نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا لمراسلها رود نوردلاند، حول استسلام أعداد كبيرة من مقاتلي
تنظيم الدولة في
الحويجة، وتسليم أنفسهم لقوات البيشمركة الكردية، حيث تقوم المخابرات الكردية بالتحقيق معهم.
ويبدأ الكاتب تقريره بوصف مشهد في مركز التحقيق في بلدة دبس في شمال
كركوك، حيث تم جلب أربعة رجال ربطت أيديهم من الخلف، وأمروا بالوقوف ووجوههم إلى الحائط، في انتظار دخول غرفة التحقيق.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أنه مر من ذلك المركز على مدى الأسبوع الماضي حوالي ألف من مقاتلي تنظيم الدولة، الذين سلموا أنفسهم بعد الهروب من معقلهم في الحويجة، لافتا إلى أن "هذا أمر غريب بالنسبة لتنظيم يدعي مقاتلوه أنهم يفضلون الانتحار على الاستسلام، ولكن التنظيم عانى من سلسلة من الهزائم في
العراق وسوريا".
وتذكر الصحيفة أن معركة الموصل استمرت تسعة أشهر، في حين لم تأخذ استعادة تلعفر سوى 11 يوما، حيث استسلم 500 من مقاتلي تنظيم الدولة، أما الحويجة، فاستغرق الأمر 15 يوما، منها 3 أيام قتال شديد، وبعدها بدأ مقاتلو التنظيم بتهريب عائلاتهم خارج المدينة.
ويكشف نوردلاند عن أن من استسلموا للبيشمركة أخدت منهم أحذيتهم، وفرغت جيوبهم، وأخذت أحزمتهم، وربطت أيديهم للخلف، وكانت بقع ملابسهم توحي بأنهم لم يستخدموا المراحيض لعدة أيام.
ويقول الكاتب إن "رائحة قوية كانت تصدر عن أحد هؤلاء الرجال، حتى أنه عندما أدخل إلى غرف التحقيق الصغيرة، فوجئ المحققون الجالسون فيها، وبالرغم من صغر جسمه، إلى أنه بدا أكبر من حجمه الفعلي، وقام المحقق بفك مسدسه وإمساكه بيده اليمنى، وكان المحققون خائفين منه، بالرغم من أنه مقيد اليدين، وكان شعر الرجل أسود طويلا يصل إلى كتفيه، أما وجهه الذي بدا وسيما فلم يكن به سوى شعر قليل، وسأله أحدهم: (أين لحيتك؟)، حيث يطلب تنظيم الدولة من الرجال جميعهم إطلاق لحاهم، فأجابه وقد بدا عليه الإحراج: (عمري 21 عاما فقط ولم ينمو شعر لحيتي بعد)".
ويلفت التقرير إلى أن المحققين
الأكراد سمحوا للصحافيين بإجراء مقابلات مع عدد من مقاتلي تنظيم الدولة الذين سلموا أنفسهم، ووصلوا إلى المركز المحلي للمخابرات الكردية في بلدة دبس بالقرب من الخطوط الكردية الأمامية مع الحويجة، لكن المقابلات جرت تحت رقابة ضباط المخابرات.
وتفيد الصحيفة بأن "العديد من المقاتلين ادعوا أنهم كانوا مجرد طباخين أو كتبة، وكثير منهم قالوا للمحققين إنهم انضموا لتنظيم الدولة لشهر أو شهرين، فظن المحققون أنه تم تدريبهم على قول ذلك في التحقيق، وبالرغم من أن الحويجة شهدت أبشع عمليات القتل الموثقة بالفيديو، خاصة لسجناء أكراد خلال ثلاث سنوات من الرعب، إلا أن السجناء يدعون أنهم لم يشهدوا أي قطع للرؤوس أو يسمعوا بها".
ويقول نوردلاند: "بدا اعتراف الشاب غير الملتحي، بأنه كان عضوا في التنظيم وقاتل معه لمدة عامين مع أعضاء آخرين من عائلته استثنائيا في البداية، وأعطى اسمه ميثم محمد مهيمن، وكان يجلس في كرسي بلاستيكي أحمر، ويداه خلفه، ومع ذلك بقي المحققون الأكراد على مسافة منه؛ خشية أن ينقض على أسلحتهم، وقال خلال المقابلة إنه من الحويجة، وإنه انضم للتنظيم لأنه كان يؤمن برسالته، ولأن شقيقه الأكبر انضم إلى التنظيم، وبسبب المئة دولار التي كان يتقاضاها، وهو أفضل ما كان متوفرا".
وينوه التقرير إلى أن مهيمن وصل إلى دبس يوم الخميس مع 8 من زملائه، 7 عراقيين و مصري، بعد إلقائهم للسلاح في الحويجة صباح ذلك اليوم، مشيرا إلى أنه منذ بدء الهجوم العراقي على الحويجة، اختبأ هؤلاء المقاتلون في خنادق في الأرض ليتجنبوا قصف الطائرات الأمريكية والقوات العراقية المتقدمة، حيث مرت عليهم أيام دون أكل أو مرافق صحية.
