشباب المتعلمين والعارفين بتكنولوجيا التواصل، الذين يتحدثون اللغة الإنجليزية.
وينوه التقرير إلى أن تيم كوبر من مؤسسة "بي أم آي" في لندن وصف التحول بأنه يعد "انقلابا عالميا في مجال العلاقات العامة"، مشيرا إلى أن السماح للمرأة بالقيادة والإعلان عنه كان ناجحا، و"هذه أمور مهمة لتجعل السعودية على الخريطة وتجلب الاستثمارات".
ويعلق الكاتبان قائلين إن التحكم في الخطاب داخل المملكة ممكن أكثر من خارجها، حيث عبر خاشقجي عن آرائه في مقال نشرته صحيفة "واشنطن بوست"، قال فيه إن المملكة لم تعد "تحتمل"، لافتين إلى أن مناخ القمع متواصل في البلاد، حيث تم اعتقال 22 شخصا بتهم تحريض الرأي العام عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ما دفع الكثير من المتعلمين والنخبة للتفكير بمغادرة البلاد، ونقل عن أحدهم، قوله إنه يبحث عن فرصة رغم حبه لبلده وأمله بنجاح الإصلاح.
وبحسب التقرير، فإن "الحزم لم يقتصر على السياسة الداخلية، بل ضم السياسة الخارجية، من خلال حرب
اليمن وحصار
قطر، ومع أن الأمير لم يحقق إنجازات في هذين القرارين، لكن المشاعر الوطنية عالية، فصوره في كل مكان، وحتى صناديق العصير تحمل الرموز الوطنية، وهناك طائرات وجنود يؤدون التحية العسكرية، وتتقاطع هذه مع حملة الملاحقة لمن يثبت تعاطفه مع قطر، أو بحسب مستشار الديوان الملكي سعود القحطاني (هاشتاغ القائمة السوداء)، الذي دعا لتسمية المواطنين لملاحقة (المرتزقة) ممن يتعاطفون مع قطر".
ويختم "بلومبيرغ" تقريره بالإشارة إلى أن الهاشتاغ استهدف كوميديّا نشر أفلامه على "يوتيوب"، وناشطة اعتقلت قبل سنوات بسبب قيادة السيارة، وخاشقجي الذي وصم بالخائن والمرتزق، ووصف الجو في المملكة بأنه مثل عالم جورج أورويل للأنظمة القمعية.