الأردن هو الدولة العربية الثانية بعد مصر التي أبرمت معاهدة سلام مع دولة
إسرائيل، لكن ما هو مصير هذه العلاقة بعد التوتر الكبير بين البلدين في المراحل الأخيرة؟ والى أين يمكن أن يصل تأزم الأمور؟
(1) صراع تاريخي
شارك الأردن في ثلاث حروب ضد الدولة الإسرائيلية بعد قيامها عام 1948، فقد شارك في حرب عام 1948 إلى جانب ستة جيوش عربية وجيش التحرير الفلسطيني، والتي منيت جميعها بهزيمة كبيرة بعد الإعلان عن دولة إسرائيل واعتراف الأمم المتحدة أمريكا وروسيا بها.
كما شارك الأردن في حرب 67 ضد الكيان الصهيوني، حرب كان يتزعمها الرئيس المصري جمال عبد الناصر. وقد خسرت الجيوش العربية جميع المناطق الفلسطينية والمصطلح على تسميتها حاليا بمناطق 67، إلا أن الأمم المتحدة والدول الكبرى لم تعترف لإسرائيل بأحقيتها بتلك الأراضي ولم تقر لها بالسيادة عليها.
وقعت معركة الكرامة في آذار عام 1968 بين الجيش الأردني والجيش الإسرائيلي الذي حاول الدخول إلى الأراضي الأردنية، فتصدى له الجيش الأردني بمستندة القوات الفدائية الفلسطينية بمعركة استمرت 16 ساعة، تكبد خلالها الجيش الإسرائيلي الكثير من الخسائر في الجنود والخسائر المادية.
احتضن الأردن القوات الفدائية الشعبية الفلسطينية والعربية والتي جاءت من أقطار عربية مختلفة بعد نكسة عام 1967، وقدم لها الأردن الدعم لمقاتلة الصهاينة على طوال الحدود مع إسرائيل، قبل أن تنحرف بوصلة الفصائل الفدائية الشعبية المقاتلة وتحاول الاعتداء على سيادة الدولة الأردنية، والتي انتهت بما يعرف بأيلول الأسود.
كما شارك الأردن في حرب أكتوبر عام 1973 بقيادة الرئيس أنور السادات، إذ وقف الأردن إلى الجانب السوري الذي كان يخوض المعارك من خلال الجبهة السورية ضد الكيان الصهيوني. وقد عمل الجيش الأردني تحت إمرة الجيش العراقي الذي جاء لمساندة الجبهة السورية ضد الكيان الصهيوني.
على أثر هبة أوسلو، ذهب العاهل الأردني الراحل الملك حسين إلى اتفاقية سلام بين الأردن وإسرائيل عام 1994 أنهت قرابة خمسة عقود من الصراع الرسمي بين الأردن وإسرائيل، إلا أن العلاقة لم تشهد تحسنا وتطبيعا شعبيا، فبقيت إسرائيل عدوا في نظر الشعب وأصبحت العلاقات محصورة بين الحكومات وبعض العلاقات التجارية لأصحاب رؤوس الأموال.
مرت العلاقة الأردنية الإسرائيلية بعد عملية سلام بتوتر حاد عام 1997 على أثر محاولة الموساد الإسرائيلي اغتيال قائد حركة حماس خالد مشعل في عمان بصعق رأسه بالسم، تدخل حينها الرئيس الأمريكي بل كلينتون وحل
الأزمة بتقديم الكيان الصهيوني علاجا لخالد مشعل والإفراج عن الراحل الشيخ احمد ياسين مع أحد مرافقيه، مقابل الإفراج عن عملاء الموساد وعودتهم إلى تل أبيب. والآن تشهد العلاقات الحالية أزمة دبلوماسية خانقة أثر قتل حارس تابع للسفارة الإسرائيلية اثنين من مواطني الدولة الأردنية.
(2) أزمة دبلوماسية خانقة
أقدم حارس السفارة الإسرائيلية الشهر الماضي على قتل حدث أردني على اثر خلاف بينهم أثناء تركيب المجني عليه أثاث منزلي للحارس الإسرائيلي، وقتل أيضا طبيبا أردنيا مالكا للعقار كان متواجدا أثناء الجريمة.