وتذكر الصحيفة أن "والي الحويجة" طلب أخيرا من الرجال أن يسلموا أنفسهم للبيشمركة الكردية؛ للهروب من الجيش العراقي الزاحف والمليشيات الشيعية المدربة إيرانيا،
مليشيات الحشد الشعبي، المشهور عنها قتل مقاتلي الدولة وعائلاتهم معهم، حيث قال مهيمن: "قال لنا الوالي أن يحل كل واحد منا مشكلاته وحده .. وقال اذهبوا إلى البيشمركة وليس للحشد"، وأنكر مهيمن أنه شاهد عمليات قطع رؤوس، لكنه اعترف لاحقا بأنه حضر إحداها؛ لأنه أمر بذلك، وقال: "كنت خائفا.. لم أر شيئا مثل ذلك في حياتي".
ويعلق الكاتب قائلا: "فرصه قليلة، وقد سبقته زوجته الحامل إلى دبس بأسبوع، لكن احتمال أن يراها أو أن يرى طفلهما الأول هو احتمال ضئيل، لقد قتل شقيقه الأكبر في المعارك، أما والده وشقيقه الأصغر فاختفيا".
وينقل التقرير عن المحقق الملازم بسثوان صلاحي، قوله إن مهيمن ليس جنديا عاديا في تنظيم الدولة، بل هو عضو في وحدة الانتحاريين، بحسب المخبرين، مشيرا إلى أنه إذا أدين بتلك التهمة فإن سجنه سيكون طويلا، وإن ارتبط بقتل أحد فسيحكم عليه مدى الحياة.
وتستدرك الصحيفة بأن رواية مهيمن مختلفة، فهو يقول إنه كان جنديا عاديا، وإنه لم يقتل أي مدنيين، وبأنه لم يذهب إلى الجبهة سوى مرتين، لافتا إلى أنه لم يقاتل الأكراد، وأنه كان يطلق النار من بعيد.
ويبين نوردلاند أن المسؤولين الأكراد احتاروا بأعداد مقاتلي التنظيم الذين استسلموا، وكثير منهم قالوا إن قياداتهم أمرتهم بتسليم أنفسهم للأكراد، الذين عرف عنهم أنهم يأسرون ولا يقتلون، حيث قال رئيس المحققين في دبس الكابتن علي محمد سيان: "يبدو أن المقاتلين أنفسهم لا يعرفون لماذا أمرهم قادتهم بتسليم أنفسهم، فقد تكون هناك صفقة، وقد يكون ذلك بسبب المعنويات المتدنية، لا أدري".
ويوضح التقرير أنه بهدف التعرف على المقاتلين، فإن ضباط المخابرات الأكراد يعكفون على دراسة فيديوهات من الحويجة، مثل تلك التي تم فيها استعراض الأسرى من البيشمركة وقد ألبسوا بزات برتقالية، ووضع كل واحد منهم في قفص على شاحنات في طريقهم للرجم بالحجارة أو قطع الرأس أو الحرق، وشارك جماهير بالآلاف.
وبحسب الصحيفة، فإنه يتم استجواب مقاتلي التنظيم الواحد تلو الآخر، وكلهم يروون القصة ذاتها تقريبا، فيقول رعد عبدالله أحمد، (31 عاما): "بايعت تنظيم الدولة في كانون الثاني/ يناير 2015، وتركته في آذار/ مارس.. وتبرأت عائلتي مني بعد ذلك.. تخيل ألا تكون لك عائلة، لقد تركت لأنني لم أكن أحب ما يفعله التنظيم مع الناس".
ويورد الكاتب نقلا عن حسين جمال (21 عاما)، قوله إنه انضم للتنظيم في 2014، لكنه لم يبق فيه سوى 45 يوما، وسأله أحد المحققين لماذا لم يخرج قبل ذلك، فأجابه إنه كان خائفا، وسأله محقق آخر حول الأسرى لماذا هربوا بهذه الطريقة، فأجاب كلا الرجلين بأنهما يعتقدان بأن الحشد الشعبي كان سيقتلهما لو أمسك بهما، لكن الأكراد لن يفعلوا ذلك، وعندما سئلا لماذا، قال أحمد: "لأنهم أكثر تحضرا.. ويعرفون من هو جيد ومن هو سيئ".
ويقول نوردلاند إنه بعد ساعة من التحقيق بدا مهيمن منكمشا في كرسيه، وأصغر مما كان عليه، وعندما سئل إن كان يظن أنه سيرى زوجته مرة أخرى أو المولود الذي ينتظره، فإنه قال: "لا أدري" وأطرق في الأرض، وبقي الملازم ينظر إليه، وقال: "إنهم يخططون فقط للاختفاء وتشكيل خلايا نائمة".
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن مهيمن هز رأسه قائلا: "هذه هي نهاية الدولة.. فإن كان الولاة يأمروننا بالتسليم، فهذا يعني أنها النهاية"، مقسما إنه يقول الصدق.