رغم اتفاق أطراف الحكومة
اللبنانية على تجنب القضايا الخلافية، حرصا على حسن سير العمل في الحكومة، إلا أن قضية خلافية أطلّت برأسها ووجدت مكانا لها على طاولة مجلس الوزراء. وزيران في الحكومة (أحدهما هو وزير الصناعة وينتمي لحزب الله والآخر وزير الزراعة وينتمي لحركة أمل) أبلغا مجلس الوزراء عزمهما تلبية دعوة رسمية من حكومة النظام السوري للمشاركة في افتتاح معرض دمشق الدولي. محور الأزمة هو توافق سياسي مسبق بين أطراف الحكومة التزام سياسة النأي بالنفس تجاه الأزمة السورية، وعدم التدخل بها لا إلى جانب النظام ولا إلى جانب المعارضة. تزامنت الأزمة داخل مجلس الوزراء مع تكرار أمين عام
حزب الله حسن نصر الله دعوة الدولة اللبنانية للتواصل المباشر مع النظام في
سوريا بذريعة التنسيق لتأمين عودة النازحين السوريين إلى مدنهم وقراهم، وكذلك للتنسيق بين الجيشين اللبناني والسوري لمحاربة جبهة النصرة وتنظيم الدولة في المناطق الحدودية اللبنانية السورية.
كان طبيعيا أن تلاقي دعوة نصر الله ترحيبا من أطراف أخرى قريبة من حزبه. فعلى الضفة المسيحية يريد التيار الوطني الحر التخلص من النازحين السوريين بأسرع طريقة وأي طريقة. فهو منذ بداية الأزمة السورية لم يخجل من إبداء انزعاجه من وجود كتلة بشرية سنية تزيد من الخلل الديموغرافي القائم. أما على الضفة الشيعية الأخرى فلاقى رئيس مجلس النواب نبيه بري دعوة نصر الله في منتصف الطريق، مستغربا كيف ترفض الحكومة التواصل مع النظام السوري في الوقت الذي يتواجد آلاف العناصر من حزب الله على الأرض السورية.
ذرائع كثيرة يقدمها دعاة التواصل بين الدولة اللبنانية والنظام السوري. فالعلاقات الرسمية والديبلوماسية بين لبنان وسوريا لم تتوقف يوما. ففي لبنان سفارة لدمشق وسفيرها يجول بين المسؤولين بحرية. كذلك في سوريا يوجد سفير لبيروت، وقد تم تعيين سفير جديد قبل شهر. إضافة لذلك، فإن التنسيق الأمني بين الجانبين متواصل. فصفقات التبادل التي جرت كانت تتم بالتنسيق بين الجانبين اللبناني والسوري، وآخر حلقات هذه الصفقات ترحيل مسلحي تنظيم أحرار الشام وعائلاهم من منطقة عرسال إلى الداخل السوري، وما كان ذلك ليحصل لولا التنسيق بين الجانبين؛ الذي يقوده من الضفة اللبنانية المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم المكلف من رئيس الجمهورية. دعاة التنسيق المباشر يؤيدون مطلبهم كذلك بأن المعركة التي يخوضها الجيش اللبناني في مواجهة تنظيم داعش في منطقتي رأي بعلبك والقاع؛ لا يمكن حسمها بسهولة دون دعم ومساندة الجيش السوري ومعه حزب الله من الجهة السورية. وهذا سيعجّل من وقت حسم المعركة وسيقلل من خسائر الجيش اللبناني. دعاة التنسيق المباشر يقولون "يكفي إلقاء نظرة على التاريخ والجغرافيا كي يدرك اللبنانيون أن لبنان من دون سوريا لايمكن له البقاء".
في المقابل، يقدم رافضو التنسيق المباشر ذرائع منطقية. فكيف يمكن التنسيق والتواصل مع نظام قتل مئات الآلاف من شعبه، وهجّر الملايين منهم في أرجاء المعمورة. من يتحلى بالجرأة للتنسيق مع نظام ثبت بالأدلة اليقينية أنه يقف وراء عدد من التفجيرات في لبنان التي أودت بحياة مواطنين أبرياء، وأنه المسؤول عن اغتيال مسؤولين في الدولة؟ كيف يمكن التنسيق مع نظام صدر حكم قضائي بحق عدد من كبار المسؤولين فيه بالضلوع في نقل عبوات متفجرة إلى لبنان تمهيدا لتفجيرها بين المدنيين، من خلال ميشال سماحة الذي يقضي عقوبته في السجن؟ كيف يمكن التواصل مع نظام فقد السيطرة على مساحات شاسعة من أرضه، ويخطط الأمريكي والروسي لتقسيم أرضه وتوزيع أجزائها كيف يشاؤون؟!
ربما تقضي مصلحة الدولة اللبنانية بالتنسيق والتواصل المباشر مع النظام، لكن للمصلحة الأخلاقية والإنسانية رأي آخر.