سريعا، استطاع الجانب الإسرائيلي أن يخرج الحارس الإسرائيلي من عمان بعد أن تدخل مستشار وصهر الرئيس الأمريكي كوشنر مع جهة عليا من الجانب الأردني، معتمدين على اتفاقية فيينا فيما يتعلق بحصانة البعثات الدبلوماسية، والتي تمنع التحقيق ومحاكمة أي من أعضاء البعثات الدبلوماسية أمام قضاء الدولة الأجنبية إلا إذا رفعت دولته الحصانة عنه، وهذا ما لم توافق عليه الحكومة الإسرائيلية.
غادر الحارس برفقة السفيرة الإسرائيلية من عمان بعد ساعات من جريمة القتل، قبل أن يصدر القضاء الأردني قراره، مع أنه صاحب السلطة والولاية بذلك. ووصل الحارس إلى إسرائيل، حيث تلقى اتصالا هاتفيا من رئيس الحكومة الإسرائيلية بمجرد خروجه من الحدود الأردنية، وتم تسريب هذا الاتصال بشكل متعمد، ليُستقبل في اليوم التالي بمكتب رئيس الوزراء استقبال الأبطال، وبطريقة استفزازية فيها نوع من الاستعلاء وجرح لكرامة كل أردني، فانفجر الشارع الأردني في وجه الحكومة والنظام الرسمي الأردني، وعمت حالة من السخط الشعبي كانت ظاهرت على مواقع التواصل الاجتماعي.
قرأ الأردن الرسمي استقبال الحارس الإسرائيلي من رئيس الحكومة كأسلوب شعبوي لتحقيق مكاسب سياسية داخلية، و رغبة من الحكومة الإسرائيلية بتوجيه رسائل سياسية قاسية للنظام الأردني، من خلال إحراجه مع الشعب الأردني، وإظهار حالة من الاستعلاء كرد فعل على ما قام به الأردن خلال الأشهر السابقة في الإفراج عن الجندي الدقامسة وإعادة الطيار المقاتل مجدي الصمادي للخدمة العسكرية، وجهود العاهل الأردني بتأجيل قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، إضافة إلى الهجوم الإعلامي المتبادل بين الحكومة الإسرائيلية والحكومة الأردنية على أثر سقوط ثلاثة شهداء أردنيين في المسجد الأقصى؛ قال الجانب الإسرائيلي إنهم حاولوا الاعتداء على أفراد الجيش والشرطة الإسرائيلية بالطعن في المسجد الأقصى، ثم موقف الأردن الحاد من مسألة إغلاق المسجد الأقصى وتركيب البوابات الالكترونية على أثر مقتل اثنين من أفراد الجيش الإسرائيلي؛ قبل أن يتم تفكيكها بناء على تحذيرات جهاز الشباك من انفجار الداخل الفلسطيني وشعوب المنطقة، كما قال الإعلام الإسرائيلي.
(3) مستقبل العلاقة الأردنية الإسرائيلية إلى أين؟
قطع العاهل الأردني سفره ليزور بيت العزاء الخاص بضحايا الجريمة، وتأكيده على رفض أسلوب الاستعراض والاستفزاز الذي تقوم به الحكومة الإسرائيلية في استقبال الحارس القاتل، والتأكيد على عدم قبول واعتماد البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية، إلا بعد اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لضمان تقديم الحارس الإسرائيلي للمحاكمة وفقا لقانون وقضاء دولته وفقا لأحكام اتفاقية فيينا.
في الوقت ذاته كانت النيابة العامة الأردنية قد أصدرت قرار باتهام الحارس الإسرائيلي بارتكاب جريمة قتل متعددة وحيازة سلاح بدون ترخيص، وأعلنت عدم اختصاصها بالنظر بالقضية ما دام انه لا توجد موافقة إسرائيلية على رفع الحصانة الدبلوماسية عن الجاني، وأحالت الملف لوزارة الخارجية لتعمل بالمقتضى القانوني بتحريك شكوى ضد الجاني أمام المحاكم الإسرائيلية، حيث أن الحصانة هي حصانة إجراء وليس حصانة ضد العقوبة على ارتكاب الجريمة، فيما بدأ مجلس النواب وكثير من النواب المحسوبين على التوجه الحكومي بالتوقيع على مذكرة تطالب بطرد السفير الإسرائيلي، إذ بلغ العدد الموقع 88 نائب من أصل 130 نائبا، والعدد بتزايد.
