نشر موقع "بلومبيرغ" مقالا لكاتب الرأي ومؤسس اليومية الاقتصادية الروسية "فيدوموستي" وموقع الرأي "سلون. روسيا" ليونارد بيرشدسكي، عن الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة للتدخل في
سوريا، محللا مذكرة صريحة قدمها وزير الدفاع في عهد باراك
أوباما، آشتون
كارتر، مشيرا إلى أنها تمثل فرصة للتعرف على استراتيجية الرئيس أوباما في سوريا.
ويقول بيرشدسكي إن "رؤية الوزير السابق العميقة تثير سؤال: لماذا تدخلت أمريكا في سوريا؟ ويرد كارتر بأن الهدف الواضح هو لتأكيد دورها في هزيمة
تنظيم الدولة، مؤكدا أن العمليات العسكرية الفعالة ضد تنظيم الدولة والمعارك الرئيسية المهمة، خاصة ضد الموصل والرقة، لم تتشكل بطريقة عملية إلا بعد توليه منصب وزير الدفاع في شباط/ فبراير 2015، وبعيدا عن الموقف الذي يحاول تأكيد الدور الشخصي، إلا أن المذكرة المكونة من 45 صفحة تصف جهودا لم تجد الكثير من الداعمين لها".
ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن "كارتر يربط بين ظهور تنظيم الدولة وانسحاب القوات الأمريكية من
العراق، إلا أن سكان المنطقة لم يكونوا داعمين لفكرة غزو جديد أو قوات كبيرة حتى بعد إعلان الجماعة الإرهابية عن (دولة)، ويقول الوزير السابق إنه حاول خلال الفترة التي تولى فيها منصب وزير الدفاع إقناع رئيس الوزراء حيدر العبادي بالقبول بزيادة أعداد القوات الأمريكية، كما أن القوات العراقية ترددت في القتال، الأمر الذي أزعج كارتر والجنرالات الأمريكيين الذين ظلوا يدفعون باتجاه التحرك العسكري".
ويفيد بيرشدسكي بأن "الحكومة السورية لم ترحب بالتدخل الأمريكي، ولا بفكرة تدريب وتسليح المقاتلين السوريين وإعدادهم في معسكرات تدريب في الأردن وتركيا، ومن ثم إدخالهم ليشاركوا في العمليات ضد تنظيم الدولة في سوريا، وحتى بعد تأكيد الإدارة أن هذه القوات لن تتدخل في الحرب الأهلية السورية، إلا أن رئيس النظام السوري بشار الأسد كان يعي موقف الأمريكيين منه، وبعد ذلك غير كارتر الخطة، وحوّل الدعم الأمريكي باتجاه الجماعات الموجودة، و(كان المقاتلون الحقيقيون كلهم جزءا من جماعات تريد قتال الأسد وتنظيم الدولة)".
ويجد الكاتب أن "هذا كله دفع الأسد للحديث مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي رأى في التدخل الأمريكي محاولة لتغيير النظام، وهو أمر عارضه في ليبيا، وتشاجر مع ديمتري مدفيديف، الذي سمح بالتدخل الغربي هناك دون تحديه، فمن خلال تسليح وتدريب المعارضة السورية فإن إدارة أوباما، وبالتأكيد كارتر، إن كان هو الشخص الذي غير الاستراتيجية، دفعا روسيا للتدخل وحماية النظام السوري".
ويلفت بيرشدسكي إلى أنه "بعد أن أرسل بوتين طائراته وقواته في أيلول/ سبتمبر 2015، فإن كارتر يتذكر أن الرئيس الروسي حاول بناء عدة أشكال من التعاون مع الولايات المتحدة: (من اللحظة الأولى حاولت روسيا ربطنا والحملة المضادة لتنظيم الدولة بما تقوم بفعله في سوريا، وتحدثوا (الروس) بشكل مستمر للعالم عن رغبتهم بالتعاون والتنسيق معنا، وطلبوا التشارك في المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بالأهداف)، ورفض كارتر هذه المقترحات؛ لثلاثة أسباب رئيسية، فالتعاون مع روسيا المرتبطة بإيران وسوريا كان سيضعف من عزيمة حيدر العبادي للعمل مع الولايات المتحدة، وثانيا كان هذا سيربط الولايات المتحدة بالحملة الوحشية الروسية، وأخيرا -وربما كان هذا السبب الرئيسي لرفض إدارة أوباما- هو أن التعاون سيمنح روسيا دورا قياديا لا تستحقه في الشرق الأوسط".
ويبين الكاتب أن "التفاعل غير المنتج مع الروس ومحاولات كارتر منع وزير الخارجية جون كيري من عقد صفقة مع بوتين، تؤدي إلى تنسيق عسكري وليس تجنب الصدام، تم وصفه في فصل تحت عنوان (المخربين والمتفرجين)، وتضم هذه القائمة بالإضافة إلى روسيا وإيران، تركيا، التي قال وزير الدفاع السابق إنها (تسببت بتعقيدات في الحملة)، بالإضافة إلى الجيران العرب ودول الخليج، التي كانت كما يكتب كارتر (ناشطة في عمليات الضغط والعلاقات العامة، دون أن يترجم هذا إلى فعل ميداني)، وعليه فإن وثيقة كارتر تشير إلى أن مصالح الولايات المتحدة لم تكن منسجمة مع العراق وإيران وروسيا وتركيا وحكومة الأسد ودول الخليج".
ويتساءل بيرشدسكي قائلا: "بناء عليه، هل كان للولايات المتحدة حلفاء متحمسون لها؟"، ويجيب قائلا إن "هناك بعض المعارضين للأسد من غير فصائل تنظيم الدولة والأكراد، الذين كان دعم الولايات المتحدة لهم سببا في محاولات تركيا (التخريب)، وهناك البعض ممن كان يريد تدخل أمريكا لأسباب غير محاربة تنظيم الدولة، والآن وقد صوت الأكراد لصالح دولة مستقلة، فقد ثبت للعبادي كل ما كان يحذر منه تجاه التدخل الأمريكي".
ويعلق الكاتب قائلا إن "محاربة أمريكا لتنظيم الدولة جعلها (تدعس) على قدم الجميع في المنطقة المهتزة والملتهبة المتشككة من التدخل الأمريكي، خاصة بعد مغامرات العراق وليبيا، ويقدم كارتر إضاءة على الطريقة التي حدث فيها ذلك بالإضافة إلى آلية هزيمة تنظيم الدولة، وهو ما يوضح أن السلام فيها لن يتحقق حتى بعد خروج تنظيم الدولة من المعادلة، وعبر كارتر عن قلقه من (تخلف جهود إحلال الاستقرار الدولية عن الحملة العسكرية)، ويطرح أسئلة حول ما كان سيحدث لو تركت أمريكا للنظام السوري وحلفائه من جهة وتركيا هزيمة تنظيم الدولة".
ويخلص بيرشدسكي إلى القول: "على العموم، فإن التدخل الأمريكي تزايد بعد رحيل أوباما، بشكل يجعل من الاستقرار والسلام في كل من سوريا والعراق حلما بعيد المنال، وتحاول دول في الشرق الأوسط وجماعات مسلحة التعامل مع الثلاثي: روسيا وأمريكا وتركيا، الذي يقود لعبة القوة، ومن حق كارتر أن يفخر؛ لأنه أدى دورا في ولادة هذا المثلث الجديد الخطير".