قال الكاتب الإسرائيلي ميرون رابوبورت إن ثمة شيئا مشتركا بين رئيس السلطة الفلسطينية وشركاء الائتلاف
اليميني في إسرائيل، حسبما جاء في مقال نشره بموقع "ميدل إيست آي".
وأوضح الكاتب أن كلا من عباس وبيزاليل سموتريتز، أحد أعتى القوميين ضمن الفصيل اليميني المتطرف داخل حزب البيت اليهودي، القومي، وجها، في الأسابيع الماضية، ضربة إلى الاعتقاد بأن حل الدولتين هو السبيل الأفضل والأنجع لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وقال: "فعل ذلك عباس من خلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، أما سموتريتز فمن خلال البرنامج السياسي الذي تبناه فصيله المعروف باسم الوحدة الوطنية".
وأضاف أن السياسيين في إسرائيل دأبوا على توزيع الأدوار فيما بينهم منذ 1967، قائلا: "إن اليسار ويسار الوسط يفترض فيه أن يعرض مبادرات إنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أو يروج لها، بينما يتمثل دور اليمين في إفشالها عبر بناء مزيد من المستوطنات في الضفة الغربية وفي قطاع غزة".
وأوضح: "لم تكن جهود اليمين الأسباب الوحيدة وراء فشل ما يسمى بمبادرات السلام تلك، والتي كانت جميعا تقوم على نوع من الانسحاب الإسرائيلي من المناطق الفلسطينية مع استقلال ذاتي للفلسطينيين الذين يقيمون فيها. ولكن ما من شك في أنه ساعد على إفشالها".
واستطرد: "لذلك لم يكن اليمين الإسرائيلي ولسنوات عديدة يشعر بالاضطرار لأن يقدم أي رؤية تتعلق بحكم إسرائيل للمناطق التي احتلت في عام 1967 فيما عدا الحديث عن فكرة "إسرائيل الكبرى" المبهمة، وظل بدلا من ذلك يعتقد بأن توسيع وتعميق الاستيطان في الضفة الغربية وقطاع غزة وحده يكفي".
وأشار إلى أن "سلوك اليمين الإسرائيلي طرأ عليه تبدل خلال الأعوام القليلة الماضية، وبشكل خاص منذ تأسيس حكومة الائتلاف اليميني الحالية. فمن ناحية، ساهم الفوز في انتخابات عام 2015، وهو الفوز الثالث على التوالي لرئيس الوزراء بنيامين
نتنياهو، في تعزيز قناعة اليمين بأن أغلبيته في مأمن لسنوات عديدة قادمة وأن اليسار ليست لديه أدنى فرصة لكسب الانتخابات في أي وقت قريب".
وأردف: "ومن ناحية أخرى، فإن الموت الفعلي لعملية السلام بعد إخفاق المحادثات التي قادها جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، بالإضافة إلى استمرار التوسع في المستوطنات في الضفة الغربية، قد أقنع معظم زعماء التيار اليميني بأنهم نجحوا في جهودهم التي طالما بذلوها لوأد حل الدولتين وأنهم وأدوا معه الخطر الذي كان سينجم عن قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية".
واعتبر أن "هذا الشعور المزدوج بتحقيق نصر دائم على اليسار وإلحاق هزيمة مزعومة بنموذج الدولتين" منح "الكثير من زعماء التيار اليميني إحساسا بالثقة بالذات مما مكنهم من التسلل إلى مناطق لم يكونوا يجرؤون على دخولها من قبل، بما في ذلك اقتراح ما يبدو أنها خططا ورؤى مفصلة خاصة بهم لمستقبل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني".
وأوضح أنه "بقدر ما كانت عملية السلام تفقد من زخمها يوما بعد يوم بقدر ما كان يطرأ تبدل على المشهد السياسي داخل إسرائيل".
"وبدا أن اليسار الصهيوني لم يعد قادرا على الإتيان بأي أفكار جديدة من شأنها بعث عملية السلام من جديد. وكان ذلك جليا في مقابلة أجريت في شهر سبتمبر/ أيلول مع شلومو بن عامي، وزير الخارجية السابق، الذي شارك في المحادثات مع الفلسطينيين في كامب دافيد وفي طابا في عهد حكومة إيهود باراك في النصف الثاني من عام 2000"، يقول رابوبورت.
ونقل عن بن عامي قوله، إن حل الدولتين كان بمثابة "استرجاع للحلم الصهيوني"، ولكنه في الوقت الحالي لم يعد "جذابا بما فيه الكفاية" لأي من الطرفين. وبحسب ما ذهب إليه بن عامي فإن من المؤسف أن يتعذر تحققه على أرض الواقع إلا من خلال حدث بمواصفات كارثية غير مسبوقة.
وتابع قائلا: "ولكن بينما ينتظر بن عامي وغيره من منتسبي اليسار الصهيوني القديم ذلك الحدث الكارثي، يعكف مفكرو وسياسيو التيار اليميني على إبراز خططهم الجديدة"، مشيرا إلى أن هذه الأفكار تشترك معا في شيء واحد: "رفض قيام أي دولة فلسطينية غربي نهر الأردن".