واضح أن الأردن، ورأس النظام الأردني على وجه الخصوص، غاضب من الاستفزاز الذي قامت به الحكومة الإسرائيلية وطريقة الاستعراض. لكن ما هي سيناريوهات الأردن في التعامل مع الأزمة؟
السيناريو الأولى: التصعيد مع الدولة الإسرائيلية والذهاب إلى ذات الخيارات التي ذهبت إليها تركيا في التعاطي مع الجريمة الصهيونية في الاعتداء على سفينة مرمرة، كقطع العلاقات الدبلوماسية وسحب السفير الأردني والبعثة الدبلوماسية، وعدم اعتماد سفير وطاقم بعثة دبلوماسية لإسرائيل في عمان، وإغلاق المجال الجوي أمام الملاحة الإسرائيلية ووقف التعاون الأمني والاستخباري، ووقف المشاريع الاستراتيجية التي يشارك فيها البلدان، كناقل البحرين، ووقف التبادل التجاري، وجعل كل ذلك مرهونا بمحاكمة الحارس وفقا لأحكام القانون، وتوقيع العقوبات القانونية عليه، وتقديم اعتذار رسمي للأردن عن أسلوب الحكومة في تعمدها إهانة الأردن وجرح كرامة الشعب الأردني.
السيناريو الثاني: توجه الأردن إلى ترك الباب مواربا في وجه الدولة الإسرائيلية، وذلك بعدم قبول إعادة البعثة الدبلوماسية والسفيرة إلى عمان، والسلوك مسلك الدبلوماسية وأحكام القانون الدولي في ملاحقة القاتل الإسرائيلي، والذهاب إلى اتخاذ إجراءات تجاه ذوي الضحايا تخفف الاحتقان الشعبي وتصرفه تجاه الدولة الإسرائيلية، والذهاب إلى التصعيد الخفيف المتدرج وجعل وقف ذلك مرهونا بقائمة مطالب أردنية محددة.
السيناريو الثالث: توتير العلاقات إعلاميا لمرحلة مؤقتة وترحيل الأزمة مع الحكومة الإسرائيلية؛ إلى أن يخف احتقان الشارع، ومن ثم إعادة طاقم السفارة إلى عمان، والذهاب إلى صفقات سياسية بين الدولتين مع التعويضات لذوي القتلى لطي الملف.
ترجيح السيناريوهات
طبيعة العلاقات بين البلدين والتي اصطلح على تسميها الإعلام الإسرائيلي بالعلاقات العميقة غير المعلنة (التعاون الأمني ) بين الأردن وإسرائيل في هذه المرحلة من عمر المنطقة الملتهب، واشتراك إسرائيل والأردن في المحور الأمريكي في المنطقة، وقرب إسرائيل من الدولة الأمريكية، خاصة مع الإدارة الأمريكية الجديدة، والحديث عن قرب تدشين مرحلة ما يسمى بصفقة القرن، والدخول في مرحلة تبديل التحالفات في المنطقة، وتوجيه الصراع نحو إيران.
وحجم المشاريع الاستراتيجية بين البلدين يجعل الذهاب للسيناريو الأول بالكامل مستبعد تماما. ويتلاشى السيناريو الثاني عند النظر إلى حجم الغضب الذي ينتاب العاهل الأردني من طريقة الحكومة الإسرائيلية في التعاطي مع الحدث ومحاولتها وتعمدها الإساءة إلى الأردن نظاما وشعبا.
وتبدو معالم السيناريو الثالث هي الموجودة على الأرض، إذ رفض الأردن عودة السفيرة والطاقم الدبلوماسي لعمان حتى الآن، وطالب عبر وزارة الخارجية بمحاكمة الحارس الإسرائيلي وفقا لأحكام القانون، فيما يبدو أن الأردن سيترك الباب مواربا، وستشهد العلاقات الدبلوماسية المعلنة بين الحكومات برودا كبيرا حتى تحل القضية بطريقة تعيد للأردن كرامته التي حرصت الحكومة الإسرائيلية على جرحها والاعتداء عليها. وستبقى الأمور على هذه الحالة حتى صدور قرار قضائي إسرائيلي بالجريمة، والذي في الغالب سيكون قرارا مخففا تحت ذريعة رد اعتداء عن النفس، ودفع تعويضات لذوي القتيلين الأردنيين، إلا أن إسرائيل ستمتنع عن تقديم اعتذار للأردن بشكل رسمي لأسباب داخلية؛ إلى أن يتدخل طرف غربي في وساطة تحل الأزمة بطريقة المقاربات والصفقات السياسية التي تساعد في ترميم مكانة الأردن الرسمي لدى الشعب في موضوع الأزمة.