نهاية هذا الشهر سيشهد العالم على ولادة دولة جديدة في الشرق الأوسط الذي يسبح في بحار من الفوضى غير المتناهية، والتي لا يمكن لنا أن نتنبأ متى ستنتهي. ولكن المتفائل من المراقبين يرى أنها لن تنتهي بوحدة هذه الجغرافيا؛ وهذا ما بات أمرا شبه حتمي.
وفي مخاض هذه "الفوضى" التي تجتاح هذا الجزء من العالم، تُولد دولة جديدة لتنضم إلى قائمة الدول، أو أشباه الدول القائمة في المنطقة.
إقليم
كردستان يمكن أن نقول إنه دولة غير معلنة، أو إنه دولة تبحث عن الاعتراف بها رسميا، وما
الاستفتاء إلا الخطوة الأولى على بساط الشرعية الدولية.
وإذا ما نظرنا للواقع في الإقليم الذي يستعد لأن يصبح دولة، نجد أنه يتمتع بكل مؤسسات الدولة على الأقل من العسكرية، والأمنية، والتنفيذية، والتشريعية، والعلاقات الدولية أيضا.
لقد استفاد إقليم كردستان من الحملة الدولية على تنظيم الدولة في تقديم الدول الغربية عينات جديدة من الأسلحة الثقيلة، وتدريب الكوادر العسكرية الكردية والأمنية، وكل هذه الإجراءات جرت باستقلال تام عن الدولة المركزية في بغداد، وهذا ما يثير حكومة بغداد حول صدقية المجتمع الدولي في ما يقوله للأكراد بأن الوقت غير مناسب لإجراء مثل هذا الاستفتاء.
لماذا يريد المجتمع الدولي تأجيل الاستفتاء الكردي؟ وما هي أسباب معارضة تركيا له؟
المعارضة التركية لهذا الاستفتاء تأتي في ظل الامتعاظ الدولي من هذا الاستفتاء في هذا التوقيت. من حيث المبدأ، لا يرفض المجتمع الدولي هذا الاستفتاء، بل هو الذي وضع الأرضية المناسبة لقيام هذا الاستفتاء وقيام هذه الدولة التي ستظهر للوجود إن شاء أو لم يشأ هذا المجتمع، ومنذ أن فرض حصارا على
العراق، مرورا باحتلال العراق ووضع قوانين تساعد على تفكك العراق، وليس انتهاءً بالحرب على الإرهاب.
فإذا حاولنا النظر لهذه المعارضة الدولية لهذا الاستفتاء وتذرعه بأن الوقت غير مناسب، خصوصا من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، يبرز المأزق الأخلاقي الذي يضعون أنفسهم فيه؛ لأن دعمهم لهذا الاستفتاء في هذا التوقيت يفرض عليهم أن يدعموا أيضا الاستفتاء الذي سيجري في إقليم كاتالونيا الإسباني، فهم لا يريدون أن يقعوا في هذا المأزق. لذلك يقولون "تأجيل" هذا الاستفتاء وليس إلغاءه، فمطالبتهم بتأجيل هذا الاستفتاء ليس خوفا على تفكك المنطقة، بل اتجاه لتحجيم ما سيحصل في إسبانيا.
أما المعارضة التركية لهذا الاستفتاء، فهي تأتي في مسارين، الأول: تخشى من أن تنتقل العدوى إلى الداخل التركي، وهي تقول، كما تقول كل الدول إن الوقت غير مناسب، وأن هذا الاستفتاء سيُدخل المنطقة في حروب ومشاكل هي في غنى عنها، ولذلك ترغب في تأجيله حتى تلملم أطراف الأزمة لديها في الداخل التركي. والمسار الثاني: هي تريد أن تحدد مصير سوريا وتؤمن الحدود معها؛ حتى لا يكون هناك كيان كردي على حدودها.
من حيث المبدأ، لا تعارض تركيا الاستفتاء أيضا، ولا تعارض قيام دولة كردية في العراق، لكنها تريده أن يتأجل حتى تؤمن مخاوفها.
يمكن أن تتقبل تركيا قيام دولة كردية في العراق، لكن لا يمكن لها أن تقبل هذا الشيء في سوريا مثلا، والسبب هو أن لتركيا تعاونا قائما مع إقليم كردستان منذ زمن بعيد، ويمكن لها أن تجد ضمانات من الإقليم بخصوص أمنها، وهي بدورها ستقدم مساعدات للإقليم الذي سيصبح دولة؛ في كل المجالات، بخصوص بناء الدولة وترسيخ مؤسساتها، كما أنها ستوفر للإقليم منفذا للعالم يصدر من خلاله موارده، خصوصا المواد البترولية، وهذا الشيء غير متوفر مع أكراد سوريا بطبيعة تواصلهم وامتدادهم الطبيعي مع حزب العمال الكردستاني.
إذن، تركيا لا ترفض قيام دولة كردستان كغيرها من بقية الدول الغربية؛ أكثر من أنها تحتاج ضمانات من أكراد العراق على ضمان أمن تركيا، وأن يتعاون كردستان العراق، أو الدولة الجديدة، مع تركيا؛ في دفع عملية السلام مع أكراد تركيا، ومساعدتها في كبح جماح حزب العمال الكردي الذي يتخذ من جبال قنديل مقرا لقيادة عملياته، وهذا بالتأكيد سيتم بتوقيع اتفاقيات مع تركيا.