واستدرك قائلا: "مع ذلك، لا يعني انتهاء نموذج الدولتين أن تلك الأفكار تعمل لصالح قيام دولة ديمقراطية في المنطقة الواقعة بين نهر الأردن والبحر المتوسط. ففيما عدا استثناءات قليلة جدا، يرفض كل هؤلاء السياسيين القوميين فكرة أن يتمتع الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة بنفس الحقوق التي يتمتع بها اليهود. باختصار، هم يقترحون نموذجا معدلا من نظام دولة الأبارتيد (التمييز العنصري)".
وأوضح أن ناتالي بينيت، رئيس حزب البيت اليهودي، اقترح خطة بضم المنطقة جيم من الضفة الغربية، والتي تعادل ما يقرب من ستين بالمائة من مساحة المناطق التي يحتلها المستوطنون الإسرائيليون ويقطن فيها ما يقرب من مائة ألف فلسطيني، مشيرا إلى أن هذا يترك باقي الفلسطينيين في الضفة الغربية تحت نوع من الحكم الذاتي بلا دولة.
وتابع الكاتب أن ميكي زوهار، النائب في الكنيسيت عن حزب الليكود الذي يترأسه نتنياهو، اقترح أن تقوم إسرائيل بضم كل الضفة الغربية وأن تعطي الفلسطينيين حقوق إقامة فقط لا غير، بمعنى أنهم سيكون بوسعهم التصويت في انتخابات مجالسهم المحلية ولكن ليس في انتخابات البرلمان الإسرائيلي.
وأضاف أن آخرين اقترحوا أن يتحول الفلسطينيون إلى مواطنين أردنيين بإمكانهم التصويت في انتخابات البرلمان الأردني بينما يستمرون في العيش تحت الحكم الإسرائيلي بشكل كامل.
وأكد أن سموتريتز ذهب خطوة أبعد من ذلك، إذ تقترح "خطة التطويع" التي خرج بها أن تضم إسرائيل الضفة الغربية بشكل رسمي وأن تعرض على الفلسطينيين ثلاثة خيارات: إما أن يهاجروا إلى خارج فلسطين بمساعدة السلطات الإسرائيلية، وإما أن يقبلوا بالعيش داخل "الدولة اليهودية" دون حقوق سياسية، وإما أن يواجه عدد منهم القمع الشديد بسبب رفضهم التخلي عن طموحاتهم الوطنية.
وبين أن فصيل "الوحدة الوطنية"، وهو جزء من حزب البيت اليهودي، أعلن قبل ثلاثة أسابيع عن تبينه لخطة سموتريتز. "وتلك هي المرة الأولى في التاريخ الإسرائيلي التي يتبنى فيها حزب ائتلافي نظام الأبارتيد بشكل كامل ويتبنى أفكار الترانسفير (التهجير القسري) كبرنامج سياسي رسمي له. ويذكر أن فصيل الوحدة الوطنية ممثل في الحكومة بوزير واحد، بينما يحتل سموتريتز نفسه موقع نائب رئيس البرلمان".
وخلص إلى أن هذه الحادثة "تشكل سابقة في غاية الخطورة، وقد تفضي إلى شرعنة اتخاذ إجراءات متطرفة وعنيفة ضد الفلسطينيين"، مستدركا: "ولكنها في نفس الوقت تمثل إقراراً بأن حالة الاحتلال، والتي بدأت في عام 1967، لا يمكن أن تستمر إلى الأبد، وأن الوضع الراهن لا يصلح حلا نهائيا للصراع".
وقال: "حتى وقت قريب، كانت الدعوات لحل الدولة الديمقراطية الواحدة يقتصر على السياسيين أو النشطاء غير الصهاينة. أما الآن، فقد باتت مثل هذه الأصوات تسمع داخل اليمين الإسرائيلي، ومن بينهم الرئيس روفين ريفلين، على الرغم من أنه لا يرغب في رؤية قطاع غزة جزءاً من الدولة الواحدة ولا يقبل بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة".
وأشار إلى أن "نتنياهو نفسه أومأ إلى أنه يقف على مفترق طرق. وفي خطاب له أثناء حفل أقيم الشهر الماضي للاحتفاء بالذكرى الخمسين للمستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، أعلن أنه لن يتم إزالة أي "مستوطنة يهودية أو عربية" ضمن إطار أي عملية سلام مع الفلسطينيين، وقال إن نموذج الفصل القديم الذي توجد فيه دولة فلسطينية ودولة يهودية قد انتهى.
ونقل عن بعض المعلقين قولهم إن محمود عباس لم يقدم أي تفاصيل حول شكل الدولة الواحدة أو حول كيفية التوصل إليها، "إلا أن مجرد عرضه للفكرة والدفع بها من خلفية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلى واجهته قد تكون له تداعيات كبيرة في المستقبل القريب".